من الحكمة أن تعامل الناس على قدر عقولها
"إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد".. إنه بيت شعر ذائع الصيت فى قصيدة طويلة لشاعر قديم أطلق عليه البعض لقب شاعر الحكمة .. هو المتنبى، ذلك الشاعر العباسى الذى استطاع فى هذه القصيدة الوصول إلى واحدة من مكنونات النفس البشرية المنتشرة بيننا هذه الأيام بشدة، وبطبيعة الحال فإنه ليس عيبا أن تكون كريما ولكن العيب كل العيب أن يكون الكذب واللؤم والنفاق هي طباع من تمنحه كرمك، لأنه لن يقدره حق قدره.
اللعب على كل الحبال
ليس صحيحا أن تعامل كل الناس بمختلف أطيافهم وعقولهم بالتعامل الإنساني الراقي، فهناك نوعية من البشر يحسبون الكرم في التعامل ضعفا، ويعتقدون أن التواضع إقلال من القيمة، وفى نفس الوقت فإنك لن تستطيع أن تغير الناس أجمعين إلى الأفضل والأحسن والأرقى، فكل انسان في هذا المجتمع هو نتاج أسرته، وصدق المثل العربى القديم: "كل إناء بما فيه ينضح" .. إنها لا شك عبارة صحيحة وعميقة فالإناء الذي امتلأ بالحقد والنفاق واللعب على كل الحبال لا يمكن أن يفيض إلا بكل المشاعر السلبية مهما حاولت أن تتفاءل بأن في داخله بذرة طيبة يمكن أن تنبت يوما، وإذا كان التعامل مع الناس فن من الصعب إتقانه فليس من المستحيل إطلاقا تعلمه، ومن أهم كنوز هذا الفن أن تجعل معرفة من تتعامل معه أساسا للتعامل.. فاللئيم والعدواني والمنافق لا يمكن أن يفهم معنى كرم التعامل ولا تكن متفائلا وتحسب أنك بحسن تعاملك معه ستفعل ما يفعل السحر.. الناس لا يتغيرون في يوم وليلة ولن يتغيروا لأجلك، فإذا كنت ذا روح فياضة بالعطاء ونفس متسامحة أنصحك بالبعد عنهم.. واتبع فى ذلك الحكمة المأثورة التى تقول: لا تعاشر إلا أناساً من مقامك وقدرك فلا يمزج الزيت مع الماء ولا الخل مع الحليب .
<!--
النفوس الكريمة
الطبيعى هو أن الإنسان مخلوق اجتماعى لا يستطيع أن يعيش وحده ولا يمكنه الاستغناء عن الناس طالما أنه على قيد الحياة، ومعنى ذلك أن هذا الإنسان سيؤدي إلى الآخرين بعض ما يحتاجون إليه، كما إنه سيأخذ منهم بعض ما يحتاج إليه، لذا إذا أحسنت إلى أحدهم ولم تجد منه إلا نكرانا فهذا دليل على خسة النفس وحقارتها، إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الفضل بالفضل، أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردا، وعندما تكون عادة الإنسان نكران الجميل، وكفران الإحسان فإنه يسلك بذلك سبيلا إلى النار – والعياذ بالله – فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب.
والحكيم هو من يتعامل مع الناس وفق قواعد مرنة ويخاطبهم على قدر عقولهم ولا يتوقع من الناس أجمعين شكرا أو إحسانا، فإن رضا الناس غاية لا تدرك، ويكفي المرء إحساسه وإيمانه بقدراته، أما من ينتظر أن يقيمه الآخرون فلا شك أنه سوف يعاني كثيرا، وليتنا جميعا نعلم أن قيمة الإنسان فيما يصنع وليس فيما يتحدث به الآخرون الذين لا يفهمون أن الإساءة للإنسان الكريم لا تدميه، بل ترفعه عاليا إذ أنها تعرف قدر وقيمة الخير والعطاء وغيرهما من طباع إيجابية وبناءة تكمن فيه ولا شيء يثنيه عنها.
ساحة النقاش