الغلاء وسنينه
بقلم :أمل مبروك
الأسعار التى لا تطاق أصبحت تعصف بعقل المواطن قبل جيبه ودخله البسيط، وقديما كان البصل دون غيره من الخضراوات يسيل دموع من يتعامل معه، أما الآن فإن أسعار الخضراوات واللحوم والأسماك والزيت والسكر .. وغيره وغيره، أصبحت تمارس ذات الفعل وتتسبب في أزمات كبيرة حتى باتت الكثير من الأسر عاجزة عن مواجهة الغلاء الذي لا يتوقف، وها هى أسواقنا تعيش فوضى عارمة، تتسبب في الارتفاعات المتكررة، التى تتحول من سعر محجف إلى آخر أكثر إحجافا.. تجعلنا جميعا نتساءل عن دور الحكومة والرقابة في إمكانية السيطرة عليها !!
الارتفاعات العشوائية
نحن في ظروف طارئة .. لاأحد ينكر ذلك، لكن إذا كانت الحكومة تريد أن تعمل فى أجواء هادئة نوعاً ما بعيداً عن المظاهرات والاعتصامات والمطالب المتكررة بزيادة الدخول والمرتبات فى مواجهة غول الغلاء التوحش الذى يلتهم أى زيادة، فأعتقد أن أحد مفاتيح السر للوصول إلى هذه الغاية البعيدة هو العمل على خفض أسعار بعض السلع والخدمات التى تعانى تضخماً هائلاً فى أسعارها دون سبب منطقى سوى جشع بعض التجار وبعض رجال الأعمال الذين اعتادوا استغلال تلك الأزمات، وغياب القوانين الرادعة، فمع انخفاض الطلب الطبيعي نتيجة انخفاض الدخول كان يجب أن يحدث توازن في الأسعار لكنه لم يتحقق نتيجة غياب الرقابة الحكومية علي الأسواق وعلي تعاملات التجار وعمليات الاحتكار التي مازالت قائمة, وبالتالي نرى انفلاتا شديدا وعدم سيطرة واضحا علي الأسعار .. ونجد تجاراً متخوفين, ومن ثم يقومون برفع الأسعار بصورة عشوائية بحثا عن المكاسب السريعة, وقد يكون سبب تخوفهم المخاطر الأمنية المحيطة وحالة الارتباك التي تشهدها أسعار الوقود التي تؤثر علي عمليات نقل البضائع والخامات إلي المصانع, وهو ما يدعوهم إلي وجود مبرر نفسي لديهم لرفع الأسعار, والنتيجة النهائية هى معاناة الغالبية العظمى من الناس من زيادات مستمرة فى المبالغ المادية المطلوبة منهم لسد احتياجاتهم الضرورية جداً مثل الأرز والخبز والسكر، والاستغناء عن الاحتياجات الضرورية نوعاً ما مثل كوب اللبن للأطفال الصغار والفاكهة وتناول اللحوم يومياً، وبطبيعة الحال فإن الكلام لايتوقف على مايتعلق بالغذاء فقط - وإن كان هو الأهم والأولى - بل هناك فواتير شهرية متضخمة هى الأخرى مثل الكهرباء والمياه والغاز .. ناهيك عن أنبوبة البوتاجاز التى حقق سعرها أرقاماً فلكية غير مسبوقة
وفي مثل هذه الحالات لا يفضل ترك السوق لقوي العرض والطلب في ظل الفجوة الكبيرة الموجودة بين توزيع الدخل والانفاق.
السوق الحر
إن دور الدولة في إعادة الانضباط للسوق لا يعني بالضرورة التدخل الذي قد يؤدي إلي آثار سلبية ولكن يمكن أن يكون دورا تنظيميا، وهناك فرق كبير بين الأسعار الإجبارية والتنظيم والمراقبة. لأن ما يحدث الآن في مصر من انفلات في الأسعار لا يخضع لأي معايير اقتصادية خاصة أن الأسعار في الخارج أقل كثيرا من الداخل، كما أن علاقات العرض والطلب تشير إلي أن عددا كبيرا من الارتفاعات يخضع لظواهر احتكارية، وهناك أدوات تشريعية ورقابية من خلال أهمية تشديد العقوبات في قضايا التلاعب بالأسعار خاصة في السوق السوداء حيث يقوم البعض بحجز سلعة ثم بيعها واستغلال ندرتها ورفع أسعارها كما حدث في أزمة الوقود الأخيرة.
ومن ثم فنحن في حاجة إلي إعادة النظر في حرية السوق، فبدون تدخل حقيقي من أجهزة الدولة سنظل نعانى من انفلات الأسعار، ويكون ذلك من خلال تسعير استرشادى في بعض السلع وإجبارى في سلع أخرى خاصة التى تمس الاحتياجات الأساسية للمواطن.
ولابد من إعادة جهاز مباحث التموين الذى تفكك، إضافة إلي دور جهاز حماية المستهلك الذى تم تأسيسه بدون آليات منطقية للرقابة وضبط السوق، فالاقتصاد الحر يحتاج إلي حماية الطبقات الفقيرة من خلال آليتين : الأولى بإصدار قانون للمنافسة ومنع الاحتكار قادر علي حماية المجتمع من المنتجين، والثانية بجهاز لحماية المستهلك لديه القدرة والآليات على القيام بدور حقيقي.
لسنا فى حاجة إلى نسخ تجارب دولية للسيطرة وضبط الأسعار، ولابد من التعامل مع مشكلة الأسعار فى إطار البيئة والظروف المصرية، ورفع كفاءة الكوادر الرقابية، ووضع ضوابط صارمة للحد من ارتفاع الأسعار.
ونشدد أيضاً على ضرورة أن يتحلى المستهلكون بالوعى الاستهلاكى خلال عملية تسوقهم والابتعاد عن التقليد ومحاكاة الآخرين، وأن يلجأوا إلى السلع البديلة التى تتوافر بها شروط الجودة والسعر المناسب، بدلاً من الوقوع ضحية للسلع باهظة الثمن، وهذا يؤدى إلى عدول التاجر عن رفع الأسعار
ساحة النقاش