بقلـــم : د. داليا مجدي عبد الغني
من قال إن المرأة مخلوق ضعيف؟ إذا استعرضنا تاريخ المرأة سنجده حافلا بكل المواقف الحاسمة التي تنم عن الشجاعة والبسالة والنضال والتحدي، فهي أيقونة حقيقية للقوة النفسية والعقلية والإنسانية، فهل نذكر الملكة "كليوباترا" وهي آخر ملوك الأسرة المقدونية والتي حكمت مصر منذ وفاة الإسكندر الأكبر في عام 323 ق.م وحتى احتلال مصر من قبل روما عام 30 ق.م والتي خلفت والدها "بطليموس الثاني عشر" كملكة سنة 51 ق.م مشاطرة العرش أخاها "بطلميوس الثالث عشر"، فقد كانت الوحيدة من بين الأسرة البطلمية التي أخذت على عاتقها تعلم اللغة المصرية حينها، وتشبهت بالإلهة إيزيس وادعت أنها تجسد حياتها على الأرض، حتى أنها لقبت نفسها بـ "إيزيس الجديدة"، مما يعكس مدى ذكائها السياسي وجدّيتها في حكم مصر بنجاح، وقد كانت ملكة موهوبة، فقد تحدثت عدة لغات، وقادت الجيوش في سن الواحد والعشرين، وتمكنت من بسط الاستقرار والسلام في البلاد أثناء حكمها، ومكافحة الفساد، فقد كانت مصر في عهدها دولة مزدهرة، أما الرجال الذين وقعوا في غرامها، فقد أسرتهم بشخصيتها القوية، وبذكائها ودهائها قبل جمالها وجاذبيتها.
وأيضا الملكة حتشبسوت، حاكمة مصر القديمة، وهي من الأسرة الثامنة عشر، والتي حكمت بعد وفاة زوجها الملك "تحتمس الثاني" كوصية على الملك الصغير "تحتمس الثالث" في البداية، ثم كملكة وابنة الإله آمون، ورغم أن الثقافة في مصر القديمة منعت المرأة من أن تصبح ملكة، إلا أنها كسرت هذه القاعدة باعتبارها ابنة ملك، وزوجة ملك، وبذلك فإنها من دم ملكي نقي، وفرضت نفسها ملكة لمصر رغم أنف الكهنة. وكذلك الملكة نفرتيتي وهي زوجة الملك أمنحوتب الرابع فرعون الأسرة الثامنة عشرة وحماة توت عنخ آمون، وكانت تعد من أقوى النساء في مصر القديمة، وهي التي ساعدت توت عنخ آمون في تولي العرش، فقد شاركت زوجها في عبادة آتون، قوة قرص الشمس، وكانت هي وزوجها الوسيط بين الشعب وآتون، وكانت تساعد زوجها أثناء الإصلاحات الدينية والاجتماعية، ثم انتقلت معه إلى أخيتاتون أو تل العمارنة، وظهرت معه أثناء الاحتفالات والطقوس والمشاهد العائلية، حتى في المناظر التقليدية للحملات العسكرية والتي صورت فيها وهي تقوم بالقضاء على الأعداء.
والسلطانة شجرة الدر الملقبة بعصمة الدين أم خليل، وكانت جارية اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب وحظيت عنده بمكانة عالية حتى أعتقها وتزوجها وأنجبت منه ابنها خليل، وتولت عرش مصر لمدة ثمانين يوما بمعاونة من المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة السلطان الصالح أيوب، ولعبت دورا تاريخيا مهما أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر، وخلال معركة المنصورة والتي ما أن جلست على العرش حتى قبضت على زمام الأمور وأحكمت إدارة شئون البلاد، وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد، وإدارة مفاوضات معهم.
أما في مصر الحديثة، فلدينا صفية زغلول فهي ابنة مصطفى فهمي باشا وهو من أوائل رؤساء وزراء مصر، وزوجة سعد زغلول ولقبت باسم صفية زغلول نسبة إلى اسم زوجها، كما لقبت كذلك بأم المصريين إثر مشاركتها في المظاهرات النسائية إبان ثورة 1919م، وكان لها دور بارز في الحياة السياسية المصرية، وعرفت بعطائها المتدفق من أجل قضية الوطن العربي والمصري، فقد حملت لواء الثورة عقب نفي زوجها إلى جزيرة سيشل، وساهمت بشكل مباشر وفعال في تحرير المرأة المصرية.
وجيهان السادات، وهي زوجة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، وكانت أول سيدة في تاريخ الجمهورية المصرية التي تخرج إلى دائرة العمل العام، حيث كانت لها مبادرات اجتماعية ومشاريع إنمائية، فقد أسست جمعية الوفاء والأمل، وكانت من مشجعات تعليم المرأة وحصولها على حقوقها في المجتمع المصري آنذاك.
وأخيرا سيدة مصر الأولى انتصار السيسي، زوجة السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، اهتمت بالأطفال والنشء، وذلك برعايتها للمبدع الصغير من خلال إعلان وزارة الثقافة المصرية بتدشين جائزة الدولة للمبدع الصغير في دورتها الأولى عام 2021م تحت رعاية السيدة انتصار السيسي، والتي أعربت أن الاهتمام بالأطفال والنشء هو أحد أولويات الدولة المصرية لخلق جيل جديد مبدع قادر على تحقيق آمالنا وطموحاتنا في مستقبل مشرق واهتمامها كذلك بقضية تمكين المرأة والتنمية المستدامة.
وهذا جزء مختصر من تاريخ المرأة على مر العصور، ولكن باستعراضنا لبعض محطاتها الحياتية وسيرها الذاتية، سيلاحظ لنا أمران، أولهما أنها كانت وما زالت رمزا للقوة والتحدي، وثانيهما أن الرجل الذي يتسم بالوطنية والنبل والمسئولية عندما يلاحظ أن هناك امرأة مختلفة ولديها طاقات إبداعية حقيقية في أي مجال من المجالات يقف إلى جوارها ويؤيدها ويؤازرها، وهذا ما حدث بالفعل على مر التاريخ، وهذا يؤكد أن نظرة الرجل للمرأة هي التي تكونها بشخصيتها وإرادتها وبصمتها الإيجابية.
ونأمل أن تستمر مسيرة المرأة كرمز للقوة، والانتماء، والوطنية.
ساحة النقاش