كتبت : هدى إسماعيل

 

فاكهة المائدة كما يطلق عليها بعض المصريين، فلا تكتمل مائدة رمضان إلا بوجود طبق "الطرشي أو المخلل"، حيث تقوم الأسر المصرية بالإقبال على شرائه قبل ساعات من مدفع الإفطار ليزين سفرتها.

ويحتاج "الطرشي" أو "المخلل" لقدر كبير من الصبر والذكاء فعملية التخليل تحتاج من 15 يومًا إلى ثلاثة أشهر حسب الصنف المراد تخليله، والطرشجى عليه باستمرار أن يكون متجددًا فى صنعته ويبتكر دوما دون أن يبتعد عن السمات الأساسية التى يتميز بها الطرشى البلدى مع الوضع فى الاعتبار الحفاظ على الطعم الذى تتميز به بضاعته عن الآخرين، فطرق التخليل لا تختلف كثيرًا لكن الطعم ما يميز بين طرشجى وآخر، ورغم أن صناعة هذا النوع من المقبلات مستمرة طوال العام في مصر والدول العربية، إلا أنها تنتعش مع الشهر الكريم، حيث الأنواع والأشكال المختلفة والنكهات أيضا.

 

الثمار المملحة

كلمة «طرشي» كلمة فارسية تعني الثمار المملحة، وبالعربية تسمى "مخلل" أي الثمار الموضوعة في الخل والملح حتى تخللها، وبالتركية تورسو، وباليونانية القديمة تورسي.

يقول المخضرمون من أهل المهنة في أحياء مصر الفاطمية إن كلمة طرشي جاءت من اسم البرميل الخشبي الذي كانت تحفظ فيه الثمار المملحة ويطلق عليه اسم الطرشة، وكان التخليل سابقاً يتم في أنواع عدة من الأواني أهمها الفخار والخشب والحديد والزجاج، ولكن براميل الخشب كانت المفضلة لدى الصناع القُدامى لقدرتها على ترشيح الماء الزائد دون دخول الهواء للمكونات.

 

نقوش فرعونية

يقال إنّ الفراعنة كانوا أول من عرف الطُّرشي باعتباره فاتحاً للشهية، بل إنه كان طعاماً مستقلاً للفقراء مع الخبز وبعض ماء النيل، وكشفت النقوش المتنوعة على آثار الفراعنة عن وجود قديم للمخللات خاصة الخضراوات مثل الجزر والخيار بل والطماطم الخضراء، لكن أكثرها مصرية وتميُّزاٍ كان مخلل جمار النخل، وهو قلب النخلة الذي لا يمكن الحصول عليه إلا بقطعها وشقها نصفين، ولا يزال الجمار المخلل موجوداً في بعض الأماكن بالصعيد حتى الآن، مع اختلاف طريقة التخليل عمّا كان قديماً، فقد أصبح الأمر اليوم لا يتعدى نقع شرائح الجمار في الماء والملح والخل والثوم.

أما الطريقة الفرعونية القديمة فكانت أكثر ثراءً، فشرائح الجمار الرقيقة كانت تنقع في خل النبيذ الأحمر والملح وبعض النبيذ الأحمر والزيت النقي، إضافة للثوم والفلفل الأحمر الحار والجزر والليمون وأحيانا الزنجبيل الأخضر الذي كان التجار يجلبونه من خارج البلاد، ولا تعرفه سوى موائد الأغنياء، وتترك لعدة أسابيع حتى تصبح القطعة منها خليطاً من كل المكونات.

وراجت صناعة المخلل في العصر البطلمي وكانت الملكة كليوباترا تدرج المخلل ضمن نظامها الغذائي وكان هناك اعتقاد أنه يساهم بشكل كبير في صحتها وجمالها الأسطوري، وهو ما دفع حبيبها يوليوس قيصر وغيره من الملوك الرومان لإصدار أوامر بإعطاء المخلل لقوات الجيش وإجبارهم على تناوله لاعتقادهم أنه يمنحهم القوة، ويزيد من عنفوانهم.

 

اكتشاف الأمريكتين

يذكر المؤرخون أن المخللات لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على صحة البحارة الذين كانوا عرضة لمرض يسمى "الإسقربوط" وهو مرض كان يصيب البحارة والمستكشفين يؤدي لتساقط الأسنان ونزيف اللثة بسبب نقص الفيتامينات.

وكان البحارة يعتمدون على الأغذية المجففة، وللتغلب على نقص فيتامين C في رحلة كرستوفر كولومبس خلال استكشاف الأمريكتين قام رجل يدعى"أمريكو فسبوتشي" المسئول عن المؤن، بتخزين كميات وافرة من المخللات الغنية بفيتامين C فى سفن الرحلة، مما ساعد على منع انتشار الإسقربوط فى هذه الرحلة التى عبرت الأطلسى، وتيمننا بذلك أخذت أمريكا اسمها من تاجر المخللات Amerigo الذى أصبح مستكشفا فيما بعد.

 

مهنة الصبر والذكاء

يلجأ الكثيرون إلى إقامة بسطات فى الأسواق لبيع المخللات التى قد يصنعها البعض بنفسه كأن يقوم بإقامة معمل طرشى صغير فى منزله، بينما يشتريها البعض الآخر من المصانع بسعر الجملة، وتتنوع المخللات بين الخيار واللفت والفلفل والزيتون والجزر والبصل، وتعتمد صناعتها على النظافة والأمانة، فنظافة الخضراوات شيء ضروري، وبعد تنظيفها وتقطيعها توضع فى براميل خشب وعليها كمية من الماء وكثير من الملح يحافظ على تماسكها وتترك الخضراوات حتى يتم تخليلها ثم ترفع قبل بيعها بـ24 ساعة لتوضع فى براميل أخرى بها ماء وملح قليل وخل يعمل على سحب الملح الزائد، وعند بيعها يضاف إليها الدقة، وهى من أسرار صناعة الطرشى التى تختلف من عمل لآخر، وهى تحتوى على الكسبرة والكمون والشطة والثوم بالإضافة إلى الخل والماء والملح تبعًا لرغبة الزبون.

 

طرشي الغلابة

تختلف أنواع وأسعار "الطرشي" بصورة كبيرة لدرجة أن بعض أنواعه خاصة الزيتون والمانجو المخلل والليمون المستورد خارج قدرة الكثيرين المادية، كذلك ابتكر "الطرشجية" أنواعاً جديدة مثل الباذنجان بالمكسرات والزيتون والليمون بالمكسرات أيضاً، وهي أصناف تصل أسعارها إلى مئات الجنيهات للكيلو الواحد، فيما بقي البصل والخيار والجزر والكرنب والقرنبيط واللفت والليمون البلدي والفلفل والباذنجان هي الأنواع الوفيّة بالعهد للكثيرين.

 

المصدر: كتبت : هدى إسماعيل
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 380 مشاهدة
نشرت فى 29 إبريل 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,467,838

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز