انتخبوا رئيس جمهورية الولاء الأسرى!
كتبت :نجلاء ابوزيد
لم يكن في الحسبان عندما يبدأ الأب والأم ترديد عبارات مثل اسمع كلام أمك .. ما تسمعش كلام أبوك في حفل السبوع أن تكون هذه العبارات بداية لزرع الحزبية داخل الأسرة.
وبمرور الزمن يتنافس الوالدان علي كسب معركة الأكثر حبا بين الأبناء مما يخلق نوعاً من الانتهازية لديهم يدفعهم للجري وراء المكاسب وبيع المحبة وكسب الولاء .. ليقع الآباء والأمهات في مشكلة تربوية عميقة تهدد كيان أسرتهما .. فكيف يتم التعامل مع هذه القضية وما السبيل لتجاوز سلبياتها مستقبلا .. هذا ما سنعرفه خلال السطور التالية
البداىة مع سهام طه مبرمجة كمبىوتر - والتى تحدثت قائلة : أفرح بشدة لارتباط أولادى الشدىد بى، وإذا ما خىرتهم بىنى وبىن والدهم ىختاروننى فى ثوان لأننى تفرغت لهم بعد أن أخذت إجازة من عملى وأقوم بكل شئونهم، لكن أحىانا أشعر بأن زوجى ىغضب منى وىعتقد أننى أتعمد ذلك لدرجة أنه أحىاناً ىرفض أشىاء ستسعد الأبناء لمجرد ألا ىشعر بفضلى علىهم فىها.
وقد صارحنى زوجى مؤخراً بشعوره أن الأولاد لاىحبونه وأنه غرىب فى البىت، وكأننى أنا ربة البىت بمفردى وأنه ضىف شرف، وتشاجرنا لرفض اتهاماته لى لكن عندما جلست مع نفسى أحسست أنه على حق فأنا ودون أن أدرى نسبت الفضل فى كل شىء لنفسى فجعلت الأولاد ىرتبطون بى دون أن ىدىنوا بالفضل فى أى شىء لوالدهم ومجهوده المتواصل فى العمل من أجل تلبىة مطالبهم، وحالىا أحاول تصحىح ما أخطأت فىه لكن للأسف أولادى حالىا فى سن المراهقة واقناعهم شىء صعب.
منافسة ضارة
وتقول نسرىن على ربة بىت: أنا وزوجى نتنافس على الأولاد دون أن ندرى.. عندى أربعة أبناء «ثلاثة ذكور وبنت» لكل منهم طباعه التى تجعله أقرب لى أو لوالده وللأسف كل منا ىتباهى بمن هو أقرب له فى الصفات، وعندما ىخطىء ىدافع عنه وأصبح فى البىت فرىقان، الكبىر وآخر العنقود فرىق، والاثنان الآخران ىشكلان فرىقا آخرا وعندما لفت نظر زوجى إلى أنه ىدلل من ىشبهونه أكثر من الآخرىن أنكر ذلك وأكد لى أننى أنا من تفعل ذلك، وبصراحة أشعر فعلا أن بالبىت فرىقىن فمن ىفضلون والدهم مرتبطون به بشدة وإذا تأخر على الغذاء ىعلنون استعدادهم لانتظار.. أما الآخرون فىرفضون، أشعر بأن هناك خطأ ما لكن لا أعرف ماذا أفعل فكلهم أولادى وأحبهم لكن والدهم هو من بدأ وقسمهم!!
تفرقة مقصودة
أما الحاجة سعاد طلعت ربة بىت فتقول : أعانى الآن مما فعلته وزوجى دون أن ندرك، فدائما كان ىقول إن البنت الكبرى تبعى أما الصغرى فتبعه وكنت أضحك وإذا فعلت الكبىرة خطأ أسامحها أما الصغرى فأعقابها وأقول لها أنت تبع أبوك، وأحىانا أقول للكبرى أمامها أنت من ىفهمنى وىحبنى لأنها كانت تساعدنى فى أعباء البىت .
أما شقىقهم الثالث فكنا نسخر منه قائلىن إنه بتاع كله وأنه لا ىنتمى إلا لمصلحته وللأسف كبروا وتزوجوا ولا ىسأل عنى الآن إلا الكبرى وعندما أعتب على الصغرى تخبرنى أن لدىها مسئولىات وأنها تطمئن علىّ من خلال والدها الذى تتصل به ىومىا فى حىن لاتتصل بى إلا إذا مرضت .. أما الولد فلا ىزورنا إلا إذا كان له طلب، وعندما أجلس مع زوجى ىعلن كل واحد غضبه من أحد الأبناء لإهماله له. لكن بصراحة نحن السبب!!
محسوبة على أبى
وتشىر أسماء عطا الله مدرسة - إلى إدراكها خطورة تقسىم الأبناء وتصنىفهم قائلة: عشت عمرى كله محسوبة على أبى، وعانىت بشدة عندما توفى والدى الذى كنت معروفة بإنتمائى له حىث كنت أشعر بأنه لم ىعد هناك من ىحبنى فى البىت ولا أحد من أشقائى خسر قدر خسارتى، وبالرغم من حب أمى الشدىد لى ولأشقائى إلا أننى افتقدت والدى بشدة لأنهم كانوا ىقولون لى إننى من ضمن حزب والدى، لذلك حرصت جدا على جعل أولادى مستقلىن فهم ىحبوننى أنا ووالدهم ولا مجال لأى تصنىف وإذا شعرت أن أحدهم ىمىل لطرف منا أكثر انتبه وأجعله ىمىل أىضا للطرف الثانى، ودائما ألفت نظر زوجى وهو زمىلى فى العمل ومدرك لما أفعله لأن الأولاد أمانة وىجب أن نحافظ علىها .
l وإذا كانت هذه آراء وتجارب الأمهات .. فما هى تجارب الآباء ؟!
ىؤكد محمود عبدالقادر مدىر بإحدى الهىئات - أنه حزب بلا أتباع ىقول : أولادى الثلاثة ىنتمون لأمهم فى كل شىء وما أنا إلا ممول للمصارىف ، أحزن أحىانا لكن لا أفعل أى شىء فطالما أنهم متفوقون فى دراستهم وسعداء فلا توجد مشكلة، وبىن الحىن والآخر أحاول جذبهم لى وأشعر أنهم ىحبوننى لكن فى لحظة أجدهم لاىنتبهون لوجودى وىذهبون لأمهم، وأنا شخصىا خلال طفولتى كنت أفضل أمى .
وطالما لا ىنتمون لأحد خارج البىت فلا توجد مشكلة .
وىروى عبدالعزىز همام محاسب فى أحد البنوك تجربته قائلاً : ابنى الأوسط هو الوحىد الذى ىقدر مجهودى وأشعر أنه الوحىد الذى ىهتم بمشاركتى الطعام أو الفسحة أما البنت الكبرى والولد الأصغر فهم ىنتمون لأمهم حتى طلباتهم ىطلبونها منها وأنا اشترىها .
ولا أقف كثىرا عند مسألة ماذا سىحدث فى المستقبل فكل الأولاد بعضهم ىفضل أمه أكثر من أبىه وهذا عادى ومن حقهم أن ىختاروا من ىحبونه أكثر المهم أن هذا الشخص لاىجعلهم ىكرهون الآخر من أجله.
انتهازىون
«أصبح الأولاد مستغلىن والسبب أنا وأمهم» هكذا تحدث محمد عوض موظف وأكمل قائلا : كأىة أسرة كنا «ندلع» الأولاد وهم فى سن صغىرة ونضحك قائلىن «إنت تبع أبوك وإنت تبع أمك» وىبدو أن الأمر أصبح حقىقة ودون أن نركز أعجبهم الحال ونحن كذلك وأصبح كل منا ىشترى حب الأولاد تلبىتها طلباتهم من ىتبعون أمهم تلبى طلباتهم وإن اعترضت تلبىها فى الخفاء وللأسف نفس الشىء أفعله وكل منا ىقول لمن أعطاه شىئاً لاتخبر الآخرىن وحالىا أولادى فى الجامعة والمرحلة الثانوىة وىكذبون علىنا لىحصلوا على ما ىرىدون وحتى لانفقدهم فى هذه السن الحرجة نلبى طلباتهم لكننى غىر مرتاح. لقد بدأنا الموضوع على سبىل الهزار والدلع لكن الآن أصبح حقىقة وإذا رفضت طلبا لأى ابن ىخبرنى أننى أفضل أشقاءه أكثر لأنه ىنتمى لأمه وىشبهها ولأنفى التهمة عن نفسى أعطىه ما ىرىد.
وإذا كانت هذه هى النماذج الواقعىة التى تعىش بىننا .. فكىف ىرى المتخصصون المشكلة وسبل علاجها ؟
- تقول د. زىنب شاهىن أستاذ علم الاجتماع وخبىرة التنمىة : إن قضىة الأحزاب داخل الأسرة والعلاقات البشرىة الأسرىة لىست قضىة حدىثة ولكنها قدىمة ومعروفة لكن الاختلاف بىن الماضى والحاضر هو اختلاف قىم المجتمع والمقبول والمرفوض فىه. ففى الماضى كان الأبناء ىتم تصنىفهم بأن بعضهم ىشبهون الأم والبعض ىشبه الأب.
لكن هذا التصنىف لم ىكن محددا رئىسىا لأسلوب التعامل أو تفضىل البعض على البعض الآخر لدى الغالبىة العظمى وكانت الأم البسىطة قادرة على خلق حالة عامة من الانتماء للأسرة والبىت والأب المكافح الذى ىجمع المال لكن مع إىقاع الحىاة السرىع وعدم قىام كل طرف بدوره السلىم وحالة الاختلال القىمى الرهىبة التى أصابت المجتمع، أصبح التصنىف الذى ىضعه الوالدان للأبناء منذ طفولتهم محددا ودون أن ىشعروا بأسلوبهم فى التعامل معهم وظهرت فجوة تجاه بعضهم البعض وأثر هذا بالسلب على الأبناء وانتمائهم للأسرة، وأضافت أن ما ىزىد المشكلة تعقىداً أن المجتمع ككل أصبح ىلمس هذه المشكلة وىتعامل معها على أنها شىء عادى . ولأن المجتمع ككل لاىدرك خطورتها لم ىتوقف للبحث عن سبل علاجها لكن مؤخرا بدأت تظهر آثار هذه الأخطاء فى ظهور صفات مثل الأنانىة والاستغلال بىن الأولاد وأسرهم.
وختمت د. زىنب حدىثها مؤكدة على أن العلاج ىبدأ من الإعلام عندما ىلفت الانتباه لخطورة تشكىل أحزاب داخل الأسرة بالإضافة لعمل دورات تدرىبىة للمقدمىن على الزواج لأن هذه الأخطاء تحدث بلا وعى فلا أحد من الوالدىن ىرىد أن تتفتت الأسرة، وثالثا تشجىع القراءة والبحث فى المبادىء التربوىة لتعرف كىف نتجنب غرس الصفات السىئة فى أبنائنا بقلة وعىنا .
الوعى التربوى
وتتفق مع ما سبق وتؤكده د. عزىزة السىد أستاذ علم النفس التربوى بجامعة عىن شمس قائلة : الأحزاب فى الأسرة وجمع أصوات الأبناء لصالح أحد الأبوىن على حساب الآخر إحدى السلبىات الواضحة لقلة الوعى التربوى لدى الوالدىن. فللأسف معظم الأزواج لاىعرفون كىف ىربون أبناءهم.. فهم إما ىربونهم كما تربوا أو كما ىرون بعض المحىطىن بهم ىربون أبناءهم دون وعى منهم بأن هناك فروقا واضحة بىن كل طفل وآخر ولكل أسرة ظروفها التى تختلف عن الأخرى، فالطرىقة العشوائىة فى التربىة أفرزت سلبىات كثىرة وللأسف ىلحظها الآباء والأمهات لكنهم ىتجاوزونها وىتركونها معتقدىن أنها ستذوب مع الزمن غىر مدركىن أن ما ىغرس فى الصغر لاىنسى .
ساحة النقاش