"قعدة الخزانة ولا جوازة الندامة" مثل شعبي مصري قدي يعبر بمنطقية وصدق عن حكمة عميقة فطن إليها أجدادنا الذين توصلوا بخبراتهم الحياتية المتعددة إلى خلاصة القول,فلم يخرج هذا المثل المصري القديم هباءًوإنما خرج من رحم معاناة الكثيرات وذويهن وحيرتهم ما بين هذا وذاك وأيهما أفضل وأصلح للمرأة ولمن حولها وللمجتمع كله.
ونحن الآن عزيزي القارئ بصدد اختيار الأفضل بين هاتين الظاهرتين وأيهما أضر وأصلح لجميع الأطراف بشكل خاص وانعكاسه على المجتمع بشكل عام.
العنوسة كلمة غير لائقة يطلقها البعض على الفتاة عندما تتجاوز السن الشائع للزواج، في حين أن هذا السن المقرر لم يأت به قانون أو شرع لكنه يختلف من مجتمع لآخر ومن حضارة لأخرى، فكلما كان هناك تقدم كانت هناك حرية واحترام لآدمية الشخص وتخلص من حدة العادات والتقاليد الخاطئة التي تم ترسيخها بناءًعلى معتقدات ووجهات نظر أشخاص قد يصيبوا أو يخطئوا.
ولكننا وبكل أسف في مجتمعاتنا الشرقية وتحديداً الإسلامية نمارس كافة أشكال الضغط والتعنت فيما يخص زواج الفتاة وتجاوزها السن المتفق عليه داخل المجتمع والذي يختلف كذلك ما بين الريف والحضر، ونعتبر رفض الزواج بالطرق التقليدية مثل ما يسمونه (بزواج الصالونات) نشوذا وتمردا من البنت واعتبار رغبتها المشروعة في العثور على الشريك المناسب للحياة وحلمها بالحب والتوافق الاجتماعي والتعليمي والثقافي أزمة مجتمعية قد تودي بها بمرور السنوات إن لم يسعدها الحظ ويطبطب عليها القدر بما تحلم به وترضاه لتتخذ قرار الزواجالذي لا يُتخذ هباءً دون تدقيق وتفكير عميق للانتقال من حياة إلى أخرى مختلفة عنها شكلاً وموضوعاً، لا يقوى على حملها طرف بمفرده دون مساندة الآخر الذي يشاركه الحياة بكل ما فيها من أفراح وأحزان، ضيق ورغد، ليكونا بالحب والتفاهم والتناغم عوناً لبعضهما البعض في مواجهة تقلبات الحياة التي لا تنتهي.
وللأسف الشديد هناك عقليات جامدة متحجرة ما زالت تمارس الضغط على بناتهم من أجل الزواج كي لا يفوتهن قطاره الذي يزعمون!وهذا ما قد يؤدي إلى كوارث لا تتحملها سوى تلك الضحية المقهورة التي قررت الاستسلام والإنصياع لصوت مفاهيم خاطئة عفا عليها الزمان وثبت بالعقل والمنطق والتجربة أن تبعاتها أشد قسوة وأتعس حالا.
هناك أيضاً مفهوم كارثي شائع بين بعض الأمهات "أن تحمل البنت لقب مطلقة أفضل من لقب عانس"!وفي هذا قمة التراجع الفكري والتأخر الحضاري والقسوة الإنسانية، نظراً لتحكم عادات سيئة في مصير طرفين ارتبطا دون معطيات منطقية لتخرج نتائج غير مرضية تعود بالفشل والظلم على هذين الطرفين اللذين ربما يخرجا ثلاثة أو أربعة ضحايا جدد لحسبة خاطئة!
أعزائي الآباء، عزيزاتي الأمهات هل من وقفة جادة مع النفس ومع المجتمع بمعتقداته التي لا توافق تطورات الزمن في بعض القضايا لنرى الصورة كاملة ونتأملها كثيراً لنصحح المفاهيم التي تؤذينا ونتدارك الأخطاء ونفتح الباب للنصيب والتوفيق والصدفة التي قد تصادف البعض ولا تصادف البعض الآخر، كي لا يتحول الحلم الجميل الذي يراود كل فتاة إلي كابوس مزعج يقض مضجعها ويؤرق من يحيطون بها جميعاً ويخلف المزيد من الضحايا الجدد لتظل المأساة مستمرة لحين ضبط النفس أو لحين إشعار آخر.
إذن أيهما أفضل للمجتمع عانس ناجحة متحققة نافعة لنفسها ومن حولها أم مطلقة محبطة يثقل عاتقها أطفال قد يصيبهم المرض النفسي ليصبحوا غير أسوياء من جراء ذنب لم يقترفوه، تواجه هي الأخرى انتقادات من نوع آخر خاصة بالمرأة المطلقة من مجتمع لا يرحم في كل الأحوال .
ساحة النقاش