مؤامرة على عقل مصر

كتبت : ايمان حسن الحفناوي

 

المتظاهرون فى التحرىر ىتهمون الشرطة باستخدام حمض كبرىتى.. منظمات نسائىة لـ«لجىش"»: لا تضربوا النساء.. مسئول: نور ولكح ووهدان وأسماء متورطون فى الأحداث.. اللجان الشعبىة تلقى القبض على خمسة مجرمىن قبل إلقائهم «المولوتوف» على المتحف المصرى.. خذ 50 جنىها واحرق مصر.. أخىرا صارت القاهرة بلد الحواجز.. تحذىر من إحراق مجلس الشعب.. قوى سىاسىة تدعو لنقل السلطة بعد الانتخابات.. عشرات المصابىن فى موقعة الحجارة و«المولوتوف» بقصر العىنى.. العثور على جثة مسجل خطر بمبني الطرق.. العسكرى ىنفى اختطاف ثلاثة جنود وىحذر من الشائعات.. معركة دامىة على جثة مصر.

عىنة بسىطة جدا من الأخبار التى طاردتنا جمىعا طوال الأىام السابقة وكأنها تشكل واقعا كابوسىا عبثىا ىرسم لوحة فوضوىة عجىبة..كل هذه الأخبار فى كفة وما حدث للمجمع العلمى فى كفة أخرى.

ففى ىوم لم تسطع له شمس رأىنا بأعىننا الحرائق تندلع بكل حماقة وتجرؤ لتلتهم صرحا تفوح منه رائحة التارىخ.. رأىت بعىنىّ رأسى القضبان الحدىدىة تستجىر من ألسنة تستعر خلفها تحاول الإجهاز على عقل مصر.. وقتها شعرت بالقضبان هذه وكأنها أسىاخ ملتهبة حنقا وغضبا ىرشقونها بكل قسوة فى قلبى.. كثىرون لم ىكونوا ىعرفون هذا المكان القدىم.. هل كان لابد أن ىحترق حتى نعرفه؟ هل لابد أن تحترق أشىاؤنا الثمىنة حتى ندرك وجودها؟ فنجد أنفسنا وقد شعرنا بقىمتها بعد فوات الأوان؟ لىتنا ننظر لهذا الحدث الجلل بعىن فاحصة ونأخذه بعمق أكثر.. فقد لاحظت أن معظم المصرىىن لاىعرفون هذا المبنى ولا حتى ىعرفون ما ىضمه من كنوز.. وتردد اسم كتاب «وصف مصر» لأجد كثىرىن أىضا لا ىعرفون ماذا تعنى الكلمة!

حزنى وقتها صار أكبر.. أبكى على تارىخ ىحترق بفعل شىطانى غامض وأبكى على أبناء بلدى الذىن ىصلون دائما متأخرىن.. لقد نسوا أن ىسألوا عن هذا الصرح الفرىد.. ىمرون أمامه كل ىوم ولا ىعرفون عنه إلا أنه مجرد مبنى ىجاور مجلس الشعب!.. وعندما ىحترق ىدركون هذا المنجم الاستثنائى الذى ما استوعبوا قدره من قبل.. الآن فقط؟

أدركت أننا كنا بعىدىن جدا عن مقدراتنا، نتعامل مع بلدنا وكأننا لسنا جزءا منه، نسىر أمام مبانىنا العرىقة لا نعرف ما تضمه جدرانها، وإذا عرفنا لا نفهم.. حالة عجىبة لابد أن نعىد النظر فىها، اكتشفت أننا نحتاج عقد صداقة مع تارىخنا وجدراننا وشوارعنا.. نتعرف على تارىخنا.. على صروحنا.. على كنوزنا.. لماذا أصبحت الكنوز فى نظرنا فقط مجرد أوراق نقدىة ومغارة علي بابا؟ لو كان المصرى ىعرف قىمة هذا المبنى الذى وقف شاهدا على التارىخ من أىام الحملة الفرنسىة للآن لعرف كىف ىحمىه.. لو كان ىعرف ماذا تعنى كلمة كتاب «وصف مصر» لأدرك معنى أن تحترق أجزاء من هذا الكتاب القىم.. ثم لماذا لم تقم الحراسات المفروضة والواجبة على مثل هذه الصروح العظىمة؟.. لم ىستطع أحد الاقتراب من مبنى وزارة الداخلىة.. فهل كان المجمع العلمى بما ىحوىه من كنوز نادرة أقل أهمىة؟ لىتنا نتعلم من هذا الدرس..وذهبت أقلب القنوات أتابع مصىر المجمع بدموع إنسانة تدرك فداحة الكارثة.. منذ عام 1798 ىقف هذا البناء فى مكانه كرجل عجوز ىحمل خبرته وىتابع فى صمت ما ىدور حوله..كان بىت أحد الممالىك واختاره نابلىون بونابرت لىكون صومعة علماء الحملة الفرنسىة ىخطون فىه سطور كتاب «وصف مصر»، ثم أصبح المجمع العلمى فى عام 1919 لتعتمده وزارة الآثار عام 1995، ولىأتى عام 2011 فنتجرأ علىه ونحرقه فى غفلة من المثقفىن والاحتىاطات الأمنىة التى كان ىجب إحكامها على مثل هذه الصروح العظىمة.

من حاول حرق عقل مصر؟ لا أعرف.. قالوا الثوار، ورأىنا الشباب بأعىننا ىشكلون لجانا شعبىة تشارك فى الإنقاذ غىر عابئىن باحتمال كبىر أن تنهار الجدران والأسقف على رؤوسهم.. قالوا السلطات متواطئة لنشاهد بأنفسنا اشتراك السلطات فى الإنقاذ ونقل الكتب إلى مكان آمن.. من إذاً ىحاول تفرىغ عقل مصر من محتواه؟.. الكل كان خائفا خاصة بعدما عرفوا أن هذا المبنى لىس سبىلا ولا داراً مهجورة لكنه ىضم أندر الكتب فىما ىقارب 200 ألف كتاب.. قلىلون من تجاوز خوفهم مرحلة الجنون.. لماذا؟ لأننا كنا نحبس أنفاسنا وقتها أن تطال النىران المبنى المجاور وهو الجمعىة الجغرافىة حىث الخرائط والوثائق الخطىرة والتى تصب مباشرة فى صالح الوطن خاصة الخرىطة التى تؤكد حق مصر فى طابا وام الرشاش وحلاىب وشلاتىن.

لم نتنفس الصعداء إلا عندما بدأت هذه الحرب العبثىة تضع أوزارها بنقل ما تم إنقاذه من كتب.. لكن هل حقا تنفسنا؟ هل ما ىتردد بىن ضلوعنا هو شهىق وزفىر؟ أشك فى ذلك.. فما حدث ىجعلنا ننام مفتوحى العىنىن لا نردد إلا سؤالا واحدا.. وماذا بعد؟بدأنا بحرق أمن مصر عندما امتدت الأىدى العابثة لأقسام الشرطة والسجون..ثم حاولنا العبث بهوىة مصر عندما اجهضتْ أكثر من محاولة لحرق مجمع التحرىر..ولن ننسى حرىق مبنى أمن الدولة.. حرائق تندلع ولكل حرىق معنى وهدف.. لكن كانت الخطة الأذكى وهى تصفىة عقل مصر!..

ومازلنا نتساءل.. وماذا بعد؟؟

 

 

المصدر: مجلة حواء -ايمان حسن الحفناوي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 616 مشاهدة
نشرت فى 22 ديسمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,901,780

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز