بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

أي شاب في مقتبل العمر يبحث عن فتاة تشاركه حياته وأحلامه، وأي رجل ناضج يريد استكمال رحلة الأيام مع إنسانة تؤازره في كل مواقف حياته، كل منهما يضع حفنة من الصفات والمواصفات في ذلك الشريك، وغالبا ما تتشابه الصفات، فالجميع يشترط الجمال والأخلاق والدين والحسب والنسب والأصل، وكل هذه الشروط مفترض أو يفضل أن تظل مستمرة ولا تتغير، لأن أي رجل يتمنى أن تحتفظ حبيبته وشريكته بصفاتها الجميلة بعد الزواج إلا شرط واحد يضعه الرجل قبل الزواج ويسعى بكل ما أوتي من قوة لتغييره بعد الارتباط وهو الذكاء

فالرجل يبحث عن المرأة الذكية كي يرتبط بها ويعتبرها في أغلب الأحيان أفضل من الجميلة، لأن الذكاء يجعل المرأة تنجح في إبراز مناطق جمالها، وتستطيع أن تخفي عيوبها سواء الشكلية أو الباطنة، أما الجميلة بدون ذكاء فتنجح وببراعة شديدة في تشويه جمالها الخارجي بمجرد أن تتحدث إلى الآخرين، لأنهم يكتشفون أنها كالتمثال الجميل الذي يستحيل أن تدب فيه الروح، علاوة على أن الرجل يرى مستقبله في المرأة الذكية، بمعنى أنها ستشاركه الرأي في كل كبيرة وصغيرة، وسيأخذ منها نِعم الرأي والمشورة، وستكون السند والعضد له بعقليتها وذكائها، كما أنها ستتحمل عنه أعباء الأبناء، ويكون لديها القدرة على حل المشكلات بمفردها دون أن تشغله بالتفاصيل المملة، ومن هنا يستطيع أن يتفرغ لمهام عمله ومشاغله، ويحقق أحلامه وطموحاته، ويصل إلى أهدافه وهو مستقر الذهن تماما.

كل تلك الحسابات تكون هي الشغل الشاغل للرجل قبل الزواج، وعليه عندما يلتقي بالإنسانة التي تتسم بالذكاء يعتبر نفسه قد حصل على كنز عليه أن يحتفظ به ويقتنيه، ويسعى بكل إمكانياته للحصول عليه، ويا حبذا لو كانت تلك الإنسانة تتصف بالجمال مع الذكاء، فهنا يعتبر نفسه رجلاً محظوظًا لأنه سينعم بمتعة النظر والعقل معا، لكن بمجرد أن يصبح هذا الكيان ملكية خاصة به يحاول دون أن يشعر أن يقضي على أكثر صفة كان يسعى للاستحواذ عليها وهى ذكاء زوجته، حيث يعتبر ذكاءها نوعا من أنواع المكر لدرجة أنه يخشاه، وعليه لو اكتشفت بذكائها وقوة ملاحظتها أي تغيير يطرأ على سلوكياته وأنه على صلة بامرأة أخرى ينكر ذلك ويشعرها أنها بدأت تدخل في عالم الأوهام والتخيلات والهواجس، ويحاول بشتى الطرق أن يصيغ لها من الحجج ما يبرهن به على صحة أحاديثه، لدرجة أنها قد تشك في نفسها، ولا يعبأ بما قد تؤول إليها حالتها النفسية وما قد يتسبب فيه من حدوث اضطرابات لها مع مرور الوقت بسبب ظنها أنها تعيش في تخيلات لا تمت للواقع بصلة.

من ناحية أخرى نلاحظ أن الرجل يتذمر من محاولة زوجته إشراكه في مشاكل الأبناء، ويستشعر أن تلك الأمور من التفاهات التي لا يجب أن يشغل باله بها، وحينما تنحيه زوجته عن تلك الأمور ويكتشف فيما بعد ذلك يعاتبها بشدة ويتذرع بأنه ليس على الهامش، وأن سلوكها هذا ينال منه، وأنها تريد أن تحيله إلى خيال مآتة ما يجعلها تشعر أنها في حيرة من أمرها، بين ما يجب أن تفعله وما يريده منها، وكل هذا يسبب لها الشتات الذهني المؤكد والذي بالتبعية يؤثر على ذكائها ومن ثم أدائها.

هناك بعض الأزواج الذي يفضل إبعاد زوجته عن العمل والأوساط الاجتماعية رغم أنها قد تكون متميزة جد اً لكن رغبته في الاستئثار بها وسيطرة غريزة التملك عليه تجعله يبعدها عن كل ما يظهر ملكاتها ومواهبها، فتتحول إلى كائن راكد ساكن بلا حراك، ومن هنا يتأكسد ذكاؤها بفعل عوامل الزمن الاجتماعية.

والمضحك أنه بعد كل ذلك يبدأ في التضجر من سطحية عقليتها وتفاهة أفكارها وضيق أفقها وقلة وعيها وضعف ملاحظتها وسوء تصرفها وحماقة ردود أفعالها، ويتناسى أنه لم يترك أي وسيلة من الوسائل إلا واستعملها لكي يشتت ذهنها تدريجيا، وبالتبعية أصبح العقل المتوهج بالذكاء مثل قطعة الصفيح التي صدأت وبدأت في التآكل.

والغريب أنه يبدأ في البحث عن امرأة أخرى تحت أي مسمى من الممكن أن تكون حبيبة أو عشيقة أو صديقة أو زوجة ثانية، والسبب أنه وجد فيها أهم عنصر غير متوفر في زوجته وهو الذكاء، ويتناسى أن هذا العنصر هو الذي قضى عليه تماما بسبب خشيته منه.

فى الحقيقة أن الرجل يعشق ذكاء المرأة طالما أنه لا يملكها، ويكرهه ويبغضه بشدة حينما تصبح في حوزته.

المصدر: بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 324 مشاهدة
نشرت فى 9 سبتمبر 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,700,561

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز