ارتفاع الأسعار وأحلام الطبقة المتوسطة
وصفت محطة البي بي سي البريطانية في تقرير لها العلاقة بين الجنيه والدولار، بأنها أشبه ما تكون باثنين من الملاكمين صعدا إلى الحلبة وراح أحدهما يكيل الضربات للمنافس الضعيف، وهو الجنيه بالطبع، دون أن يتمكن هذا الضعيف من إيقاف الضربات أو يقوم الحكمبإيقاف المباراة، ومع كل قفزة يقفزها الدولار تقفز معه الأسعار في نفس الاتجاه، ويقفز مستوى معيشة المواطن المصري العادي للخلف، فعلى مدى ثلاث سنوات كاملة والأسعار تشهد ارتفاعات متواصلة، لدرجة أنها أصبحتهما يوميا اعتاد المصريون الجدل حوله في المواصلات أو في المقاهي وحتى في المنازل، أصبح للآباء أفق آخر من التفكير لكي يتدبروا فقط كيف يسيرون أمور منازلهم المسئولين عنها خلال الفترة المقبلة..فمع زيادة الأسعار المتوالية لبعض البنود الأساسية في أي منزل مصري، يظهر شبح الخوف من ناحية، بينما يعلو صخب الحياة السياسية من ناحية أخرى.
تبدد حلم الطبقة المتوسطة في توفير حياة آمنة لأبنائها، ودخلت في دوامة الاضطرابات الاقتصادية الناتجة عن المتاهات السياسية التى نعيش فيها منذ يناير 2011، وأصبحت الآن أكثر صخبا من أي وقت مضي، وباتت الحسابات المستقبلية تؤرق كل المنتمين إلى تلك الطبقة، ولم يعد التوفير يهمهم بأي حال أكثر من أن شاغلهم الأكبر هو كيفية توفير المصاريف الثابتة السنوية والشهرية..وفي أسواقنا المصرية تري كل ربة منزل العجبيوميا، فالأسعارترتفع بلا مبرر.. وقد ترتفع بحجة ارتفاع أسعار الخامات والمواد الوسيطة المستوردة من الخارج، وقد ترتفع بفعل ارتفاع سعر صرف الدولارمقابل الجنيه،وإذا انخفض الدولار يظل سعر السلع مرتفعا في السوق المحلية، وما إن يتم الإعلان عن علاوة دورية قد لا تتجاوز عشرات الجنيهات حتي يكون غول الأسعار جاهزا لالتهامها، ليظل ملايين المصريين من محدودي الدخل الذين هم السواد الأعظم من الشعب في حالة شقاء دائم لتلبية احتياجات أسرهم البسيطة!
في النهاية لا أحد يعرف سبب ارتفاع الأسعار: هل هو بسبب جشع التجار؟ أم بسبب ضعف الرقابة علي الأسواق؟ أم بسبب ارتفاع الأسعار العالمية؟أم لأسباب أخري غير معلومة؟ وكيف يمكن مواجهتها؟
ما هو الحل ؟
قدمت الحكومة المصرية تفسيرات عديدة لتلك الظاهرة المزعجة.. كان أولها ارتفاع الأسعار العالمية، وهي ظاهرة حقيقية لكن ما فات الحكومة هو أن هذا الوضع لم يؤد مباشرة إلى موجات جنون سعري، كالتي شهدتها مصر، فالواقع يؤكد أن ما ضاعف تأثير ارتفاع الأسعار العالمية على الاقتصاد المصري هو فشله الإنتاجي خلال السنوات الماضية، وهذا الوضع أدى إلى حدوث اختلال مزمن في الميزان التجاري ما بين صادرات محدودة النمو وواردات متضخمة، وعلى الرغم من التراجع الذي "طبلت" له الحكومة مؤخرا في عجز الميزان التجاري لدرجة تحقيق فائض، فإن هذا التراجع في الواردات عاد بالأساس إلى السلع الرأسمالية والوسيطة، التي تأثرت بسعر الصرف المتدني للجنيه..وهو ليس مؤشرا إيجابيا بالمرة، حيث يعني تراجع الاستثمار وبالتالي تراجع مستوى النشاط الاقتصادي ككل.. بينما السلع الأساسية مثل القمح وغيره لا تتمتع بنفس درجة مرونة الطلب، فارتفاع الأسعار بالنسبة لها لا يعني تراجع الطلب عليها، وبالتالي بقي أثر ثقل الفاتورة بالنسبة لها حاسما على أسعارها المحلية.
هنا سيفرض السؤال نفسه : ماهو الحل؟ كل الخبراء والمتخصصين يجمعون على أن الحل يكمن في ضرورة تفعيل دور أجهزة الرقابة علي الأسواق وكذلك دور جمعيات حماية المستهلك واتحادات المستهلكينللوصول إلي المستهلكين الحقيقيين.. وتوعيتهم بضرورة الإبلاغ عن أي محاولات لرفع الأسعار،ومواجهة جشع التجار ووقف التهريب وملاحقة السلع مجهولة المصدر والتصدي لحملات الترويج للسلع المستوردة علي حساب المنتج المحلي، وهو الأمر الذي أدي لانخفاض الطلب علي السلع المحلية فخرج نحو4 آلاف مصنع من دائرة الإنتاج، وبالتالي انخفض المعروض نتيجة توقف الانتاج فارتفعت أسعار بعض السلع والمنتجات، والمضي قدما في التحول من الضريبة علي المبيعات إلي ضريبة القيمة المضافة.. فالأخيرة هي التي يتم فرضها في أغلب الأحيان علي السعرفى الغالبية العظمى من دول الاعالم المتقدم، ومن هنا سيحاول المنتج تقليل هامش الربح وبالتالى تقليل السعر حتي لا يخضع للشريحة الأعلي من الضرائب.
ساحة النقاش