بقلم : د. إلهام سيف الدولة حمدان
الكاتب والفيلسوف الروسي دوستويفسكي قال لحبيبته ماريا: في الشارع الذي تقيمين فيه هناك تسع نساء أجمل منك، وسبع نساء أطول منك، وتسع نساء أقصر منك، وأخرى تحبني أكثر مما تفعلين، وفي العمل هناك امرأة تبتسم لي دائماً، وأخرى تستحثني على الكلام، والنادلة في المطعم تضع لي العسل بدلاً من السكر في الشاي.. ولكنني أحبك أنت .ِ. وبعد زواجه منها كانت ماريا في البيت نعم الزوجة له، تحملت مرضه وفقره وسفره وغيابه عنها وقاست معه كل أنواع الشقاء.. وهي في فراش الموت قال لها دوستويفسكي: لم !» أخنك حتى في الذاكرة هكذا يكون الحب والوفاء، فالحب قرار يأتى من أعماق الروح ولا يخضع لمعايير الجنس أو العقيدة أو اللون أو الثقافة أو المستوى الاجتماعى، فهو قبس من روح الله يودعها كجذوة تتوهج وتنضح عطر اً يحيط بالحبيبين فى آن مع اً، ثم تأتى وقائع التجربة الحياتية والاختبار لنتحكم فى بدايته ثم يتحكم فينا إلى النهاية، وما الزواج إلا تكليلا له؛ ليصبح نواة لشجرة أسرة وارفة الظلال: فالحب فى الأرض بعض من تخيلنا .. لو لم نجده عليها .. لاخترعناه !
لكن هل شبابنا وشباتنا يعون هذه المعاني؟ ويقيني أن كيوبيد الحب أصاب معظمهم بسهامه، لكن سرعان ما يطاردهم الفشل في اكتمال علاقاتهم، فينهارون ويلقون بتبعة هذا الفشل كل على الآخر، دون مناقشة للأمور بروية ليضعوا أيديهم على مكمن الخلاف لإيجاد الحلول وحماية العلاقة من الانهيار وتطويرها حتى تكلل بالزواج الناجح.
فاللافت مؤخرا ارتفاع نسبة الطلاق والخلع، والمذهل وقوعها بعد فترة وجيزة من الزواج! والسؤال: كيف يتبدد الحب والتفاهم بين الطرفين بهذه السرعة؟ وأين تذهب الوعود البراقة بالحب الأبدي؟ والإجابة المنطقية هى جهل أغلبيتهم بكُنه الحب وروابطه الحقيقية وكونه ينطوي على عناصر الكيمياء التى تعجز أكبرالمعامل الكيميائية فى العالم أن تصنع مادته ومكوناته السحرية. قديما كان الحب يأتى بالع شِرة بعد الزواج بتدبير الأهل نتيجة تحلى الشباب بالكثير من القيم الإنسانية الرفيعة المتوارثة تلقائي اً، الآن اختفت وأصبحت الفتاة والفتى يتعاملان فى البداية بعيد اً عن الأهل الذين يمثلون عائقًا بكثرة مطالبهم المادية المرهقة إذا وصلت قصتهما إلى أعتاب الزواج، فتنكسر أمواج الحب على شواطئ ضيق ذات اليد، لتذهب قصص الحب الحقيقية إلى زوايا النسيان بدلا من أن ترسو على شواطئ الأمان.
ظني أن الحل يكمن في ضرورة الشروع فى إضافة مادة علمية متخصصة إلى مناهجنا التعليمية تشرح كيفية بناء الأسرة، حيث تبدأ العلاقات بالتعارف الممنهج بإشراف التربويين، وليبدأ الطرفان باختبار كل منهما الآخر، ومحاولة اكتشاف الأخلاق والسلوك بعقلٍ وموضوعية، ولنترك للكيمياء السحرية أن تقول كلمتها فى الارتباط الأبدى من عدمه، فإذا لم يطمئن أحدهما إلى الآخر تظل معاييرالصداقة ضمانة، وإذا اطمأنا تبدأ مرحلة إطلاق المجال للعواطف الرومانسية؛ فكلاهما يعرف أنه قد ينهيها فى أى لحظة دونما ضغينةأو اتهامات متبادلة، حفاظا على التواصل الإنسانى الجميل.
إذن، علينا فقط بذل الجهد لحماية أبنائنا من خوض تجارب عاطفية مؤلمة قدر المستطاع.
ساحة النقاش