كتب : طاهر البهي

أعاد الله علينا الأيام المباركة أعواما عديدة، أعاد الله علينا نفحاتها وشذى عطرها، ونحن نتمتع بسلامها وبركاتها، وهى أيام هنيئا لمن عرف فضلها، وذاق حلاوة فرائضها كما بلغنا القرآن الكريم.. فما هو دعاؤك فى وقفة عرفات المباركة؟

آثار انتباهى فتاة صغيرة تبيع المناديل الورقية فى إحدى إشارات المرور بوسط العاصمة، وهى تدعو لقائدى السيارات، وكأنها " تفتح نفسهم" للحياة، وأيضا تغريهم لكى يضخوا قروشهم وجنيهاتهم فى جيبها، أما الدعوة فكانت ببساطة "يارب يجيلك مليون جنيه"، اندهشت لتلك الدعوة المادية البحتة، وتذكرت المتسولين الذين كنا نقابلهم فى طفولتنا، وكانت دعواتهم تنحصر فى حب الناس "ربنا يحبب فيك خلقه" والفوز بالجنة، واتقاء شرور الدنيا "حسنة قليلة تمنع بلاوى كتيرة" ... إلى آخر هذه الدعوات الصالحات.

وقبل أن استغرق فى تأمل دعوة فتاة إشارة المرور، كنت قد وصلت إلى الإشارة التالية، وكانت تنتظرنى سيدة - يفترض أنها متسولة - ولكنها أكثر كرما، فقد دعت لى بالحصول على خمسة مليون جنيه دفعة واحدة!

أما كيف ؟ فهى لم تشغل نفسها بذلك السؤال، المهم أن تفرح قلبى، لكى يهون علي الجنيه أو الخمسة جنيهات اللاتى سأعطيها لها..إن فعلت..وإن كنت أتمنى أن أفعل، لولا عدم ثقتى فى أن السيدة تستحق ظروفها أن نقدم لها يد العون وأنها لا تحترف التسول عن غير حق.

لماذا أصبحت مطالبنا ودعواتنا تنحصر فى المادة، وفى تحقيق حلم الثراء؟ والآن أعود إلى السطر الأول الذى بدأت منه، واستحلفك بالله: ماذا دعوت الله فى وقفة عرفات المباركة؟

هل تذكرت والداك وأصحابك وأقاربك وبلدك بالدعاء؟

عندما ذهبت إلى المملكة العربية السعودية، قال لى مرافقى: إنه عند النظرة الأولى للكعبة يستجاب الدعاء.. وأوصانى وشدد على التوصية، أن أنطق بالدعاء عندما أرى " الكعبة لأول مرة، وأومأت برأسى بأن الرسالة قد وصلتنى تماماً، ولكن عندما وصلت إلى هناك، وكان الوقت مساء متأخرا، وكنا قد تواعدنا على تحية الكعبة المشرفة، قبل " التسكين" أى استلام غرفنا فى الفندق، شعرت أننى كنت نائماً، واستيقظت على نور إلهى يغطى المكان، ليس هو النور الاصطناعى الكهربائى، الذى وضعته المملكة بإتقان ليساهم فى إضفاء جو الخشوع والرهبة.

أصارحكم بأننى قد نسيت تماماً نصائح الرجل، وأصابنى عجز النطق المؤقت، كان هناك نور خاص يخترق القلوب، ويعمى الأبصار.. نزع من قلبى الخوف.. وزالت الرهبة، وبقيت المحبة.. تمتمت : أحبك أيها الخالق وأقسم بأنك حق.. وأن محمدا صلى الله عليه وسلم حق.. هذا هو الإحساس الذى ملأنى وجعلنى أشعر بالقوة.. جعلنى أحلق عالياً مع كائنات الله الضعيفة الملونة فوق الكعبة وهى فرحة بالأمن والأمان.. كل عام وبيت الله الحرام آمنا.. ومصر أكثر أماناً.

واجتهدت فى استدعاء الأدعية لنفسى ولأسرتى وكل من سألنى، وما أن رأيت بيت الله الحرام وسطع نوره الوضاء، حتى تعلق به بصرى، وحلقت مع تلك الفراشات الملونة، التى تطوف ليلا حول أنوار الكعبة الربانية.. تطوف فى أمان تام.. فرحة مستبشرة، تمنيت أن ارتفع فوق الأرض كما يحاول المتصوفة أن يفعلوا فى أذكارهم، تمنيت أن أحلق مع كائنات الله الضعيفة، تمنيت أن أعرف لغتهم، تمنيت أن أفقه تسبيحهم، تمنيت أن أتلو أورادهم، كنت أراهم الأصدق، والأقل مكيافيللية، يطوفون حبا فى نور الله، يسبحون بلا منفعة ولا خوف، يزهون بألوان جميلة منحها لهم خالقهم وخالق كل شىء .. يهيمون حبا .. لا خوفا، يخلصون فى عبادتهم بلا قائمة مطالب.. نسيت مطالبى وهتفت: أحبك أيها الخالق الأعظم

 

المصدر: مجلة حواء- طاهر البهي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,461,631

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز