«سواء كنت مسيحيا أو مسلماً، وسواء كنت مسلمة أو مسيحية ، فلا تجعل فى القلب والفكر والسلوك مكاناً للتعصب والكراهية والرفض» هكذا بدأت الكاتبة د. ليلى تكلا أستاذ القانون ورئيس الاتحاد المصرى للمحاميات كتابها «التراث المسيحى الإسلامى» الصادر أخيرا عن دار الشروق، الذى هدف إلى التوفيق بين العقيدتين المسيحية والإسلامية لا التفضيل، وسعى للجمع والتقارب بين المسلمين والمسيحيين ليس التفرقة والتنافر ، وحمل رسالة صادقة مخلصة لا تسعى لشىء سوى التفاهم والتعايش والسلام بين المسلمين والمسيحيين ، إنه ليس مناظرة بين جانبين ، إنه ببساطة دعوة للفهم المشترك والاحترام المتبادل.
د. ليلى تكلا هى أستاذ القانون والإدارة ومستشار قانونى ، ورئيس صندوق الأمم المتحدة التطوعى للتعاون الفنى فى مجال حقوق الإنسان ، ورئيس الاتحاد المصرى للمحاميات، وعضو مجلس إدارة مكتبة الإسكندرية، وعضو اللجنة التنفيذية للمجلس القومى للمرأة، وأول سيدة تنتخب رئيسة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصرى ، عضو باللجنة التنفيذية لاتحاد برلمانات العالم وكانت أول امرأة فى العالم تنتخب رئيسة لجلسة من جلسات اتحاد برلمانات العالم. وهى تعمل كعضو فى المجلس المصرى للشئون الخارجية، لها العديد من المؤلفات والدراسات والتقارير.
تقول د. ليلى «هو رسالة موجهة لمن لا يعرفون الإسلام حق المعرفة، فيرفضونه لمجرد أنهم لا ينتمون إليه ، دون أى المام به ، رفضا لا يقوم على عدم الموافقة إنما على الجهل بما يرفضون ، وهى موجهة أيضا إلى من يؤمنون به ، لكنهم لايفهمون جوهره، فيسلكون مسلكا لا يتفق مع تعاليمه ويأتون ما ينهى عنه مع أنهم ينتمون إليه ، إنها موجهة بنفس القدر إلى من لا يعرفون المسيحية فيرفضونها لمجرد عدم المعرفة، وإلى أولئك الذين ينتمون للمسيحية لكنهم لا يستوعبون مغزى معانيها وتعاليمها فيرفضون الآخر على غير ما أوصى به المسيح.
وتؤكد د. ليلى تكلا «هنا لا نجتهد ولا نضيف ولا نفسر، فتلك مهام الأئمة والفقهاء ورجال الدين والدراسات المقارنة ، نحن نسجل ما قرأنا مما هو مكتوب ومعروف، فنشير إلى أقوال ثابتة وآيات حكيمة منزلة، وإلى حقائق كثيرا ما نرددها ونتداولها، لكننا لا نعى تماما ما بها ، وما حولها من معان وقيم انسانية راقية ، إذا ما فهمناها واستوعبناها، جاء السلوك أكثر رقياً ونبلاً واتفاقا مع تعاليم الأديان. تأتى رسالة د. ليلى تكلا محاولة ضمن محاولات عديدة لتصحيح واقع خرج بالمعتقدات الدينية عن خصوصيتها وجلالها وهيبتها إلى عالم الجدل والتنافس ، بل وإلى استغلال الأديان من أجل أهداف دنيوية أو مطامع سياسية أو مكاسب شخصية، الأمر الذى أصبح التصحيح معه واجبا من أجل الوصول بالمعتقدات الدينية إلى مكانها الصحيح ومكانتها اللائقة .
تقول «إن ما نحاول أن نفعله، وما حاوله غيرى من قبل، وما سوف يحاوله آخرون من بعد، يأتى نتيجة للحقيقة التى نعيشها والتى تؤكد أنه رغم الإيمان بخصوصية العلاقة بين الخالق والمخلوق ورغم تلك الصورة المثالية المفروضة، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، إنه واقع يتطلب محاولات قد تساهم فى عبور الهوة بين ماهو مطلوب وماهو موجود.
وترى أن الزج بالعلاقة بين الخالق والمخلوق فى شئون الدنيا والسياسة، حيث يسود الجدل والنقاش والخلاف والاعتراض أمر لا يتفق مع ما للعقيدة الدينية من هيبة وجلال واقع يحتم الفصل بينهما ، أى بين الدين والسياسة.. ويدعو إلى الالتزام بالدولة المدنية، ورفع الدين إلى مكانته السماوية الروحية يستلهم منها البشر الأخلاق والمبادىء السامية ، لكن لا يجعلوا منها شأناً دنيويا سياسيا قابلا للجدل والرفض والانتقاء، بل تحترم جميعها، والله وحده هو الذى يسائل ويحاسب وله الدينونة فيما يفعل البشر .
وتؤكد د. ليلى أن الفروق بين المسيحية والإسلام أقل مما نظن، والاختلاف بينهما لا يبرر العداوة والقتل والتكفير «لقد أوصى الإسلام بأهل الكتاب، والسيد المسيح أوصانا بالصلاة حتى من أجل الذين يسيئون إلينا، والإسلام لايسىء إلى المسيحية بل يكرمها، حتى وإن رأى البعض ممن يدعون الإسلام غير ذلك، واعتبروا أن الإساءة إلى المسيحيين حلال فأطلقوا عليهم صفات غير كريمة والسيد المسيح قال «من ليس علينا فهو معنا» والمسلم الذي يعرف حقيقة عقديته ليس معادياً للمسيحية أو المسيحيين حتى ولو ظن بعض المسيحيين ذلك . إن تكفير المسيحيين أو تحليل سفك دمائهم ليس من االإسلام. ونشر العقيدة بالعنف لا مكان له فى المسيحية. إن أموراً كثيرة ومبادىء عدة تجمع بين العقيدتين . إن ما يجمع بينهما أكثر مما يفرق، والتقارب الذى يمكن أن يسود بينهما لا يدركه كثيرون من الطرفين . هؤلاء الذين لا يعرفونه اتخذوا مواقف معادية او تصادمية ، تفاقمت نتائجها وجاءت بأضرار بالغة وخسائر لا تفرق بين الضحايا من الجانبين .
مسيرة الكتاب لها مرحلتان الأولى فى مسألة السلام والصراع والأديان، وهى تهدف الى التمعن فيما هو قائم ، وماىدور حولنا ومايشاع من مقولات مضللة قدمت على أنها نظريات ثابتة ومقولات تهدد السلام وتدعو للفرقة والانقسام، فاستوجب الأمر البدء بالتصدى لها ، لذلك تبدأ المؤلفة بوقفة لدراسة مقولات التراث المسيحى اليهودى ، ثم ما جاء بعدها من ادعاء ما يسمى بالمسيحية الصهيونية، بعد ذلك تتعرض لما أعقبها من نظريات حول صراع الحضارات الذى جاء بعده التركيز على صراع الأديان وانحصر ذلك ليصبح أساس الصراع بين المسيحية والإسلام.
وفى المرحلة التالية تطرح المؤلفة بدائل فكرية تقوم على الحقيقة وتتفق مع الواقع أملا فى أن تزيح من الأذهان ما لصق بها من اتجاهات مضللة أصبحنا نتعامل معها وكأنها حقائق لاشك فيها وتوقعات آتية لا محال ، لذلك جاء طرح نظرية بديلة هى حقيقة «التراث المسيحى الإسلامى المشترك» ، وتأكيد أن ما بينهما من تقارب يفوق مابينهما من اختلاف ، وهى اختلافات لا تبرر ما يحاول البعض زرعه من كراهية وما يتنبأ به البعض من صدام .
وتشيد د. ليلى بمبادرة الأزهر إلى تكوين هيئتين، أو هيئة واحدة ذات شعبتين : إحداهما : تعمل على تنقية الشعور الدينى من الضغائن والأحقاد ، ذلك بتوجيه أنشطة المؤسسات الدينية المختلفة صوب هذا الهدف النبيل، بدلا من توجيهه صوب الصراع بين الأديان والمتدينين ، وطريق ذلك جمع المعانى الإنسانية السامية - العامة - فى كل دين .
والثانية : مهمتها تقوية الشعور الدينى لدى الطبقات المستنيرة ، حتى يمكن تدعيم مراكز التدين أمام البحث العلمى والتفكير الحر ، تدعيما يتأيد بمقابلة الدليل، والبعد عن استعمال السلطة الدينية المستنيرة حتى لا تكرر الأخطاء الماضية التى دفعت الإنسانية ثمنها باهظا ومرهقاً .
يذكر أن الكتاب قدم له المفكر الإسلامى د. أحمد كمال أبوالمجد مؤكدا أنه جاء فى وقته نصيحة مخلصة تجعل من فصوله جزءا مشكورا من جهود حل المشكلة «إن الروح التى يصدر عنها روح سعى مخلص لتحقيق تعايش ودى وتعاون أخوى بين المسلمين والمسيحيين فى مصر أولا وعلى امتداد الدنيا كلها بعد ذلك» .
ساحة النقاش