أماني ربيع
تشكل الأسر التي ترعاها النساء المعيلات نسبة كبيرة في مصر، وذلك نتيجة للطلاق أو الترمل أو غياب الزوج، وتواجه هؤلاء النساء تحديات اجتماعية واقتصادية بسبب عدم وجود رأس المال وعدم المساواة في الفرص، لكنهن رغم ذلك استطعن خلال السنوات الأخيرة وبدعم من الدولة، أن يساهمن بشكل فعّال في سوق العمل.
فى السطور التالية نعرض عددا من القصص الملهمة لنساء معيلات نجحن في تحسين أوضاعهن الاقتصادية من خلال مشروعات صغيرة أو بالاستفادة من برامج الدعم الحكومي مثل "تكافل وكرامة" أو مبادرات التمكين الاقتصادي المختلفة التي تقدمها الدولة.
البداية مع السيدة سمية، من الفيوم، 37 عاما، أرملة تعول ثلاثة أطفال، كانت تعمل في الزراعة بأجر يومي ضئيل وتعتمد على مساعدة أقاربها، ولم يكن دخلها البسيط يكفي احتياجات أبنائها، فقررت الانضمام لبرنامج "تكافل وكرامة" كما حصلت على تدريب في مجال تربية الحيوانات من جمعية محلية بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي.
تقول سمية: استخدمت جزءًا من الأموال لشراء عجل صغير، وبدأت في توسيع المشروع تدريجيا، واليوم لدي ٥ من رؤوس الماشية، وأبيع الألبان ومنتجاتها في قريتي وبعض القرى المجاورة، وتمكنت من توفير فرص عمل لبعض جاراتي في القرية.
أما السيدة نادية من أسوان، 40 سنة، فكانت تعمل خياطة في المنزل، لكن الدخل لم يكن مستقرا، تقول: استفدت من برنامج "تكافل وكرامة" الذي ساعدني في تغطية النفقات الأساسية، ثم قدمت لي محافظة أسوان قرضًا صغيرًا بدون فوائد عبر صندوق "مشروعك" التابع للحكومة.
اشترت نادية ماكينة خياطة وخامات، وأنشأت ورشة صغيرة لتطريز الملابس التقليدية، كما شاركت في معارض محلية لعرض منتجاتها، واستقر دخلها، وارتفعت أرباحها، وبدأت في تدريب نساء أخريات على الحرفة.
وكانت السيدة أمينة من القاهرة، 42 عاما، تعمل في تنظيف المنازل لإعالة أبنائها الثلاثة، لكن صحتها لم تعد تسمح بممارسة هذه المهنة الشاقة، واستطاعت الاستفادة من معاش تكافل وكرامة كأم معيلة، ثم قدمت طلبًا لبنك ناصر الاجتماعي، وهو أحد مبادرات التمويل المصغر الحكومية، وحصلت على قرض ساعدها في فتح كشك لبيع المواد الغذائية الأساسية في منطقتها، وأصبح مشروعها مصدر دخل رئيسي لأسرتها المكونة من 5 أفراد حيث تعيش أمها معها.
تلقت سعاد بنت الإسكندرية، 29 سنة، مطلقة وأم لطفلين تدريبًا على التسويق الإلكتروني، وحصلت على قرض من برنامج "مشروعك" أتاح لها إطلاق مشروع لتسويق منتجاتها من الأطعمة والمخللات سابقة التجهيز عبر الإنترنت، ومع نجاح مشروعها وتحقيقه للأرباح، وسعت نشاطها ليشمل نساء أخريات يساعدنها لتلبية طلبات العملاء.
بينما وجدت السيدة سماح، 32 سنة، نفسها بلا دخل بعد وفاة زوجها، وهي تعول طفلا من ذوي الإعاقة، واستطاعت الحصول على معاش من برنامج "تكافل وكرامة"، وشاركت في ورشة تدريبية لصناعة الحلى اليدوية، وحصلت على تمويل من بنك ناصر الاجتماعي لشراء الخامات، وبدأت في تصميم إكسسوارات مستوحاة من التراث وبيعها في البازارات السياحية في الأقصر، وتمكنت من فتح ورشة صغيرة تدرب فيها نساء على الحرفة.
دعم الدولة للمعيلات
يقول سمير الدالي، الخبير الاقتصادي: يمكن للمرأة المعيلة أن تلعب دورا محوريا في الاقتصاد المصري، لكن دعمها يحتاج إلى تعزيز سياسات الشمول المالي، وتوسيع نطاق البرامج التدريبية، ومكافحة العوائق الثقافية، وتعد المبادرات الحكومية الحالية خطوة إيجابية، لكن تحقيق تأثير مستدام يتطلب تكامل الجهود الحكومية والخاصة والمجتمعية، كما أن الدعم المالي والتأهيل يمكن أن يحدث فرقًا في حياة الأسر المصرية، خاصة عندما يتم دمجهما مع الإرادة القوية والابتكار.
ويتابع: نجحت مبادرات التمكين الاقتصادي وبرامج الدعم الحكومي في توفير الدعم للكثير من السيدات المعيلات في محافظات مصر المختلفة، خاصة عبر برنامج تكافل وكرامة الذي يوفر للأمهات المعيلات حدا أدنى من الدخل الشهري ساعدهن على توفير أساسيات الحياة، فضلا عن الجهود التى تبذلها وزارة التضامن الاجتماعي والتى تعاونت مع منظمات مثل "الأمم المتحدة للمرأة"، و"جمعية تنمية المجتمع" لتقديم دورات في إدارة المشاريع والحرف اليدوية، وتدريب النساء المعيلات على المشروعات الصغيرة، مثل: مبادرة "نورة"، بشراكة المجلس القومي للمرأة وهيئة الأمم المتحدة لتنمية المهارات الريادية، وبرامج التدريب المهني عبر مراكز وزارة التضامن الاجتماعي، بالإضافة إلى تقديم القروض الميسرة عبر مبادرات مثل: "مشروعك" و"مستورة"، بالتعاون مع وزارة التجارة التي تقدم قروضاً بفائدة صفرية أو منخفضة للنساء.
تنشيط الاقتصاد غير الرسمي
يرى د. سيد علوي، أستاذ علم الاجتماع أن مساهمة المعيلات في الاقتصاد يظهر عبر المشاريع الصغيرة، كالحرف اليدوية، والزراعة المنزلية، والتجارة البسيطة، والتى تساهم في تنشيط الاقتصاد غير الرسمي الذي يُشكل نسبة كبيرة من اقتصاديات الدول النامية، ووفقًا لدراسات مثل تقارير البنك الدولي؛ عندما تتحكم المرأة في الدخل تزيد احتمالية إنفاقه على تعليم الأطفال وصحتهم ما يحسن مؤشرات التنمية البشرية على المدى الطويل.
ويلفت علوي إلى أنه رغم مساهمتهن الاقتصادية، تتحمل النساء المعيلات عبئًا مضاعفًا، حيث تعمل خارج المنزل مع الاستمرار في رعاية الأبناء، وهو ما يصفه علم الاجتماع بـ "الوردية الثالثة"، بالإضافة إلى أن الظروف الاقتصادية قد تجبر بعض النساء على قبول وظائف غير مستقرة أو ذات أجور متدنية دون ضمانات اجتماعية، بينما تواجه النساء من الطبقات الفقيرة أو قليلة التعليم عوائق أكبر في الوصول إلى التمويل أو الأسواق، مقارنةً بمن يحظين برأس مال ثقافي أو اجتماعي.
وأشار أستاذ علم الاجتماع أنه في هذه الحالة، تبرز مساهمة مؤسسات مثل المجلس القومي للمرأة في دعم النساء المعيلات وخاصة من الطبقات الفقيرة من خلال مبادرات متكاملة تهدف إلى تمكينهن اقتصاديًّا واجتماعيًّا وقانونيًّا، وذلك بالتعاون مع الحكومة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، بالإضافة إلى تنظيم دورات تدريبية في مجالات مثل إدارة المشروعات، التسويق الإلكتروني، الحرف التقليدية.
وأوضح علوي أهمية الدعم القانوني والنفسي للنساء المعيلات، وهو ما يوفره المجلس أيضا عبر استشارات مجانية للنساء المعيلات في قضايا الميراث والنفقة وحضانة الأطفال، كما ينظم حملات في القرى والمناطق النائية لتوعية النساء بحقوقهن في البرامج الحكومية مثل "تكافل وكرامة".
ساحة النقاش