بقلم : إقبال بركة
شهر مارس هو شهر قاسم أمين بلا جدال، فما من كاتب يتحدث عن أحوال المرأة العربية الحالية إلا وسيذكر المستشار الشاب قاسم أمين الذى تنبه مبكرا لسوء أحوالها وتعارض معاملة المسلمين لنسائهم مع تعاليم الدين الإسلامى,بل تناقضها مع معاملة الرسول عليه السلام لنسائه منذ ألف وأربعمائة سنة، وقد لفتتنى مقدمة قاسم أمين لكتابه الثانى "المرأة الجديدة" الذى يعد تحديا للهجوم الشديد الذى لقيه بعد نشر كتابه الأول "تحرير المرأة ", كأنما أراد أن يثبت لمعارضيه إصراره على المضى قدما فيما رأى أنه الصواب، أهدى قاسم أمين كتابه إلى الزعيم المصرى سعد زغلول قائلا:"إلى صديقى سعد زغلول..فيك وجدت قلبا يحب وعقلا يفكر وإرادة تعمل، أنت الذى مثلت إلى المودة فى أكمل أشكالها، فأدركت أن الحياة ليست كلها شقاء وأن فيها ساعات حلوة لمن يعرف قيمتها، من هذا أمكننى أن أحكم أن هذه المودة تمنح ساعات أحلى إذا كانت بين رجل وزوجته، ذلك هو سر السعادة الذى رفعت صوتى لأعلنه لأبناء وطنى رجالا ونساء" (١٥ أغسطس سنة ١٩٠٠)، مر على هذا الحديث مائة وعشرين عاما صدر الكتاب,وقرأه المثقفون, منهم من اقتنع بما فيه, ومن ثار ورفض حتى وصل الأمر إلى تأليف ونشر عدة كتب للرد عليه ودحض ما جاء به من أفكار, وأشهر من كتب كان الزعيم الشاب مصطفى كامل والاقتصادى طلعت حرب،أما عن الأول, الزعيم الشاب مصطفى كامل, وكانت له شعبية كاسحة بين معاصريه باعتباره محرر مصر من الهيمنة العثمانية والاستعمار البريطانى معا, فلا أدرى لماذا رأى أن يحرر الرجال المصريين بينما بناتهم وأمهاتهم يظلون مقيدين فى أغلال الفكر العثمانى المتخلف، كيف لم ينبهه أتباعه ومؤيدوه بأن فكر الحريم والجوارى واستعباد البشر للبشر يخالف جوهر الإسلام وتعاليمه الرشيدة!، وأما الثانى طلعت حرب, رجل الاقتصاد المصرى, فقد تراجع عن أفكاره المعادية للمرأة وأصبح أكبر مشجعى الفنون والسينما وأنشأ شركة مصر للتمثيل والسينما عام ١٩٢٥, وستوديو مصر عام ١٩٣٥, الذى بدأ إنتاجه بفيلم "وداد" بطولة أم كلثوم, وقد ردت أم كلثوم جميله بأغنية "اذكروه .. خلدوه" التى كتب كلماتها الشاعرصالح جودت, ولحنها الموسيقار رياض السنباطى .
كان قاسم أمين ابن عصره, فقد ولد ونشأ فى منتصف القرن التاسع عشر, الذى بدأت فيه نهضة علمية وثقافية شملت العالم العربى بتأثير أفكار المفكر جمال الدين الأفغانى وتلاميذه محمد عبده والكواكبى وعبد الله النديم وغيرهم, وفى أثناء بعثته بباريس تعرف عليهم وصاحبهم, رغم اختلاف العمر, وانضم إلى جمعية "العروة الوثقى" التى أسسها مع الأفغانى فكان المترجم الشخصى للشيخ محمد عبده فى باريس, ولابد أنه تأثر بأفكارهم وآرائهم خاصة فيما يخص المرأة المسلمة وضرورة تحريرها،ومن أقوال جمال الدين الأفغانى"إن لإسلام فتح أبواب الشرف للأنفس كلها, وأثبت لكل نفس الحق فى السمو, ومحقق امتياز الأجناس وتفاضل الأصناف, وقدم الناس بالكمال العقلى والنفسى, فالناس إنما يتفاضلون بالعقل والفضيلة, لا بأى شىء آخر.. إن الإسلام أوجب تعليم سائر الأمة وتنوير عقولها بالمعارف والعلوم الإنسانية".
ساحة النقاش