عندما

يأتى الفالنتين بما لا تشتهي القلوب

كتبت :إيمان عبدالرحمن

 عيد الحب هذا العام يأتي برائحة الفقد ،ورائحة الألم ، و ها هو يدق الأبواب عليها وهي وحيدة ،حاملا معه ذكرياتهما معا ، يتساءل أين حبيبها الآن ؟ في مثل هذا الوقت من العام الماضي كانا معا ،وتمر الأيام لتذكرها به وبعدم وجوده في حياتها ،إحساس قاتل بالوحدة ، عندما يأتي "الفالنتين"بما لا تشتهي القلوب ، هل من دواء لسيل الذكريات المتدفقة ، هل من طبيب يعطيها النسيان في حبوب تداويها ؟ كل المواقف بينهما تقف حائلا بينها وبين الشفاء من هذه الصدمة العاطفية ، تمر كشريط الذكريات بطريقة ملحة تحاول طردها ولكنها تفشل ، وتذكرت كلمات الكاتبة شهرزاد عندما قالت ، "إذا ما جاء الفراق يوما، فسأمد يدي إلى الهاتف و أدير نصف الرقم، و سأتذكر في النصف الآخر أنّا قد انتهينا ، وإن للفراق علينا حق احترامه ، وإن كل الأصوات مباحة لي بعد الفراق إلا صوتك "ويا له من إحساس قاتل

فهل يا تري النسيان صعب عليها فقط ،أم أنها تجربة وستمر ، لجأت لتجارب الفتيات في سنها وحكين قصصهن ، إيناس محمود - ليسانس آداب - تقول : " تمت خطبتي علي جارنا وصديق أخي وكنا نحب بعضنا جدا ،ولم أكن أتخيل أبدا أننا سننفصل ،كنت أقول له دائما ،إن تركتني سأموت ،ولكنني لم أمت ،تركنا بعضنا بسبب غيرته الشديدة كان يوصلني للكلية وينتظرني حتى أعود معه ، ويا ويلي لو لمح أحد زملائي يحدثني مثلا ،حتى أننا ذات يوم تشاجرنا فصفعني علي وجهي لأنني اعترضت علي أسلوبه .. بعدها , ندم واعتذر ، فسامحته لكنه لم يتحمل عصبيتي في مشادة بيننا ،وانفصلنا ، نعم مرت عليا أوقات صعبة ، كانت تزداد صعوبتها في الأعياد والمناسبات أو عندما أمر على مكان ذهبنا إليه معاً ، وبمرور الوقت نسيت والآن أضحك عندما أتذكر كلامي له ، ووعده لي بعدم تركي، وأنصح أي فتاة ألا تأتي على كرامتها باسم الحب ، وأن تقطع بيديها العلاقة إن وجدتها غير ملائمة لها وستأتي علي حسابها ، و"مفيش حد بيموت من الفراق " وأنا نموذج لذلك ، فقد قالها الشاعر إبراهيم ناجي في قصيدته الأطلال " فتعلم كيف تنسي وتعلم كيف تمحو " ، فلابد أن نتعلم النسيان

- " لا تلم الناس إن خذلوك ،ولكن لوم نفسك لأنك توقعت منهم أكثر مما ينبغي " هذه هي وجهة نظر سلمى عابدين - ليسانس آداب - فتقول : " عندما لا تتوقعين الكثير من الشخص الأخر، ستكون الصدمة خفيفة ، لقد عانيت بعد فسخ خطبتي الأولى على زميلي وكنا نحب بعض كثيرا وبعدها تعلمت الدرس جيدا ، لا تنتظري الكثير حتى لا تفقدين الكثير .

نظرة إيجابية

- وتطمئنها الكاتبة سلمى شلاش التي ترى أن الصدمات العاطفية في حياة الإنسان ما هي إلا خبرات ضرورية للحياة ، فهي الترياق للشفاء والتغلب علي صدمات أخرى سيصطدم بها في حياته ، ورغم أنها تترك أثرا في البداية إلا أنه بمرور الوقت والعمر سينظر الإنسان إليها على أنها تجارب تعلم منها ، وتنصح أهم شيء علي الشخص الذي يمر عليه عيد الحب بدون حبيبه ألا ينظر إلى الوراء ، فالماضي لا يفيد ولكن لابد أن ينظر إلى الغد والمستقبل ويحاول يعيش بكرة .

ساندوهم من البداية

إنها ليست أول مرة تصدم ،ولكن لماذا هذه المرة الصدمة كبيرة لا تتحملها ؟ فأجابت علي تساؤلاتها د.سهير صالح - استاذة الإعلام التربوي بكلية التربة النوعية - التي تري أن الصدمة العاطفية تكون قوتها مرتبطة بقوة هذه العلاقة العاطفية ، ومدي استمرارها وأيضا حسب طبيعة الطرف الآخر وهل المجتمع يشجع هذه العلاقة أم لا ،ربما تكون علاقة يراها المجتمع غير مقبولة مثل فارق السن الكبير مثلا ، وحسب هذه الأمور يمكن التغلب على الصدمة العاطفية .

وتوضح أهمية دور الأسرة في مساندة الابن الذي تعرض لصدمة عاطفية وخاصة في فترة المراهقة ، لأن هذا يساعده فيما بعد ،وتنصح الآباء والأمهات أن يكونوا علي القدر الكافية من الوعي لاستيعاب هذه الفترة الحرجة من حياة أبنائهم ، واستيعاب التطورات النفسية والتطور الانفعالي ، ففي هذه المرحلة يكون هناك فوران عاطفي ومشاعر الأبناء متأججة وبه شئ من المبالغة وخاصة سيكون في هذه الفترة إعجاب بشخص ما ،أو احد من المشاهير وسيرتبطون بشخصيات مختلفة ،كل علي حسب ميوله ،وسيكون مضطربا عاطفيا ، وهذا الارتباط وقتيا ، يتسم بالصعود والهبوط ، فنجد المراهق يحب فجأة ويكره فجأة ، لذلك لو تم الانفصال من الممكن أن يؤدي إلى انتكاسة عاطفية وتأزم نفسي ، رغم أنها مرحلة وستمر إلا إنه يجب احتواؤهم حتى لا تؤثر فيما بعد عند الوصول إلى سن النضج .

- وتحذر د.سهير من التعامل بسخرية أو استهزاء مع مشاعر المراهق لأن ذلك من الممكن أن يؤدي إلى مشاكل نفسية ،لذلك تنصح الأم وهي الأقرب إلى الأبناء عندما يعانون من صدمة عاطفية أن تشغل وقتهم بهواية مفيدة ،أو ممارسة رياضة ،قراءة كتاب مفيد ،وتوجهه لينسى هذه التجربة وتساعده على اجتياز هذه الصدمة ،حتى تمر التجربة بسلام دون أي مشكلات نفسية.

الصدمة نعمة

ورغم أن الصدمة تكون مؤلمة إلا إن لديها ايجابيات ، فيشرح الأستاذ الدكتور عماد مخيمر - أستاذ ورئيس قسم علم النفس بآداب الزقازيق -الصدمات العاطفية قائلا :

" تختلف الصدمات تبعا لمستوياتها ودرجاتها فهناك من يصدم ولكنه يتماسك بشكل متوسط فيشعر بالفقد ويعاني من أعراض اكتئاب واضطراب في النوم وفي الشهية وعدم رغبة في الحياة ،وهناك أشخاص يتأثرون بدرجة عالية فتصل

إليهم الصدمة عنيفة شديدة مثل خيانة الطرف الآخر ويكون وقعها عليه شديد ،أو أن تعلم الزوجة أن زوجها تزوج عليها بأخرى وعلمت مصادفة ،أو أن الطرف الآخر كاذب وهكذا ،وهذا النوع من الصدمات يكون عنيفاً جدا ،حتى أن الشخص المصدوم ينتابه أفكار انتحارية للتخلص من حياته ،أو يصل إلى أنه يفقد الثقة في الطرف الآخر عموما وليس من صدمة

- ويؤكد د.عماد علي أنه كلما كانت العلاقة العاطفية قوية كانت الصدمة قوية بقوة هذه العلاقة ، ولكن تتوقف الصدمة تبعا لشخصية كل واحد فمثلا هناك شخصية صلبة قوية لديها القدرة على التماسك وتعرضت لصدمات نفسية من قبل فتستطيع التعامل مع الأمر بشكل هادئ ، وشخصية أخرى تنهار مع الصدمة العاطفية وتحاول الانتحار .

- و يقدم د.مخيمر نصائح قائلا :" يجب على الشخص أن يكون لديه البديل من علاقات اجتماعية مثل الأصدقاء ،الأخوة ،الأسرة ، أن يجد من يواسيه وأن يكون واثقا من نفسه لدرجة أنه لا يحزن على فقد الشخص الأخر ويكون مقتنعا أنه الخاسر وأنه قام بكل ما عليه لكنه النصيب ، وأن المشكلة ليست به.

أن يشغل نفسه في عمله ،حتى ينسي الموضوع ، ويجد أن الحياة مستمرة وأن الله لم يرد للموضوع أن يتم ،فبعض الناس تري في الصدمة نعمة ، وفي مقولة عمر بن الخطاب عبرة كبيرة حيث يقول :" ما أصبت من مصيبة وإلا كان لله عليا خمس نعم ،ما لم تكن في ديني ، أكبر مما هي عليه ، الله رزقني الرضا بها ، والصبر عليها ، أرجو ثوابها من الله سبحانه وتعالي ،لذلك علي الشخص المصدوم أن يعتبر هذا الموقف اختبارا وأنه قام بكل ما عليه وكان مخلص وأمين ولكنها إرادة الله .

لابد أن يكون الشخص متفائلا تجاه المستقبل، وأنه مهما خسر علاقة فهنا الأفضل في انتظاره وأن الله سيكتب له الخير دائما ،مدام أنه ليس خائنا أو مقصرا.

روشتة النسيان

ظلت حائرة ، تحاول أن تنسى ، وتفكر كيف ؟حتى جاءتها الإجابة من كلمات الكاتبة أحلام مستغانمي وأحست أنها تخاطبها هي في كتابها نسيان الذي كتبت فيه :" لا أحد يعلمنا كيف نخرج من بعد كل حب أحياء وأقوياء !..

ماذا لو أعلنا الحب كارثة طبيعية بمرتبة إعصار ،أو زلزال أو حرائق موسمية ،لو جربنا الاستعداد لدمار الفراق بتقوية عضلة قلبنا الذي صنعت سذاجته وهشاشته الأغاني العاطفية ،علينا أن نكتسب مرونة التأقلم مع كل طارئ عشقي ،والتكيف مع الهزات العاطفية ، وارتجاجات جدران القلب ، التي تنهار بها تلك الأشياء التي أثثنا بها أحاسيسنا ،علينا أن نربي قلبنا مع كل حب علي توقع احتمال الفراق ، ماذا لو جربنا الاستعداد للحب بشئ من العقل ؟ لو قمنا بتقوية عضلة القلب بتمارين يومية علي الصبر علي من نحب ،أن نقاوم السقوط في فخاخ الذاكرة العاطفية ، علينا أن نذهب إلي الحب كما نغادره دون جراح ،دون أسى لأننا مصفحون ضد الأوهام العاطفية ، ماذا لو تعلمنا ألا نحب دفعة واحدة وألا نعطي أنفسنا بالكامل ،وأن نتعامل مع هذا الغريب لا كحبيب بل كمحتل لقلبنا ،ألا يغادرنا

احتمال أن يتحول اسمه الذي ننتشي لسماعه حواسنا ،إلي اسم زلزال أو إعصار يكون علي يده هلاكنا ؟

في النهاية ، ما النسيان سوي قلب صفحة من كتاب العمر

 

المصدر: مجلة حواء -إيمان عبدالرحمن

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,924,523

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز