كانت الأديبة "مي زيادة" الابنة الوحيدة لوالديها اللذين أغدقا عليها فيضا من الحب والتشجيع، فتجلت مواهبها ونشرت عام 1910م باكورة تجاربها الأدبية، ديوان شعر بالفرنسية تحت عنوان  Fleurs de Rêve)أزاهير حلم)، إلا أنها لم توقعه باسمها الحقيقى بل باسم مستعار هو "إيزيس كوبيا".

بعدها بعامين قرأت للشاعر "جبران خليل جبران " مقالا بعنوان «في مثل هذا اليوم ولدتني أمي» وأعجبت به أشد الإعجاب وأصبحت تتابع كتاباته ثم كتبت له رسالة، وأجابها جبران وبدأت بينهما علاقة وطدتها الرسائل المتبادلة وتحولت إلى أشهر قصة حب عبر المحيط الأطلسي بين موهبتين فذتين لم يكتب لهما اللقاء قط.

تدفقت أفكار مي المستنيرة فى كتاباتها التى رفدت بها جريدة "المحروسة"، ومقالاتها وخواطرها التى رحبت بها صحف مصرية عديدة مثل: (المقطم – الأهرام – الزهور – الهلال - المقتطف)، ولم يقتصر نشاطها على الكتابة بل كانت تلقى الخطب والمحاضرات، من أشهرها محاضرة عن «غاية الحياة» التي ألقتها في الجامعة المصرية في 29 أبريل عام 1921 بدعوة من جمعية «مصر الفتاة»، وفى عام 1922 زارت مي سوريا ولبنان حيث لقيت حفاوة كبيرة من الأوساط السياسية والفكرية والنسائية، وأقيمت لها العديد من حفلات التكريم وتبارى الخطباء والشعراء فى الإشادة بموهبتها.

وبتأمل المقالات التى كانت تنشرها مي سنجد مفكرة من طراز رفيع، تخوض فى موضوعات شائكة بشجاعة وأسلوب رشيق وتتناول فى مقالاتها تحت عنوان «المساواة» موضوعات مثل الطبقات الاجتماعية – الارستقراطية – العبودية والرق - الديمقراطية - الاشتراكية - السلمية - الفوضوية – العدمية، كانت مي تتأمل الحياة بعيون فلسفية، وكتبت فى أحد مقالاتها «كل امرئ يحيا حياتهُ وعليه أن يجد طريقهُ بين متشعب المسالك، وهو مسئول عن كل عملٍ يأتيه ويتحمل نتاجه، إن فائدة وإن أذى، فالفتاة التي اعتادت الانقياد لآراء والديها وعجزت عن إتيان عمل فردي تدفعها إليه إرادتها بالاشتراك مع ضميرها، ما هي إلا عبدة قد تصير في المستقبل "والدة" ولكنها لا تصير "أماً" وإن دعاها أبناؤها بهذا الاسم، لأن في الأمومة معنى رفيعاً يسمو بالمرأة إلى الإشراف على النفوس والأفكار والعبدة لا تربي إلا عبيداً. ولا خير في رجالٍ ليس لهم من الرجولة غير ما يدعون, إن هم سادوا فعلوا بالقوة الوحشية وهي مظهر من مظاهر العبودية، أولئك سوف يكونون أبداً أسرى الأهواء وعبيد الصغائر الهابطة بهم إلى حيث لا يعلمون، إلى الفناء المعنوي، إلى الموت في الحياة».

ظلت مي تتمتع بالشهرة وإعجاب الكثيرين وفيض الحب والرعاية من والديها حتى عام 1930، عندما رحل والدها إلى الدار الآخرة، ثم تبعته والدتها بعد سنتين، كما توفى جبران عام 1931وبدأ الخط البيانى لحياتها فى الانحدار، ولكى تتغلب على أحزانها سافرت إلى فرنسا وإنجلترا وإيطاليا، وفى عام 1935 فجعت بحادثة زلزلت كيانها، فقد طمع للاستيلاء على أموالها بعض أقاربها وتآمروا عليها واتهموها بالجنون وأودعوها مصحة عقلية لمدة سنتين، لولا  الصحافة التى أثارت القضية وكشفت الحقيقة فأعيد عرضها على القضاء وتمت تبرئتها فخرجت من المصحة، وفي مارس عام 1938 ألقت محاضرة في قاعة وست هول بالجامعة الأمريكية في بيروت بعنوان «رسالة الأديب إلى الحياة العربية» لتضع حداً للشاكين والمشككين بجنونها.

  عاشت مي سنواتها الأخيرة في قرية الفريكة اللبنانية وبعدها في القاهرة حيث لفظت أنفاسها الأخيرة صباح 19  أكتوبر 1941.

المصدر: بقلم : إقبال بركة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 834 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2019 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,025,992

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز