كتبت: هدى الكاشف
ينفرد الإسلام باهتمامه بالطفل من قبل ولادته ، فيحث على حسن اختيار أمه وأبيه ، على أساس من الدين والخلق ، حتى تتوافر لديه البيئة الصالحة والقدوة الطيبة ، فتتجلى فيوضات الرحمة الإلهية في أبهى صورها على الأسرة ، إنها الرحمة التي أودع المولى عز وجل منها جزءاً فى هذا الكون واستأثر لنفسه سبحانه بتسعة وتسعين جزءا منها الرحمن الرحيم ، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق فتكون أسرها على أساس تقارب القلوب وتقوى الله ll وأشار المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذلك بتحصين الأسرة من قبل بدايتها فقال (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) مع حرص أسرة البنت على التأكد من السمت الظاهرى للدين والخلق فلا تُخدع، وكذلك الحال عند اختيار الزوجة فقال نبي الإسلام صلي الله عليه وسلم (تنكح المرأة لأربع : لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) واستمر الهدى النبوى يرعى هذه الأسرة الحديثة حتى إذا جاءها مولود حرص على حسن اختيار اسمه فقال المصطفى
(إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم، وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم) كما أن الإسلام يحتفل بمقدم الطفل فيدعو لوليمة في اليوم السابع لمولده، يُدعى لها الأصدقاء ويأكل منها الفقراء فقد قال الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ (كل غلام رهينة بعقيقته) كما أكد الإسلام على ممارسة الأم لدورها الفطري في إرضاع طفلها فقال سبحانه وتعالى " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" وذلك بما يحمى الأم من الأمراض الخبيثة، ويحمى الطفل ويحصنه ضد أنواع الأمراض المختلفة، ويضفى عليه الأمن والطمأنينة والحنان لتكوين بنيانه الصحيح فى هذه المرحلة الحساسة والتي حرصت عليها أيضاً السُنة النبوية فوجدنا المصطفى يصلى وهو يحمل ـ أُمامه ـ بنت زينب بنت رسول الله ـ لأبى العاص ابن الربيع ـ فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها، كما أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل ـ الحسن ـ بن على بن أبى طالب ـ وزوج ابنته ـ فاطمة الزهراء ـ وكان عنده ـ الأقرع بن حابس ـ الذى قال " إن لى عشرة من الأولاد ما قبلت منهم أحداً " فنظر إليه المصطفى وقال (من لا يرحم لا يُرحم).
وكما وجدنا العلم الحديث يحرص على التوجيه العملى للطفل فى سن السابعة فيجب أن نتدبر الإعجاز النبوى فى ذلك حينما قال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ (مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين) فنجد الأمر بالصلاة هنا يتضمن عدة إشارات هامة في حياة الطفل التربوية حيث الحرص على الطهارة والنظافة، وغرس الإيمان والفضائل فى نفوس الأبناء، كذلك غرس مبادئ التعايش للشخصية الاجتماعية داخل الطفل الذى سيقف بجوار والده أو والدته ليصلى فى المسجد أو البيت وسيشارك فى صلاة الجمعة أسبوعياً والأعياد، كما حرص الشرع على بعض الآداب الإسلامية العامة والمهمة في حياة الأبناء، كأدب الاستئذان داخل الأسرة في الأوقات الثلاثة التي حددتها الآية الكريمة في قوله جل شأنه " يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحُلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم "(سورة النور.. آية)53، وكذلك الحرص على آداب المائدة،
فعلينا أيضاً أن نتعاطى مع هذا المنهج أساليب التربية الحديثة حتى نخرج بجيل واع يستطيع مواجهة أمواج العولمة العاتية وأدواتها ومستحدثاتها، فلا ننغلق على أنفسنا ونتخلف عن ركب الحضارة، ولا ننفتح بدون سيطرة حكيمة منا على هذا الانفتاح، ولذلك علينا الحرص على غرس حب القراءة والاطلاع في نفوس أبنائنا، فلا نتركهم فريسة لشاشات الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي بدون توجيه ومراقبة رشيدة، فيعتادون منذ نعومة أظافرهم التوجيه الواعى فى وقته وبدون تحكم وسيطرة على عقولهم، ولكن بمشاركتهم النقاش وإعطائهم الفرصة في التعبير عن أنفسهم، والتركيز الجيد معهم لفهم أفكارهم، وهذه شعرة رفيعة ما بين الحرية والديكتاتورية يدركها الحكماء منا، فيجب غرسها فينا جميعاً كطوق نجاة لننجو بهذا الجيل الذي ينير حاضرنا ومستقبلنا
ساحة النقاش