الاحتفال بمولده «صلى الله عليه وسلم »ليس بدعة

كتب :محمد الحمامصي

استولت جماعات الإسلام السياسي من جماعة الإخوان المسلمين والجماعة السلفية والجماعة الإسلامية وغيرها على كافة المساجد والزوايا ليس في القاهرة وحدها، ولكن على مستوى مصر كلها، وجعلت منها منابر لدعمها ومساندتها ونشر أفكارها ومحاربة المخالفين لها في الرأي، ومقار للتجمع والحركة والاستقطاب، ولأن المصريين يتمتعون بتدين فطري سمح، ولأنهم ما أن يسمعوا قال الله عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تتخلخل قلوبهم وتميل إلى أفكار هذا الخطيب أو ذاك، فقد استغلت تلك الجماعات ذلك ولا تزال، فكان أن حققت نجاحا كبيرا في انتخابات مجلس الشعب وفي السيطرة على الكثير من مشاعر المصريين.

ولأن هناك جهلا وهناك أمية وفقرا فإن كل ما تحمله المنابر من أفكار يستخدم فيها الدين وسيلة للإقناع والترويج لأفكار بعينها أغلبها يحمل نذر التشدد والتعصب والتفريق ويهدد المجتمع المصري بالتطرف والانقسام، وهنا أريد أن أتوقف عند هجوم هذه الجماعات على احتفال المصريين بالمولد النبوي الشريف، حيث خرجت منابر الجمعة الماضية 27 يناير لتهاجم الاحتفال والمحتفلين وتهدم فرحة البيت المصري بالاحتفال بمولد سيدنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر صلى الله عليه وسلم، وتحاول بباطل الكلام وزائفه أن تقنع الناس بأنه بدعة.

هؤلاء المدعون يرون الاحتفال بسيد البشرية منذ آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة، بدعة، ويتجرؤن بالتلفظ باسمه الشريف دون أن يسبقه "سيدنا" يقولون بكل وقاحة هكذا "محمد" مستكثرين الصلاة عليه عقب التلفظ باسمه الشريف، وهو الذي صلى عليه الله وملائكته "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً".

ألم يعلم هؤلاء أنه صلى الله عليه وسلم سيدهم، وأن المنبر الذي يقفون عليه هو منبره وأنه الرحمة المهداة لهم في الدنيا والآخرة، ولا إيمان لأحدهم ما لم يكن ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه وولده وأهله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".

أبدعة الاحتفال بالمولد الشريف لمن أثنى عليه الله عز وجل في قرآنه الكريم قائلا " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ"، "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ "، "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ"، و"لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ"؟

أبدعة أن نطلق قلوبنا فرحة بمولده العظيم ونشترى الحلوى ندخل بها السرور على أولادنا وأولى الأرحام والفقراء والمساكين في يوم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم؟ أبدعة أن يكون يوم مولده الشريف دعوة للتجمع والتزاور والتراحم وزيارة آل بيته الكرام البررة رضوان الله عليهم أجمعين " ُقلْ لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"، دعوة لتذاكر سيرته الشريفة العطرة ومواقفه النبيلة العظيمة والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم؟

يقول القاضي عياض اليحصبي في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى": "ما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه خصال الخير كلها مما لا يحصيه عد، ولا يعبر عنه مقال، ولا ينال بكسب ولا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال، من فضيلة النبوة والرسالة والخلة والمحبة والاصطفاء والإسراء والرؤية والقرب والدنو والوحي والشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود والبراق والمعراج، والبعث إلى الأحمر والأسود، والصلاة بالأنبياء والشهادة بين الأنبياء، وسيادة ولد آدم، والرحمة للعالمين، وشرح الصدور، ورفع الذكر، والتأييد بالملائكة، وإيتاء الكتاب والحكمة، وصلاة الله تعالى والملائكة عليه، ووضع الإصر، والأغلال عن الخلق ببعثه، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير القليل وانشقاق القمر، والنصر بالرعب، والاطلاع على الغيب، وظل الغمام وتسبيح الحصى، والعصمة من الناس، إلى ما لا يحصيه عد ولا يحيط بعلمه إلا الله تعالى ، إضافة إلى ما أعد الله له في الدار الآخرة من منازل الكرامة، ودرجات القدس، ومراتب السعادة والحسنى والزيادة التي تقف دونها العقول، وتحار دون إدراكها الأفهام".

وصدق من قال:

فإن فضل رسول الله ليس له .. حد فيعرب عنه ناطق بفم

كم من مرة حاولت كما حاول غيري كثيرون إيقاف هؤلاء الخطباء الجهلة وتلقينهم درسا في التأدب عند ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث عنه، هؤلاء الحمقى الذين تمتلئ بهم المنابر والمساجد ويتعاملون مع ذكره كأنهم يتحدثون عن واحد من العامة، وقد ازداد تجرؤهم وحماقتهم وجهلهم عقب سيطرة جماعات الإسلام السياسي على مجلس الشعب وليصبح لهم صوت، لكنى أذكرهم وأحذرهم أن ذلك لن يستمر طويلا والأيام بيننا