عزومات وخناقات

كتبت :نجلاء ابو زيد

 عزومات رمضان من العادات المصرية الأصيلة التي تحقق الترابط الاجتماعي والتواصل العائلي، فما أن يقترب الشهر الكريم إلا وتدخل الأسرة فى مفاوضات شاقة لإعداد قائمة بولائم الأهل والأحباب وما يترتب على ذلك من مفاضلات بين الأزواج حول أهمية تلك الوليمة عن الأخري، مما يتسبب في خناقات زوجية نتيجة عدم الاتفاق سواء بين المعزومين أو العازمين.. فكيف يمكن تجاوز هذا الأمر ليمر رمضان بدون شجار زوجي؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه خلال هذا التحقيق

البداية كانت مع سهام سعيد - بكالوريوس تجارة - حيث تقول: تزوجت منذ عامين وفى أول رمضان يمر على بعد زواجى كدت أطلق بسبب موضوع العزومات الرمضانية، ولم أكن أتخيل أن العزائم أحيانا فرصة لتصفية حسابات أو إثبات القوة والنفوذ، لكن حدث هذا معى فعلاً. فبعد شهور من زواجى جاء رمضان الأول ولأننى يتيمة الأب وليس لى سوى شقيقة واحدة تعيش مع أمى فقد وعدتهم أن أحضر وزوجى للإفطار معهم فى هذا اليوم، وأخبرت زوجى فوجدته يثور بشدة ويرفض ويؤكد لى أن العادات تؤكد أهمية إفطارى مع أسرته فى اليوم الأول ليفرحوا بابنهم وزوجته، ولأننى أساساً لست على وفاق كامل مع أهل زوجى فاجأتنى الفكرة فحاولت استمالته بالتأكيد على أن أسرته كبيرة العدد ولن يفتقد أحد وجودنا لكنه ثار واعتبرنى أحسدهم وترك البيت وتركته أنا الأخرى وأخبرت أمى وأقنعتنى بضرورة الاستجابة لطلب زوجى وفعلاً عدت لكننى لم أكن سعيدة فى أول يوم رمضان وظللت أتصل بأمى فأغضب هذا حماتى وحدثت مشكلة كبيرة وتدخل البعض وأنهوها وفى هذا العام سأذهب عندهم لكننى خائفة من رد فعل حماتى، فهى تحب إظهار قوتها وأهميتها خاصة فى المناسبات لدرجة أنها تحجزنا الأسبوع الأول للافطار معها وعندما أطلب الذهاب عند أمى تخبرنى أن الست بعد الزواج تفطر مع عائلة زوجها.

تقدم دعاء فاروق موظفة نموذجاً آخر للخناقات بسبب العزائم قائلة: بطبعى أعود مرهقة جداً من عملى وأفضل تناول الإفطار والنوم، لذا لا أحب الذهاب للإفطار عند أحد أو دعوة أحد وأفضل أن يكون ذلك فى الأيام العادية لا فى رمضان لكن زوجى عكسى تماماً وأفاجأ به يتفق على عزومات ويدعو الناس ثم يخبرنى فأغضب وأتشاجر معه لأن كل عزومة فى بيتى تستدعى أخذ إجازة من عملى وعندما أطالبه بأن ندعو جميع أشقائه فى يوم واحد ليكون مجهود يوم واحد يرفض ويتهمنى بالبخل وعدم حب أهله، لذا فرمضان كل سنة تكثر فيه مشاكلنا بسبب عدم تقدير زوجى بعد عشر سنوات زواج لطباعى ورغبتى فى البقاء فى بيتى أو تلبية الدعوات على أضيق نطاق. تكلفة العزومات هى سبب أزمتى هكذا تحدثت مروة خالد - ربة بيت - وقالت أنا شخصياً أحب اللمة جداً وأفرح بالعزومات لكننى أحمل الهم بسبب التكاليف الخاصة بكل عزومة خاصة وأن زوجى يعطينى المصروف منذ بداية الشهر وعلى تدبير احتياجاتي، وعندما أدعو أهلى أو أهله أضطر لعدم طهو شىء جديد لأولادى مدة يومين أو أكثر بعد هذه العزومة لتوفير النفقات، والمشكلة الأكبر أن البعض يقيم الطعام ويعتبر أن الأمر متعلق بمكانته عندك لدرجة أن زوجى قال لى فى إحدى المرات أنك تصنعين أكل أرخص لأهلى عن أهلك فى حين أننى لم أتعمد ذلك أبداً كله حسب ظروفنا المالية. وأتمنى أن تتغير النظرة للعزومات وتعتبر فرصة تلاقى لا أكل خاصة وأن الأسعار نار ودعوة أكثر من عائلة على مدار الشهر تكلفنا مبالغ طائلة.

زوجى والعزائم أزمة كل رمضان هكذا بدأت السيدة نبيلة السيد - ربة بيت -وقالت: زوجى يفضل التقليدية فى كل شيء فهو يحضر من العمل وينام حتى الافطار لذا لا يحب الذهاب لأى عزومات أو دعوة أحد فى بيتنا وبسبب هذا أزمة عائلية لا يقدرها لأن والديه توفيا من زمن بينما أهلى على قيد الحياة، وعندما ألح عليه بأن الأولاد يفرحون بالجلوس مع أولاد خالهم وخالتهم يخبرنى أن له طقوس خاصة ولن يغيرها وأحيانا يطلب منى أذهب بمفردى وأتركه يفطر بمفرده، فى البيت وبعد إلحاح قد يذهب لعزومة واحدة، لكن المشكلة الأكبر تحدث عندما أدعوهم عندى حيث يصر على النوم ولا يستيقظ إلا على الإفطار، وعندما يحضر الناس أضطر لاخبارهم أنه أرهق جداً فى العمل وسقط من الارهاق، وأكون فى قمة الخجل من تصرفاته وبمرور الوقت وشعور أهلى أنهم غير مرحب بهم أصبحوا يأتون لنا بعد الإفطار، وبالرغم من انتظارى لرمضان لأنه شهر خير وبركة إلا أننى فى كل عام أحمل هم العزومات وما سأفعله مع زوجى لاقناعه بمجاملة الناس.

وإذا كانت هذه مشكلة الزوجات مع العزومات فى رمضان فكيف يراها الأزواج.

الأستاذ على ثروت - موظف - يقول: الظروف الاقتصادية قللت مساحة العزومات خلال الشهر وأنا شخصيا أفضل الإفطار فى بيتى أو عند والدى مرة كل أسبوع، لكن زوجتى تريد أن تعزم شقيقاتها وأشقائها كل على حدة لأن هذا متشاجر مع ذاك أو لأنهم يعزموننا بمفردنا، فالعزومات فرصة للتباهى وهذا ما يجعلنى أعتذر عن معظمها وأفضل التقابل بعد التراويح على حلوى وشاي.

يتفق معه خال فوزى -موظف - اتفقت مع زوجتى بعد سنوات من المشاكل بسبب العزائم على أن المسموح لنا عزومة فى الأسبوع نذهب فيها عند أحد الأقارب أو ندعو الناس فى منزلنا لأننى لن أغير نظامى وعباداتى إلا مرة فى الأسبوع، والحمدلله تفهمت الأمر لأننا عشرة 15 سنة أرهقنا خلالها من الشجار.

«الجميع يدعون ويذهبون وهم مضطرين وهذا يضايقنى جداً «هكذا بدأ سيد على «صاحب محل» حديثه وقال: بصراحة الكل يكره العزومات فى رمضان وكل الرجال تفضل الافطار فى البيت لكن حتى لا يغضب أهله يذهب إليهم وحتى لا يغضب أهل زوجته يذهب إليهم وقد تحدثت بصراحة فى هذا الموضوع مع كثيرين فوجدت أن الجميع لا يفضلون العزومات إلا عند الأب والأم حتى يشعروهم بالفرحة واللمة فى رمضان لكن مضطرين لذلك حتى لا يفهم أحد الأمر على أنه إعراض شخصى أو عدم الرغبة فى دعوة فلان أو الذهاب لعلان، وأتمنى أن تنتهى هذه العزومات تماماً أو يتم الاكتفاء بعزومة كبيرة يوم واحد نجمع خلالها كل من نحبهم ونعود لحياتنا الطبيعية، فأنا أحب الافطار وسط أولادى لأننى أفتقده طوال العام لكن المجاملات فلا داعى لها.

وإذا كان اختلاف وجهات النظر بشأن العزومات سيتسبب فى المشكلات فكيف يمكن تلافى هذا الأمر والاحتفاظ بروح اللمة فى الشهر الكريم؟

- عن ذلك سألنا د. سامية خضر أستاذة علم الاجتماع- فقالت: الدعوات العائلية على الافطار من العادات المتأصلة فى المجتمع المصرى وإن كانت أهميتها قلت فى السنوات الأخيرة مع زيادة الانشغال وضيق الوقت والظروف الاقتصادية، ولكن هناك من لايزال حريصاً على دعوة أفراد عائلته على الافطار كفرصة لصلة الرحم ولم شمل الأسرة وهذا شيء طيب بشرط ألا يكون فوق طاقة الأسرة أو وسيلة للضغط الاقتصادى على الزوج، فالعزائم كلما كانت بسيطة وغير مكلفة كما زاد حرص الزوجين عليها، وهناك بعض الزوجات يدخرن مالاً طوال العام من أجل عزائم رمضان، وهنا يجب أن يدرك كلا الزوجين أن العزائم الرمضانية فرصة للم الشمل ويجب ألا تكون مصدراً للشجار العائلى، وهذا يتطلب الاتفاق المسبق من الزوجين على مبدأ العزائم والأوقات المناسبة لكليهما وأن يراعى كل طرف طبائع الطرف الآخر وألا يضغط عليه حتى لا تخرج العزائم من القصد الحقيقى لها.

وأضافت أن اليوم الأول لرمضان عادة يكون أكثر الأيام شجاراً بسبب رغبة كل طرف فى الإفطار فى بيت عائلته، وهنا يمكن الاتفاق على الافطار فى كل بيت أول يوم من كل رمضان بالتبادل كل عام، كذلك يجب أن يجتهد كل طرف فى إسعاد الطرف الآخر عند دعوة أطراف من عائلته حتى لا يكون هذا مصدراً للخلاف. وحالياً أصبح هناك تقليد جديد فى بعض الأوساط وهو ذهاب كل عائلة للافطار ومعهم طبق بحيث لا يشعر أصحاب الدعوة أن التكلفة عالية عليهم كذلك يوفر نظام طبق لكل عائلة المجهود على صاحبة الدعوة، ويجب أن نستوعب كأزواج أن رمضان فرصة للتواصل العائلى والمجتمعى، ويجب أن نساعد على حدوث ذلك وألا نترك أنفسنا لخلافات واهية تضيع علينا الاستمتاع بأيام هذا الشهر، وإذا اتفق الطرفان قبل قدوم الشخص وحاول كلاهما إسعاد الآخر ستصبح الدعوات مصدراً للسعادة والفرحة للأسرة والأولاد 

المصدر: مجلة حواء- نجلاء أبو زيد

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,807,146

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز