«الرومانسية» أبداً لا تغيب

كتبت :تهاني الصوابي

ما بين الحين والآخر، وكلما اشتدت الأزمات، وزادت سخونة الأحداث على أرض الواقع، تهفو النفس لأن تستريح، تحلق بعيداً عن الواقع الأليم، تشتاق للانغماس فى قراءة رواية رومانسية، نشارك أبطالها، ونتعايش مع أحاسيسهم، قد نرى أنفسنا بينهم، ولو حتى بقدر بسيط.

قد يلومنى الكثيرون لهذا الهروب، ولكن ما أحوجنا لشئ من الرومانسية وسط الأحداث المتلاطمة المتلاحقة فى حياتنا الآن، فاسمحوا لى أن تشاركونى تلك اللحظات مع رواية «حبيبتى لن نفترق» التى تنساب رقة وعذوبة وتحمل نضجاً أدبياً لصديقتى وزميلتى وتلميذتى إيمان العمرى، التى نحن مثلها جميعاً «إلى من كانت كلماته الساحرة تأسر كل القلوب» إلى والدها كما جاء فى الإهداء الذى يتصدر روايتها، وكأنها تتحدث بلساننا فى لحظة حنين إلى الأب الذى نفتقده كلما مرت بنا الأيام، ونشعر بمعنى اليتم، كلما مضت السنوات وخط الشيب شعر الرأس .

ها هما «وليد» و«مرام» والقصر القديم الذى أحيا كل ذكريات الماضى لديهما، وتدور حوله تلك الرواية الرقيقة الناعمة فى المعنى والملمس، تقول الكاتبة «وكأنها بعثت من القبور لتُحِيي ذكرى ما تنبض به جدرانه من حب وحنان» قد أرادت الكاتبة أن ُتحِيى بداخلنا مشاعر وأحاسيس تصورنا أنها توارت مع الأيام، وتفجرها بلا شفقة أو رحمة، تنطلق كالحمائم من فوهة البركان، فمن منا لم يتخل عن ذكرياته، ويتنازل عن جدارن بيته القديم العتيق بكل ما تحمله من أحداث وذكريات مقابل حفنة من المال، لم ندر وقتها حجم الفعل وقدره، وأثارت الشجن داخلنا، وأشعرتنا بالخزى والعار من أنفسنا، آثارت الحنين إلى جدران بيوتنا القديمة الدافئة المليئة بالحب والحنان.

الحكاية ليست فقط حكاية القصر بجدرانه وذكرياته وأحداثه، ولكن حكاية «وليد» و «مرام» وقصة الحب التى احتضنها القصر العتيق الذى يتمتع بمكانة لدى كل منهما كل على طريقته، «وليد» يهرع إليه يريد أن يضم القصر إلى الفندق الحديث الذى يشرف على تصميمه وإنشائه، ليجمع بين الأصالة والمعاصرة فى مكان واحد، بينما صاحبة القصر «مرام» ترفض ملايين الدنيا مقابل بيعه، فالقصر بالنسبة لها معنى وقيمة «ذكرى جميلة وطفولة مدللة» وحنين للآباء والأجداد والأم الحنون بصفة خاصة، وهو ليس جدراناً تعلق على حوائطه صور الأحباب «بشريط اسود» بعد الوفاة، أو ألبوم صور للذكريات، أو مقعد قديم أمام المدفأة، لكنه معنى وقيمة ومشاعر وإحساس بالدفء والحنين لمن تركونا وذهبوا إلى خالقهم عز وجل، فقد أبت «مرام» أن يظل القصر شامخاً شاهداً على عظمة من عاشوا بداخله، باقياً بجدرانه الدافئة يحمى من بقيت على قيد الحياة بمفردها تصارع محاولات البعض الانقضاض عليه، حتى جاء «وليد» وكان أحد هؤلاء لتأخذنا الأحداث وتتصاعد وتشهد على تحول مشاعره تجاه القصر أو الاستيلاء عليه، وتغيير معالمه، فانضم إلى «مرام» فى موقفها الرافض من بيعه مدافعاً عن القصر وعن صاحبته التى بدأت تتسلل فى هدوء إلى قلبه مثلما تسلل هو الأخر، ووصل إلى حنايا قلبها، لتأخذنا الكاتبة وتحلق بنا فى قصة حب ناعمة نعيشها منذ البداية حيث الصداقة والصراع حول القصر حتى الصراع النفسى لمقاومة هذا الحب الذى بدأ يتسلل إلى كل منهما، ثم الصراع من أجل الحفاظ على هذا الحب، لتمضى بنا وبها رحلة الأيام، وينجبان طفلتهما الصغيرة التى تسير على نفس النهج ولا تحيد بأن الأماكن ليست جدران وحوائط لكنها ذكريات وأشخاص نحبهم ونشتاق إليهم حتى لو فقدناهم.

رحلة طويلة من المشاعر الجميلة، والأحاسيس المرهفة عشناها فى الزمان والمكان، حيث شروق الشمس وغروبها على شاطئ بحر الاسكندرية وحكاية القصر القديم وعملة الأمانى اللذين صنعا قصة حب جميلة بين «وليد» و«مرام» ، صاغتها الكاتبة برقة ونعومة، لتكون نبراساً لمحبين وعاشقين جديدين، وجاء الختام مؤثراً، موجزاً، معبراً عن المعنى والقيمة فى حياتنا على لسان الكاتبة: «وتمضى بهما رحلة الزمان، والشاطئ وعملة الأمانى يشهدان على حب وليد، ومرام الذى لم ولن تغيره الأيام، فحبهما يزداد فى كل يوم تشرق فيه الشمس، وعندما تغيب عن الأنام، يقفان معاً على الشاطئ محلقين فى سماء الأمانى والأحلام، وبجوارهما طفلتهما الصغيرة تمسك بالعملة المعدنية لتهمس لها بسرها الخاص جداً، وتقذف بها بعيداً فى البحر، ووليد ومرام يضحكان ليمتلأ الكون كله بسعادة لا يقوى على قهرها حتى آلام الفراق

 

المصدر: مجلة حواء -تهاني الصوابي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 534 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,769,899

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز