محمد الشريف

"وداعا للعشوائيات" شعارا رفعته مصر خلال السنوات الأخيرة عبر إطلاق عدد من المشروعات لاستبدال المناطق العشوائية بمدن تصلح للعيش بصورة آدمية وحياة كريمة.

تسع سنوات أثبتت بحق أن مصر تخطو خطا سريعة نحو توديع العشوائيات ليس فى القاهرة الكبرى فقط بل فى كل ربوعها، حيث وضعت الدولة وفى مقدمتها الرئيس عبدالفتاح السيسي ملف العشوائيات على رأس أولوياتها، لتؤكد أنه لم يعد مجرد ملف تديره الحكومة بل يتولاه الرئيس بنفسه لما له من أبعاد اجتماعية واقتصادية وحضارية وإنسانية وبيئية بل تتعلق بالأمن القومى والسلم الاجتماعى.

 

بدأت ظاهرة العشوائيات بنزوح المواطنين فى ستينيات القرن الماضى من أقاليم مصر المختلفة إلى العاصمة بحثا عن العمل، ما دفعهم إلى بناء مساكن عشوائية دون تخطيط رسمى أو تراخيص، ويصل عدد سكان العشوائيات في مصر إلى 37% من تعداد مصر، وقد سجل مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار عددها المناطق العشوائية بـ1034 مجتمعا، فيما ذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أنها909 منطقة، ويعود هذا التباين في الأرقام إلى أن الجهات الحكومية لم تتفق حتى الآن على تعريف واحد للمنطقة العشوائية.

وأشار التقرير الأخير إلى أن المناطق العشوائية بالقاهرة بلغت 80 منطقة، وتستحوذ العاصمة على 53.2% من سكان العشوائيات في مصر الذين يمثلون 38.8% من سكانها، والذين ينتشرون بين الدويقة ومنشأة ناصر وعدة مناطق في شبرا الخيمة وعين شمس ومنطقة دار السلام والبساتين وحلوان والفسطاط واسطبل عنتر وحكر أبو دومه وغيرها، ولم تقتصر انتشار العشوائيات على إقليم القاهرة فحسب بل طالت مختلف محافظات مصر، فبحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يتصدر إقليم الدلتا المقدمة فى عدد المناطق العشوائية بالجمهورية بعدد 362 منطقة، مقابل 192 بإقليم جنوب الصعيد.

معاناة ومشكلات

تمثلت مشكلات المناطق العشوائية ومعاناة قاطنيها فى عدة أمور منها غياب المرافق والخدمات الأساسية وتدنى مستوى المعيشة وانتشار الفقر والأمية، فضلا عن تدهور القيم والتقاليد حيث تسودها سلوكيات اجتماعية مريضة وخطيرة تهدد استقرار الأسرة والمجتمع بأسره كعدم احترام خصوصية الجيران وانتهاك حرماتهم، وانتشار السرقة والبلطجة وزيادة معدلات الجريمة والإتجار فى المخدرات وعمالة الأطفال، وتدهور الأوضاع البيئية حيث يعد الصرف الصحى من أكثر الخدمات تدنيا ما يؤثر بشكل سيئ على الصحة العامة، بالإضافة إلى خطورة نشوب الحرائق فى هذه المناطق ذات الشوارع الضيقة ما يصعب معها السيطرة عليها كما تكمن خطورة هذه المناطق فى أنها أصبحت المفرخ الرئيسى للإرهاب والبلطجة وتجارة المخدرات وكل الموبقات الاجتماعية والأخلاقية، وإفرازها أجيال من الشباب الحانق على المجتمع بسبب الإهمال وغياب المرافق والخدمات بها.

بداية التطوير

مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد البلاد استشعر مخاطر إهمال ملف العشوائيات على الأمن القومى ومساهمتها فى انتشار الإرهاب ما جعله يتخذ القضاء عليها مسئولية شخصية يشرف عليها بنفسه، ففى عام 2016 أطلق سيادته مبادرة للقضاء على العشوائيات، كما انتهجت عدد من مؤسسات الدولة نفس النهج من خلال تدشين عدد من الحملات التى تعمل فى نفس الإطار، ورغم تشكيك البعض فى صدق دعوة الرئيس واعتبارها كغيرها من الوعود التى قطعتها الحكومات المتتالية والتى لم تسفر عن جديد أسكت الرئيس جميع المشككين بإطلاقه عدد من المشروعات المتزامنة كحي الأسمرات بمنطقة المقطم بمراحله الثلاث، وتطوير غيط العنب بالإسكندرية، وتل العقارب بمصر القديمة ليؤكد أنه وبحق "قاهر العشوائيات"، إلى جانب تطوير عدد من المناطق العشوائية بمختلف محافظات مصر.

الأسمرات .. روعة البناء

بعد سنوات من العيش وسط القمامة والروائح الكريهة على حواف الهضبة وقمة جبل المقطم والدويقة ومنشأة ناصر، انتقل سكان منطقة المقطم إلى حي الأسمرات الجديد الذى يعد نموذجا واقعيا للمدينة ‏ذات المعمار المتميز والمبان الجديدة والشوارع النظيفة والواسعة لاسيما روعة البناء والتصميم الهندسى للمشروع وجودة التشطيبات وتوافر كافة المرافق والخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي وغاز وإنارة بالشوارع وحضانات ومدارس ومساجد وغيرها.

وقد أقيمت المرحلة الأولى التى افتتحها الرئيس فى 2016 على مساحة 65 فدانا ضمت 6258 وحدة سكنية بتكلفة حوالي 850 مليون جنيه، وتمويل من موازنة المحافظة وصندوق تطوير العشوائيات، فيما أُقيمت المرحلة الثانية بتمويل من صندوق "تحيا مصر" على مساحة 61 فدانا ملكية مشتركة مع القوات المسلحة، وضمت 4722 وحدة سكنية، بخلاف إنشاءات المباني الخدمية والمرافق، أما المرحلة الثالثة "الأسمرات 3" والتى تم افتتاحها فى العام الجارى  فقد أقيمت على مساحة 62 فدانا، بإجمالى عدد وحدات 7440 وحدة، وتكلفة بلغت950 مليون جنيه، إلى جانب مدرسة ثانوية للتعليم الصناعى وعدد من الملاعب المفتوحة والحدائق وسوق تجارى.

غيط العنب

لم يعرف سكان منطقة غيط العنب وكرموز بالإسكندرية سكنا سوى "الخزنة" وهى عبارة عن غرفة مساحتها 6 أمتار تطل على ممر طويل يضم العشرات منها يشتركون فى حمام واحد، لكن كان 2014 بمثابة شمعة أمل أضاءت حياتهم عندما أعلن الرئيس استبدال العشوائيات والمناطق الخطرة بمساكن آدمية، ليحيوا حياة كريمة خالية من "طفح" الصرف الصحى والحوائط المهددة بالانهيار والقوارض والحشرات التى كانت تختبئ بغرفهم التى سكنوا بها عشرات السنين.

 ويعد غيط العنب أو بشاير الخير حاليا من أكبر المشروعات القومية المتميزة والذى أقيم على مساحة 13 فدانا، حيث ضم 34 عمارة سكنية بإجمالى 1632 وحدة، إلى جانب الأعمال الخيرية كدور الأيتام وحضانة لذوى الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى الخدمات العامة، وتقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بـ530 مليون جنيه، بخلاف تكلفة توصيل المرافق والتي تحملتها محافظة الإسكندرية بإجمالى 18.3 مليون جنيه، وتقوم المحافظة حاليا باستكمال المشروع وتعميم النموذج بإنشاء مدينة البشاير2 و3.

"روضة السيدة" تل العقارب سابقا 

سلم طويل متهالك مليء بالقمامة التى تزكم الأنوف.. كان الوسيلة الوحيدة لبلوغ تل العقارب القابع بالسيدة زينب قبل أن يتحول إلى "روضة السيدة" ذات المعمار الإسلامى والمبانى الجميلة المزينة بالمشربيات الإسلامية التى تزين مدخل المنطقة والتى توحى للناظرين أنها "كمبوند" أنشأه أحد رجال الأعمال، لكن سرعان ما يفاجأ الزائر بأنه تل العقارب بعد التطوير.

لم يعد للعشش والمنازل الصفيح والخشب التى عرفت بها المنطقة وجود بل تحولت إلى صرح معمارى يتكون من  16 عمارة سكنية بإجمالي 816 وحدة سكنية تتراوح مساحتها من65: 90مترا و344 محلا روعى فى تصميمها أن تتناغم مع طبيعة منطقة السيدة زينب، وقد بلغت التكلفة الإجمالية للمشروع إلى ما يقرب من300 مليون جنيه.

زهور 15 مايو

يعد مشروع زهور 15 مايو من أسرع مشروعات تطوير المناطق العشوائية في المنطقة التي تضررت من السيول في مارس من العام الماضي؛ حيث تم إنشاء مجتمع متكامل يتكون من عمارات وأحواش كبيرة لفرز وجمع القمامة بجانب حظائر لتربية المواشي.

مدن القناة

في إطار جهود الدولة في ملف العشوائيات تم إعلان بورسعيد والبحر الأحمر والسويس محافظات خالية من العشوائيات وقريبا الإسماعيلية، ومع نهاية عام 2020 تم الانتهاء من 90%من المناطق العشوائية بالمحافظات، والتي لم تكن خارج الاهتمام كما كان يحدث سابقا، لكن خطة الدولة وضعت لكامل محافظات الجمهورية، ففي مدينة الغردقة بالبحر الأحمر جرى تطوير منطقة "زرزارة" بتكلفة 193 مليون جنيه، كما تم تنفيذ 4 مشروعات أخرى بالبحر الأحمر وهي «روضة الغردقة، وروضة القصير، وروضة سفاجا، وروضة رأس غارب"، وفى بورسعيد تم تطوير منطقة القابوطى، وكذا عزبة ابوعوف، وفى السويس شهدت عدة مناطق تطويرا جذريا كان من أبرزها عزبتي الصفيح واليهودية.

وفى القليوبية تم تطوير منطقتى "خيام الإيواء والشيخ مصلح" بحي شبرا الخيمة والخانكة، أما فى محافظة الدقهلية فقد شهدت منطقتي الإيواء والمطرية تطويرا جذريا جعل منهما مزارا سياحيا بعد أن كانا ملجأ للمتسولين والخارجين عن القانون.

وفى الوجه القبلى تم تطوير منطقة "الترعة الضمرانية" بنجع حمادى بمحافظة قنا، وكذا "أملاك خاصة - قوص"، وفى محافظة أسوان شهدت منطقة " المعمارية - البصيلية بحرى" إزالة العشوائيات ليحل محلها وحدات سكنية تضمنت كافة أسس الحياة الكريمة، وفى محافظة الأقصر طالت يد التطوير منطقتي "حجاج وأبو مراد".

وبالانتقال إلى أسيوط تظهر المشروعات التى غيرت من خارطتها حالها كحال العديد من محافظات مصر، حيث تحولت مناطق "الفواخير، والمهاجرين بمدينة ديروط، والدريسة" إلى معالم حضارية، وفى محافظة سوهاج تم تطوير منطقتى "عزبة مأمون، والسماكين بمدينة المنشأة"، كما شهدت محافظة الفيوم تطوير عدة مناطق منها "علواية صاوى، الصوفى، وأرض محمد مشرف"، بالإضافة إلى مشروع تطوير منطقة عشش محفوظ بمحافظة المنيا.

المصدر: محمد الشريف
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 516 مشاهدة
نشرت فى 22 سبتمبر 2023 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,162,296

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز