كان للمرأة العربية فى عصر الرسول عليه الصلاة والسلام فضل كبير فى استخلاص الفتاوى التى تتفق والعهد الجديد، عهد الإسلام، وتخرج عن العهد السابق، عهد الجاهلية, كانت تطالب بانعتاقها من الأعراف القديمة البالية، وتسأل رسول الله، وتلح فى السؤال حتى تنزل الآية القرآنية فتهتدى بها, وقد كرم الله سبحانه وتعالى المرأة التى تبحث عن حقوقها ولا تستسلم، وذكرها فى القرآن الكريم فى سورة كاملة عنوانها "المجادلة": {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} سورة المجادلة 1-2.
وفى تفسير الشيخ حسنين مخلوف أن هذه السورة نزلت فى خولة بنت ثعلبة، وزوجها أوس بن الصامت، حين ظاهر منها بقوله: أنت على كظهر أمى، وكان ذلك فى الجاهلية تحريما مؤبدا.. فشكت أمرها إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال لها (ما أراك إلا وقد حُرمت عليه)!، ولكن خولة لم تقتنع بما سمعته وظلت تجادل الرسول حتى نزلت الآيات الأربع.
إن المرأة المسلمة لم تقبل إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن تناقش وتحاور وتجادل، وهذه قمة الديمقراطية كما نفهمها اليوم، بل إن هذا يدل على أن الديمقراطية بدأت مبكرا فى الإسلام، ولم يكن مطلوبا من المسلمين "السمع والطاعة"، بل الفهم والاقتناع, فالرسول (ص) كان يستمع للمرأة المجادلة ولم يأمر مثلا بمنعها من حضور مجلسه, ونحن عندما نطالب بذلك اليوم، إنما نعتز بحق أصيل لكل مسلم ومسلمة, إن الله سبحانه وتعالى يسمع الجدال والشكوى ولا يُنهى عنهما، بل يستجيب للشاكية فهو السميع البصير, وتنزل الآيات لتلغى "الظهار" إلى الأبد، واستجابة لروح ذلك العصر يعطى الخالق للعبد الذى أقسم بتحريم زوجته على نفسه أكثر من فرصة للخروج من ذلك القسم بتحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } الآية 4.
لم يشأ رب العباد أن يفرض قاعدة جديدة دون أن يمهد لها بالتكفير عن الحنث فى القَسم، فالعربى فى ذلك الزمان كان يقدس القَسم، تلك كانت دنياهم، أما نحن فنستخلص من الآيات الكريمة أنه لا حق لمسلم فى أن يحرم على نفسه زوجته أبدا.. أو أن يتركها كالمعلقة فلا يعاشرها ولا يطلقها، وأن القاعدة الإسلامية كما جاءت فى سورة البقرة (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
والخلاصة نداء أوجهه إلى علمائنا الأفاضل: نريد أن نحفظ ديننا ونعيش دنيانا.. نتطلع إلى فتاوى عصرية مستقاة من القرآن الكريم مباشرة ومقتدية بالسنة الصحيحة والمتواترة.. نتلهف لأن نسمع آراءكم أنتم وتفاسيركم أنتم ولكم أن تهتدوا بالأوائل دون أن تقدسوهم فهم رجال وأنتم رجال.. وأخيرا افتحوا باب الاجتهاد يفتح الله عليكم وعلينا.
ساحة النقاش