نهى عبد العزيز
تبدأ الأجواء الرمضانية في جزر القمر منذ حلول شهر شعبان، وقبيل غروب شمس التاسع والعشرين من هذا الشهر تتوجه الأنظار نحو السماء غربا أملا في أن يرى أحدهم هلال رمضان ويظفر بلقب أول من يبلغ عن حلول الشهر الفضيل، وفور إعلان ثبوته يصيح الناس باللهجة المحلية “ظهر هلال رمضان” ويكرر الأطفال تلك العبارة وهم يجوبون الشوارع والأزقة، وبعضهم يتوجه بالبشرى إلى البيوت ليخبروا من فيها عن قدوم الشهر الكريم، وفي القرى التي يتعذر على سكانها رؤية الهلال لظروف معينة، يجتمعون في بيت من يملك تلفاز أو راديو للاستماع إلى بيان دار القضاة بشأن ثبوت الرؤية.
قبيل دخول شهر رمضان، يستعد المسلمون بتنظيف المساجد وترميمها لتظهر بطابع جديد، وطلائها بأجمل الألوان مع تزيينها بالمفارش، وتغيير المصابيح القديمة بالجديدة، وتنظيم الرفوف لوضع المصاحف لتكون جاهزة للمصلين، ويستمر ذلك خلال الشهر المبارك الذي تكثُر فيه حلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم، والصدقات وأعمال الخير.
يخرج السكان في أول ليلة من رمضان، حاملين المشاعل ويتجهون إلى السواحل ويقرعون الطبول إعلاناً بقدوم رمضان، ويظل السهر حتى وقت السحور، ومن العادات القمرية تنظيم الحفلات الفولكلورية على الشواطئ والمزارع والمتنزهات استعدادا لشهر الصيام.
بعد صلاة العصر تتوقف الكثير من الحركات التجارية ويتوجه الناس إلى المساجد لحضور الحلقات الدراسية خاصة حلقات تفسير القرآن الكريم التي يقيمها الدعاة الخريجون من الجامعات الإسلامية كالمدينة المنورة والأزهر الشريف وغيرهما، وبعد أذان المغرب والصلاة يتوجه الصائمون إلى منازلهم للإفطار.
ويعد “الثريد” من الأطعمة الرئيسية على مائدة الإفطار في جزر القمر، والذي يحتل مكانة خاصة لديهم بين بقية الأطعمة، إلى جانب اللحم والمانجو والحمضيات ومشروب الأناناس والفواكه الاستوائية الأخرى، وتتأثر الموائد الرمضانية القمرية بالمطبخ العربي حيث يفطر الصائمون على مشروبات الفواكه الطبيعية المنتشرة فيها وغالبا ما تكون اللحوم والأسماك موجودة في غالبية الوجبات.
وتوجد أنواع أخرى من المشروبات كالبطاطس الحلوة والموز الأخضر يشربها المواطنون مع اللحم أو السمك المشوي أو المقلي، ومن مكونات وجبة الإفطار خصوصاً في القرى، الموز الأخضر المطبوخ مع السمك واللحم، بحيث يتم مزجها أثناء الطبخ بعصير لب جوز الهند.
وتتحول الجزر القمرية طوال أيام الشهر إلى أسرة واحدة يجمعها نداء الأذان بالصلاة والحب والتآلف على مأدبة الإفطار، ومع أذان المغرب يخرج أبناء الجزر من كل حدب وصوب يتجهون إلى المساجد لأداء الصلاة التي يحرصون عليها، ومن ثم الإفطار في المسجد فتراهم قبل موعد الإفطار يحملون أكلهم ويتجهون إلى المساجد، ويهيئون مائدة إفطار جماعي مكون من أطباق مختلفة فيتبادلون الأكل مع بعضهم في جو من التآخي والرحمة، ولا ينسون نصيب الفقراء على مائدتهم.
وعقب صلاة العشاء والتراويح، يجتمع أبناء القرية وشبابها وشيوخها في حلقات يستمعون فيها إلى بعض الدروس والمحاضرات الدينية التي عادةً ما تكون عن فضائل الشهر الكريم، وآداب الصوم.
ساحة النقاش