رجال الدين:

ملك اليمين إباحة لما حرمه الله

كتب : محمد الشريف 

«زواج ملك اليمين» حالة من حالات الرق حسبما أفتي مجمع البحوث الإسلامية، والحديث عنه ردة وعودة إلي عصور الجاهلية التي انتشرت فيها أشكال الرق والعبودية التي حاربها الإسلام وعمل علي التخلص من كل صورها.

فهل تعد مثل هذه الدعاوي صدمة للمرأة وشرخ في سفينتها التي طالما واجهت بها أمواجاً عاتية للحصول علي ما حققته من مكتسبات؟ وهل يعد ذلك إهداراً لكرامتها وانتهاكاً لآدميتها، الا تعد تلك الدعاوي محاربة للإسلام والمسلمين وردة لعصور الجهل والضلال وإباحة لماحرمه الله، الا تعد خرقاً للقوانين والمعاهدات الدولية التي جرمت الرق بما يتفق مع المبادئ والمقاصد العامة للشريعة؟ وحول ملك اليمين ومفهومه ورأي الدين فيه كان ذلك التحقيق ll

وعن العلاقة الاجتماعية التى كانت تجمع بين الرجل والمرأة فى عصر ما قبل الإسلام يتحدث أ.د لطفى عفيفى عبدربه- أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر -قائلاً: كان العربى فى الجاهلية لا يكتفى بزوجة واحدة إما بقصد إعالتهن أو لغرض سياسى، كأن يكون رئيساً بين قومه فيسعى لأن يكون صهراً لعدد كبير من القبائل حتى يرتبط معها برباط المصاهرة أو بقصد الإكثار من الذرية والتناسل، وقد تعددت أنماط الزواج فى العصر الجاهلى ومنهما- زواج الصداق أو البعولة ويكون بأن يخطب الرجل من الرجل ابنته أو أخته فيصدقها بصداق يحدد مقداره ثم يعقد عليها، وكانت قريش وكثير من قبائل العرب يؤثرون هذا النوع من الزواج، كذلك وجد ما يسمى بزواج المتعة ويقوم على أجل معين يتفق الرجل مع المرأة عليه فإذا انقضى ذلك الأجل افترقت عنه، وفى هذا النوع يقدم الزوج صداقاً معينا، ويكون لأولاده حق الانتساب إليه، وحق الإرث، وقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن زواج المتعة بعد غزوة تبوك.

كما وجد زواج السبى وفيه يتزوج الرجل المحارب من إحدى النساء اللاتى وقعن فى السبى، كان لا يشترط فى ذلك النوع صداقاً، أما زواج الإماء فقد كفل للعربى أن يتزوج من أمته، فإذا أنجبت له ابناً لا يحق له أن ينتسب إليه بل يظل هو وأمه عبيداً. كذلك كان يحق للابن أن يرث زوجة أبيه والعكس وهو ما سمى بزواج المقت وقد نهى الإسلام عن ذلك فى قوله تعالى«ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف» أما نكاح السر فهو عقد يعقده أحد الأشراف عادة مع من هى أدنى منه فى المكانة، فإذا حبلت منه أظهر ذلك والحقها به وقد نهى القرآن عنه فقال «ولكن لا تواعدوهن سراً».

ويشير د. عفيفى إلى أنواع أخرى كثيرة انتشرت قبل الإسلام ثم جاءت الشريعة الاسلامية بأسلوبها التدريجى فألغتها وابقت على ما يحفظ آدمية المرأة ويعلى كرامتها، ويذكر من ذلك نكاح الاستيضاع وهو نكاح انتقائى مؤقت يدفع فيه الرجل بزوجته إلى رجل يتم اختياره بعد انقطاع دورتها الشهرية فيضاجعها، ويبتعد عنها زوجها فترة حتى يتأكد من حملها، وذلك طمعا أن تنجب له ولداً يحمل نفس صفات من وقع عليه الاختيار طمعا منه فى تحسين النسل وانجاب الولد.

وأما عن نكاح المخادنة فيقول أستاذ الفقة المقارن: هو نكاح قائم على الصداقة وكانت المرأة يحق لها قبل الإسلام أن تقيم صداقة مع رجل غير زوجها يكون لها بمثابة العشيق ولا يملك زوجها الحق فى الاعتراض أو منعها عنه. وقد ذكر القرآن ذلك فقال «محصنات غير مسافحات ولا متخذات آخدان».

تبادل الزوجات

ويذكر د.لطفى شكلاً من اشكال تبادل الزوجات قديماً وقد كان نمطا منتشراً فى الجاهلية ويتم فيه تبادل الزوجات بشكل مؤقت بين الرجلين لفرض المتعة دون الحاجة إلى إعلان طلاق أو عقد.

ويضيف د. عفيفى: كل هذه الأنواع من الزواج بالإضافة إلى ما اشتهر به العرب قديماً من وأد للبنات يشير إلى سوء معاملة الابنة وإهدار كرامة المرأة، وهذا لا يلغى بعض الأمثلة التى كانت تحسن إلى بناتها وتكرم زوجاتها والأمثلة على ذلك كثيرة إلا أن الإسلام منذ 1400 سنة أعطى للمرأة حقوقاً حرم منها غيرها من النساء فى المجتمعات الأخرى ومن تلك الحقوق على سبيل المثال حق الحياة بعد أن كانت تقتل وهى صغيرة، وحقوقا اجتماعية واقتصادية وسياسية وعلمية وثقافية وغيرها من الحقوق التى من شأنها إعلاء كرامة المرأة ورفعة منزلتها.

الزواج والتوثيق

ويشير الأستاذ بجامعة الأزهر الى الحكمة من توثيق عقود النكاح والطلاق قائلاً: كانت عمليات الزواج تتم بين الطرفين دون توثيق للعقود حيث أن العرف السائد قبل الإسلام بل وفى صدر الإسلام والقرون الأولى منه كانت الكلمة بمثابة التوثيق فى عصرنا الحاضر، فكان من المستحيل الا يفى الرجل بوعوده أو يتنصل منها، بل كان من العار أن يتراجع العربى عن ما الزم نفسه به تجاه زوجته وقبيلتها، وفى غالب الأمر أن المجتمعات البدوية حتى الآن سواء فى مصر أو فى غيرها تسير على نفس النهج ولكن فى المجتمعات المعاصرة نجد أن الوازع الدينى قد ضعف والقيم والأخلاقيات تلاشت واندثرت وانصرمت المروءة والفضائل والقت بظلالها على المعلامات الزوجية لذا نجد أن العصور الحديثة اضطرت إلى تسجيل عقود الزواج والطلاق وغيرها من الأحوال الشخصية فيما يحفظ الحقوق لكلا الطرفين.

محاربة الاسلام

أكد فضيلة الدكتورعلى جمعة، مفتى الجمهورية أن الإسلام أغلق ثلاثة موارد للرق وأبقى على واحدة، إذ أنه جاء وكان نظام الرق قائما فى شتى بقاع الأرض وكان من الصعب إلغائه كلية فاتخذ أسلوب التدريج فى التشريع، وهو نظام يعنى أن يستعبد إنسان إنسانا آخر فيصير هذا الرجل أو المرأة كالشىء الذى يجوز بيعه ويجوز توريثه، بل وصل الحال عندالرومان أنهم كانوا يدربون أبناءهم على السهام ويجعلون العبيد هم الهدف، إلا أن الإسلام جاء فأنهى زمن العبودية والرق وفتح باب العتق حتى أصبح تعبداً لله وتقرباً إليه وتكفيراً للذنوب.

وقد كان للرق أربعة مصادر منها رقيق الدين أى أنه إذا كان لى دين عند إنسان وعجز عن السداد فأنا اتملك هذا الإنسان، وإذا كان الدين اكبر قيمة فأنا امتلك ابناءه وزوجته، وهناك مورد الخطف ومورد الجوع وفيه يبيع الإنسان أبناءه إذا لم يستطع إطعامهم. وأما المورد الرابع والأخير فهو مورد الحروب والأسر فأبقى الإسلام على صورة الرق فى الحرب وكان الإمام أو الخليفة هو سيد الأسرى، ويجوز له أن يستبدل بهم أسرى مسلمين، أو أن يردهم أو يضرب عليهم الرق، وأمرنا الإسلام بعتق العبيد وجعل تكفير الذنوب بعتق الرقاب.

وأكد فضيلة المفتى أن المرأة التى تأتى للرجل فتقول: ملكتك نفسى وعاشرها معاشرة الأزواج فهو زنا حرام شرعاً، فالحر لا يدخل تحت يد شخص آخر حتى برضاه، فلا يجوز أن أبيع آبنائى، فإذا بعتهم ظلوا أبنائى وظلوا أحراراً.

وأضاف: أن من يقوم بذلك افتراء على الله وعلى الإسلام والمسلمين ويغيرون المسميات فهو زنا يسمونه ملك يمين كل ذلك من عدوان المعتدين، وجهل الجاهلين، فمنذ أكثر من 153سنة انتهى الرق فى العالم الإسلامى كله فإذا جاء أحد العاطلين المفسدين يريد أن يتلاعب بالإسلام والمسلمين فنقول له خسئت وخسرت والله من ورائك محيط وكل ذلك من قبل الإفلاس ولا يزال الإسلام لديه من العلماء القادرين على رد الشبهات وإيقاف أعداء الإسلام عند حدودهم، والدفاع عنه بأرواحهم واحقاق الحق وإبطال الباطل، وإعلاء كلمة الله، وإظهار النيات السيئة لكل المتربصين بالاسلام وأهله.

استدلال فاسد

وعن حكم زواج ملك اليمين تقول أ.د آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: إن إقدام البعض على الاستمتاع بامرأة حرة لعدم وجود أسواق جوار للبيع والشراء ولعدم وجود إماء فى تركات مورثين والتى كانت من أسباب ملك اليمين فيما مضى يعد زنا وفقا لما قرره أئمة العلم.

وعن الاستدلال لقوله تعالى «ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض..» تقول إن ذلك استدلال فاسد يدل على جهل صاحبه المدعى بصحة ذلك الزواج لأن المعنى الصحيح لهذه الآية أن من لم يستطع منكم يا معشر المؤمنين الأحرار أن يحصل على زيادة فى المال تمكنه من أن ينكح الحرائر المؤمنات، فله أن ينكح بعض الإماء المؤمنات اللاتى هن مملوكات لغيركم بشروط ثلاثة وهى أن يكون الناكح غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق، ويخشى الفاحشة وذلك بإذن الملاك لهن المعبر عنهم بقوله «أهليهن»، وسداد المهور لمالكها «مالك الأمة لدى جمهور الفقهاء كما يراه المالكية» ويشترط فى الإماء أن يكن عفيفات بعيدات عن الفاحشة والريبة، وهذا كله ليس له وجود فى الواقع العملى» أما أصحاب تلك الدعوات الهدامة المشينة المسيئة للمسلمين تجب محاكمتهم فى الدنيا وجزاءهم ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال لا تقوم الساعة حتى يستحل أناس «الحر» الفرج.

الرق والتدرج

ويوضح الشيخ على عبدالدايم شحاته- الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إن ملك اليمين هو لون من ألوان الرق وقد كان موجوداً فى عصر ظهور الإسلام وفى البلاد القديمة، وكان تملك الجوارى علامة من علامات الثراء، ولم يكن من الحكمة أن يلغى الإسلام هذا النظام الذى كان يعد جزءاً من النظام الاقتصادى، لكن شرع أحكاماً تؤدى إلى القضاء عليه بالتدريج، لأن إلغاء الرق مرة واحدة كان سيؤدى إلى مشكلات كثيرة، فهؤلاء الأرقاء وهم العبيد والجوارى ليس لهم بيوت تأويهم إلا بيوت أسيادهم، ولذلك فلو كان ألغى مرة واحدة فسيخرج السادة عبيدهم إلى الشوارع وحينئذ لا يؤمن من ثورة الجياع وهى من أخطر الثورات لذا شرع الإسلام ما يؤدى على الزمن البعيد إلى إلغائه، وشجعت الشريعة الإسلامية على العتق، وجعلته عقوبة لبعض المخالفات الشرعية، أما الآن فإن الرق غير موجود ولا يوجد الآن ما يسمى «ملك اليمين» والذى يريد أن يرجعه إنما يريد إرجاع شىء ألغته الشريعة، وانتهى عصره وأصبحت البشرية كلها حرة، وأصبح الرق ملغياً بعد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.

الشوق إلي الحرية

من جانبه أكد الشيخ عبدالحميد الأطرش- رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً- أن الشرع جعل الزواج من الإماء من الأمور التى لا يجوز اللجوء إليها إلا فى الضرورة القصوى، يقول تعالى «ذلك لمن خشى العنت منكم وإن تصبروا خير لكم» ومعنى العنت: أنه إذا وقع فى مشقة شديدة للغاية تجعله يقع فى الحرام، فهو يوازن بين أن يتزوج من أمة أو يقع فى الحرام، وفى نهاية الأية قال عز وجل أن من يصبر فهو خير، وكل الأرقاء حرروا بمنهج الاسلام الذى سد أسباب الرق، فلا يسترق أحد بسبب الدين فقال: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة» والتدرج فى علاج المشكلات الملحة هو من خصائص التشريع الإسلامى، وقد جعل الإسلام تحرير العبيد من العبادات التى يتقرب بها العبد إلى ربه فقال «فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة» وقال صلى الله عليه وسلم «من أعتق رقبة مسلم أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار» فإذا كان الإسلام الغى الرق فهل يجوز أن نرجعه بأيدينا.

إباحة للزنا

«حالة بشرية» بهذا الوصف وصف د.سالم عبدالجليل-وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة - ملك اليمين قائلاً «إن الفتوى بجواز زواج ملك اليمين تبيح الزنا، وأن ملك اليمين كانت حالة بشرية موجودة عبر الزمن وانتقلت الى العرب فى الجاهلية، كان مصدرها الحروب سواء كانت دفاعية أم هجومية، وكانت القبيلة الغالبة تأسر من تستطيع أسره من الرجال فيكونوا عبيداً، ومن النساء فيصرن إماء، كما كان القوى يأسر الضعيف من غير حرب ويبيعه كما تباع البهيمة ويستفيد بثمنه وكان يؤجره أو الأمة للآخرين للاستمتاع بهن وهو ما عرف بالبغاء مقابل منفعة، وقد جاء الإسلام والوضع هكذا فأنكر بشدة كل هذه الممارسات. وكعادة الشريعة الإسلامية فى تدرجها فى القضاء على العادات والممارسات القبيحة نزل بالتشريع الآتى: أولاً منع الاسترقاق وحرمه، إلا أن يكون فى حرب مشروعة، وإنما أباح الاسترقاق فى الحروب المشروعة معاملة بالمثل من جانب ومن جانب آخر حتى يستطيع التفاوض عليهم بعد ذلك واعتبارهم أحد الأسلحة المهمة فى الحرب. ثانيا: جعل لولى الأمر بعد انتهاء المعركة الحق فى أن يمنّ عليهم بالحرية دون مقابل أو بفدية أو بمبادلتهم بأسرى المسلمين، ثالثاً: جعل فداءهم كفارات لمن حلف بالله وأراد أن يرجع فى يمينه أو ظاهر امرأته، رابعاً: أمر بمعاملة الرقيق أو العبيد والإماء معاملة حسنة كبشر لهم حقوق البشر، خامساً: جعل من هذه الحقوق الإشباع الجنسى، فسمح للعبد أن يتزوج الأمة ويكون سيدها هو الولى وسمح للسيد فقط أن يعاشر الأمة- غير المتزوجة -معاشرة الأزواج حتى يشبع رغبتها كأنثى فإن حملت حررت، ولا يجوز بعد ذلك بيعها وتسمى أم ولد.سادساً: سمح للرجل الحر الذى لا يطيق أن يتزوج من حرة أن يتزوج من أمة بإذن سيدها، وأخيراً عندما صدرت قوانين دولية تجعل الأسير فى الحرب مجرد أسير ولا يطلق عليه وصف العبودية أقرت بذلك كل الدول الإسلامية وشجعت عليه، لأنه يتماشى مع إرادة الإسلام بمنع الرق.

ويضيف:أنه لم يعد فى زماننا عبيد ولا رق لا رجالا أو نساء، وكل الآيات الواردة فى ملك اليمين راجعة إلى الزمن الذى كان فيه ملك اليمين، وإذا نكصت الدول مواثيقها ونقضت عهودها واعادت الرق بسبب الحروب لا تملك الدول الإسلامية إلا أن تتعامل بالمثل وعندئذ قد يعود الرق، وساعتها سيتعامل المسلمون بالمنهج السابق 

المصدر: مجلة حواء- محمد الشريف

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,925,061

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز