بقلم : إقبال بركة

ما زلنا نبحر معا فى عالم المفكر المصرى العظيم رفاعة رافع الطهطاوى،

فالرجل لم يكن مجرد ناقلا لفكر الغرب وحضارته إلى اللغة العربية، وإنما كان مناضلا في سبيل "أن يوقظ" أمته ووطنه بل والشرق و"أهل الإسلام" قاطبة من سبات طال انحرف بهم عما أراده الإسلام لهم وللعالم، كما كان حديثه في السياسة والدستور ووصفه لما درسه وشاهده بباريس من مؤسسات الديمقراطية البورجوازية، مقصودا به أن يفتح لوطنه وشعبه ساحات الديمقراطية، ويدعوه لطرق بابها بقوة، حتى يتجاوز الشرق مستنقعات الاستبداد والطغيان والحكم الفردي البغيض، ولم تقتصر أفكار الطهطاوي عن المرأة على كتابه المهم "تخليص الإبريز" بل تناثرت في أغلب مؤلفاته، فيقول في كتابه "المرشد الأمين":

"المرأة.. (مثل الرجل) سواء بسواء، أعضاؤها كأعضائه، وحاجتها كحاجته، وحواسها الظاهرة والباطنة كحواسه، وصفاتها كصفاته، حتى كادت أن تنتظم الأنثى في سلك الرجل!... فإذا أمعن العاقل النظر الدقيق في هيئة الرجل والمرأة في أي وجه كان من الوجوه، وفي أي نسبة من النسب، لم يجد إلا فرقا يسيرا يظهر في الذكورة والأنوثة وما يتعلق بهما، فالذكورة والأنوثة هما موضع التباين والتضاد".

لم ير الطهطاوي الأنوثة ضعفا، بل إن ضعف البنية الموجود لدى بعض الإناث ليس إلا ثمرة لأوضاع بيئية واجتماعية وتربوية من الممكن تغييرها وإحلال الضعف محل القوة، وضرب مثلا بذلك نساء الإغريق، ثم رأى الطهطاوي أن ضعف المرأة يؤدي إلى نتائج إيجابية فيقول: "ومما يوجد في الأنثى قوة الصفات العقلية وحدة الإحساس والإدراك على وجه قوي قويم، وذلك ناشئ عن نسيج بنيتها الضعيفة، فترى قوة إحساس المرأة وزيادة إدراكها تظهر في الأشياء التي يظهر - ببادئ الرأي - أنها أجنبية عنها، وأنها فوق طاقة وليس ذكاؤهن مقصورا على أمورالمحبة والوداد، بل يمتد إدراك أقصى مراد"، وهو عكس ما يقوله أعداء المرأة هذه الأيام.

 

الطهطاوي وتعليم المرأة

 

دافع الطهطاوي عن المرأة وفند اتهـام البعض لها بالمكر والدهاء ورفض النظر لها "كوعاء يصون مادة النسل" وناقش الأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم بالنهي عن تعليمها فقال: "كيف ذلك، وقد كان في أزواجه، صلى الله عليه وسلم، من تكتب وتقرأ كحفصة بنت عمر، وعائشة بنت أبي بكر، وغيرهما من نساء كل زمن من الأزمان؟ ولم يُعهد أن عددا كبيرا من النساء ابتذلن بسبب آدابهن ومعارفهن، على أن كثيرا من الرجال أضلهم- التوغل في المعارف"، ثم ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من "الشفاء" التي كانت تعلم النساء فى عهده: "علمي حفصة رقية النمل، كما علمتها الكتابة."

لم يكتف الطهطاوي بذلك بل اتهم أعداء المرأة بالجاهلية "وليس مرجع التشديد في حرمان البنات من الكتابة إلا التعالي في "الغيرة" عليهن من إبراز محمود صفاتهن، أيا ما كانت، في ميدان الرجال تبعا للعوائد المحلية المشوية بجمعية جاهلية (أي بمجتمع جاهلي!)- ولو جرب خلاف هذه العادة لصحت التجربة...!".

هذه بعض أفكار مفكر مصرى ولد عام 1801 بمدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر وعاش وكتب منذ قرن من الزمان وذهب بصفته إمامًا للبعثة وواعظا لطلابها، وكان بينهم 18 فقط من المتحدثين بالعربية، بينما كان البقية يتحدثون التركية، ولكنه إلى جانب كونه إمام الجيش اجتهد ودرس اللغة الفرنسية ، وبعد خمس سنواتٍ حافلة أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة واسعة" تخليص الإبريز في تلخيص باريز."

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 770 مشاهدة
نشرت فى 4 أكتوبر 2019 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,693,008

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز