هدى إسماعيل
في عصر التدفق المعلوماتي السريع، أصبح الإعلام أحد أهم المؤثرات في تشكيل وعي الأبناء وقيمهم، ومع تنوع المنصات الإعلامية من تلفزيون ويوتيوب ومنصات للتواصل الاجتماعي برزت تساؤلات حول دور هذه الوسائل في غرس الانتماء الوطني والهوية الثقافية لدى النشء، فالإعلام ليس مجرد وسيلة ترفيه، بل أداة تشكيل وعي يمكن أن يصبح جسرًا لتعزيز الانتماء والهوية لدى الأبناء، لكن هل يؤدى المحتوى المرئى والمسموع الحديث هذا الهدف كما أدته برامج ومسلسلات ما زالت فى ذاكرة التلفزيون المصرى؟ أم إنها برامج سريعة بسيطة المحتوى قليلة التأثير؟
في البداية تقول د. رانيا يحيى، مدير الأكاديمية المصرية بروما: لا أحد يستطيع أن ينكر دور التلفزيون المصري ولا حتى الإذاعة طوال السنوات الماضية في التثقيف والتنوير ونشر الأخلاق الحسنة، فمن ينسى البرنامج الإذاعي "قال الفيلسوف"، وأيضاً "كلمتين وبس "، أما الشاشة الصغيرة فكان برنامج "صوت الموسيقى" المحبب لقلبي، والذى كان يقدم الموسيقى بشكل مبسط وسهل لجميع الأعمار، وأيضاً برنامج "نادي السينما"، بالإضافة إلى البرامج الحوارية التي كانت تستضيف رموزا باعتبارها قدوة للأطفال والشباب.
وتتابع: الجيل الحالي هو جيل التكنولوجيا والتطور لذا يحتاج إلى طريقة تفكير مختلفة وبرامج موجهة بشكل يناسب السرعة الحالية تنتج بطريقة مختلفة وتقدم أيضا بطريقة تتناسب معهم، فما كان يؤثر في طفولتنا أصبح لا يناسب الجيل الحالي، يجب أن تكون طريقة العرض مختلفة لجذب الأطفال والشباب، وطرق إبداعية مختلفة ومتطورة حتى تؤثر في الأطفال وتجذب الشباب إلى ثقافتنا وتاريخنا وأخلاقنا، لذا نحتاج إلى برامج تتحدث عن الظروف التي مرت بها مصر حتى نرتقي بالجيل الحالي وحتى لا نترك مجالاً لحملات التشويه أو محاولات زرع الفتن والتفكير المغلوط البعيد تماما عن الاتجاه الصحيح، علينا أن ننمي الحس الوطني ليس بالكلام بل بعرض إنجازات الدولة وإلقاء الضوء على المجهود المبذول من جانب الدولة على جميع المجالات، فكل هذا يعزز روح الانتماء والحب والتضحية والوفاء في نفوس الأطفال والشباب بطريقة غير مباشرة، وتغلق الباب أمام أي تيار مخالف أو تفكير مغلوط.
برامج تثقيفية
تقول الكاتبة والروائية سمر الفيومي: هناك الكثير من البرامج التي نفتقدها والتي كانت مؤثرة وذات بصمة مميزة بشكل عام وللأسف ليس لها برامج مماثلة حاليا، ففي زمن لم يكن فيه إلا الإنترنت وجدت طريقها إلى بيوت المصريين، حيث لعب برنامج "أوسكار" دورًا محوريًا في تعريف الجمهور المصري والعربي على أرقى إنتاجات السينما العالمية، خاصة تلك الحائزة على جوائز الأوسكار، ولم يكن البرنامج مجرد فقرة لعرض الأفلام بل كان مشروعًا ثقافيًا متكاملًا تميز بتقديمه لمعلومات غنية حول الفيلم،ما ساهم في تكوين وعيا لدى المشاهد، ورغم تطور الوسائل وتعدد القنوات والمنصات، لا يوجد اليوم برنامج مشابه لـ"أوسكار" على شاشة التلفزيون الرسمي أو حتى الخاصة، سواء من حيث المحتوى أو الهدف، المحتوى السينمائي المتخصص أصبح محصورًا إما في قنوات مشفرة، أو في مبادرات فردية على الإنترنت وما يسمى "البودكاست"، ومعظمها يفتقد العمق والتحرير الثقافي الذي كان يميز "أوسكار" ويبتعد عن التحليل النقدي المحايد فينحاز أكثر للآراء الشخصية والأهواء.
وتضيف: قد يرى البعض أن الإنترنت أغنانا عن هذه النوعية من البرامج، لكن الحقيقة أن مثل هذه البرامج لم تكن مجرد وسيلة مشاهدة بل كانت أداة تثقيف، وذاكرة ثقافية حقيقية، وأحد أبرز تجارب التلفزيون المصري في خدمة الثقافة والفن، وغيابه ترك فراغًا لم تملأه برامج البودكاست، ولا تزال الشاشة المصرية تعاني منه حتى اليوم.
البرلمان الصغير
تتساءل دينا الجندى، المحامية بالنقض وعضوة لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمرأة لماذا لا نقوم بإنتاج برامج تخاطب الأطفال وتزرع بداخلهم القيم الصحيحة بالطريقة التي تناسبهم وتصل إليهم؟ متمنية أن تتخذ برامج الأطفال برنامج "البرلمان الصغير" نموذجا يحتذى به المعدون والمنتجون.
وتقول: البرامج الموجودة على الساحة دون المستوى ولا تقارب فكر الأطفال، فلماذا لا نقدم مسلسلا تكون بطولته للأطفال أكثر من الكبار على أن يقدم فكرة معينة ذات معنى وعمق وليست سطحية، على سبيل المثال يتحدث عن إنجازات الدولة بصورة بسيطة من طفل لآخر، كما نحتاج إلى تقديم البرامج الدينية الهادفة التى تزرع الأخلاق الحميدة بداخلهم، فمنذ سنوات كانت المسلسلات الدينية التي تروي قصص الأنبياء وزوجاتهم في رمضان كل عام، وهناك أيضاً مسلسلات أخرى هادفة كانت تعمل على ترسيخ العادات والتقاليد والأخلاق الحميدة والمبادئ العائلية في الأسرة المصرية مثل "القاهرة والناس" مسلسل مترابط يمثل الأسرة المصرية والعادات والتقاليد الحسنة وكان يقوم بدور إرشادي وتوجيهي للمشاهد بطريقة غير مباشرة، وعلى نفس الخطى كان هناك مسلسل "عادات وتقاليد"، وكان أيضا يناقش ويعرض كل ما يخص المجتمع المصري ويرسخ لقيامنا وأخلاقنا الحسنة، حتى الفوازير وبرنامج عمو فؤاد كلها كانت تسير في الاتجاه الصحيح الذي يدعم الطفل والشاب.
برامج موجهة
تشير دراسة لليونيسف (2023) إلى أن 87% من الأطفال العرب يتعرضون للمحتوى الإعلامي عبر الإنترنت يوميًا، بينما يقضي 73% منهم أكثر من 4 ساعات يوميًا على المنصات الرقمية (مثل يوتيوب وتيك توك).
ووفقًا لتقرير Pew Research Center (2023)، فإن 64% من المراهقين العرب يعتبرون أن وسائل التواصل الاجتماعي مصدرهم الأساسي للأخبار والثقافة، مقارنة بـ 28% فقط يعتمدون على التلفزيون التقليدي.
وفي دورها كشفت اليونسكو (2022) أن 55% من المحتوى الذي يشاهده الأطفال العرب على يوتيوب يأتي من مصادر أجنبية، مما يقلل تعرضهم للهوية المحلية.
وجدت دراسة لمركز "أبحاث الإعلام العربي" (2023) أن فقط 12% من البرامج الموجهة للأطفال في العالم العربي تركّز على التاريخ أو الهوية الوطنية.
ساحة النقاش