ابتسام أشرف 

في زمن أصبحت فيه المرأة حاضرة في مختلف الميادين، تنافس في سوق العمل، وتشارك في القيادة، وتحقق الإنجازات الكبرى، لا تزال هناك نظرة مجتمعية تقلل من شأنها وتطالبها بالتفرغ لمنزلها وأسرتها، وكأنها قد اختارت الطريق الأسهل أو الأقل قيمة، غير أن الحقيقة مغايرة تمامًا، فالمرأة التي تقرر أن تكون ربة منزل إنما تقوم بدور جوهري لا يقل أهمية عن دور العاملة، بل إنه في كثير من الأحيان يكون الركيزة التي يستند إليها البيت بأكمله بما يتطلبه من صبر وحكمة وتفانٍ لا يُقدَّر بثمن.

التقت "حواء" عدد من السيدات من فئات عمرية مختلفة، جميعهن ربات بيوت، يروين لنا تجاربهن وأدوارهن في إدارة البيت والأسرة، ذلك الدور الذي قد يبدو بسيطًا في أعين البعض، لكنه في الحقيقة أساس في بناء مجتمع متماسك وسوي.

البداية مع منى فؤاد٢٣ عامًا وتقول: أنا متزوجة منذ عامين، وقد قررت البقاء في المنزل من أجل تربية طفلي بطريقتي الخاصة، ومنحه كامل وقتي، أشعر أن هذا هو دوري الحقيقي في هذه المرحلة، وربما أعمل لاحقًا لكن تربية طفل تتطلب حضورًا دائمًا وجهدًا كبيرًا.

وتقول ليلى منصور 33عاما: كنت أعمل قبل الزواج، لكن حين أنجبت ابنتي، قررت أن أكون بجانبها في سنواتها الأولى، أنا من تُعلّمها وتلعب معها، وتُدير تفاصيل المنزل كافة، هذا الدور جعلني أرى ذاتي وقيمتي من زاوية مختلفة، وأدركت أن لدي رسالة لا تقل شأنًا عن أي مهنة أخرى.

وتحكي نهى عبدالسلام٤٠ عامًا تجربتها قائلة: لدي ثلاثة أبناء، كل واحد منهم في مرحلة دراسية مختلفة، أنا المسئولة عن تنظيم جداولهم ودراستهم وطعامهم وراحتهم النفسية، وزوجي يعمل طوال اليوم، وأنا من يدير شئون البيت بالكامل، وهذا يتطلب مهارة وتنظيمًا لا يستطيع أي شخص القيام به.

وترد صفاء حمدي ٥٤عامًا على من يعتقد أن دور الأم ينتهى بعد التحاق أبنائها بالجامعة قائلة: أنا ربة منزل منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وعندما كبر أبنائي والتحقوا بالجامعات، ظننت أن دوري قد انتهى لكنني اكتشفت أن دوري تطوّر، اليوم أنا الدعم النفسي لهم، أساعدهم في اتخاذ قراراتهم، وأمنحهم الحنان ذاته، دور ربة المنزل لا يتوقف، بل يتجدد.

احتواء الأسرة

توضح د. نجلاء حسن أستاذ علم النفس الأسري أن المرأة التي تختار بإرادتها أن تكون ربة منزل، تؤدي دورًا نفسيًا واجتماعيًا لا يقل أهمية عن أي مهنة أخرى، فهي تتولى إدارة شئون الأسرة، وتشرف على التربية اليومية للأطفال، وتسهم في خلق بيئة من التوازن والاستقرار داخل البيت، وهذه المهام تتطلب قدرًا عاليًا من الذكاء العاطفي، والصبر، والقدرة على احتواء أفراد الأسرة جميعًا.

وتقول د. نجلاء إلى أن الدور الذي تؤديه ربة المنزل يُعد حجر الأساس في بناء الصحة النفسية للأسرة، فالأطفال الذين يكبرون في بيئة مستقرة، تحضر فيها الأم بشكل دائم وفعّال، غالبًا ما ينمون بشخصيات أكثر توازنًا وأمانًا، أما الزوج فعندما يحظى بدعم نفسي وتنظيم داخلي في منزله يكون أكثر قدرة على النجاح في عمله، ومواجهة تحديات الحياة اليومية، وأحذّر من النظرة المجتمعية التي تنتقص من شأن ربة المنزل، فحينما تشعر المرأة بأن ما تقوم به لا يُقدَّر، قد تشك في ذاتها وقيمة ما تقدمه، لذا من الضروري أن نعيد النظر في مفهوم النجاح، وألا نحصره في وظيفة أو راتب شهري، بل في الأثر الإنساني والنفسي الذي تتركه المرأة في محيطها، فربة المنزل، وإن لم تتقاض أجرًا ماديًا، فإنها تزرع قيمًا، وتبني إنسانًا، وتصنع مستقبلًا، وذلك أعظم استثمار يمكن لأي امرأة أن تقوم به.

الدعم النفسى

ترى بسمة سليم، استشاري العلاقات الأسرية والصحة النفسية، أن ربة المنزل ليست بحاجة إلى تصفيق المجتمع بقدر ما تحتاج إلى اعتراف حقيقي من داخل أسرتها، فحينما يشعر الأبناء أن والدتهم تؤدي دورًا مهمًا في حياتهم، وحينما يُظهر الزوج امتنانًا لما تبذله من جهد يومي، فإن ذلك ينعكس مباشرة على تقديرها لذاتها، فالدعم النفسي والعاطفي للمرأة في بيتها هو ما يصنع الفارق.

وتقول بسمة: الكثير من النساء يشعرن بالإحباط ليس لأنهن لا يعملن خارج المنزل، بل لأن المحيطين بهن يختصرون دورهن في المهام اليومية فقط، دون وعي بأنهن يسهرن على راحة الجميع، ويشكلن نواة العلاقات السليمة داخل الأسرة، من حق ربة المنزل أن تُشكر، أن يُحتفى بها، وأن يُقال لها: "ما تفعلينه مهم، ونحن نراه ونقدّره، فالعدالة الأسرية تبدأ حين نكف عن مقارنة الأدوار، وندرك أن كل دور له قيمته، وأن المرأة التي تختار العطاء من داخل بيتها، لا تقل عظمة عمن تختار العطاء من خارجه، وإهدار حق ربة المنزل لا يكون فقط بالكلمات، بل بالصمت أيضًا، فالتقدير ليس رفاهية، بل هو ضرورة نفسية تدعم المرأة في استكمال رسالتها داخل الأسرة.

المصدر: ابتسام أشرف
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 49 مشاهدة
نشرت فى 6 مايو 2025 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

25,203,084

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز