ابتسام أشرف
تتسلل الغيرة بين الأزواج أحيانًا في لحظات غير متوقعة؛ قد تبدأ بابتسامة إعجاب بنجاح مهني، أو حديث عابر عن إنجازات العمل للأصدقاء، لكن سرعان ما تتحول إلى شعور بالتهديد أو المقارنة الاجتماعية، فينعكس ذلك على استقرار العلاقة، لماذا نشعر بالغيرة من شريك الحياة؟ وهل هي غيرة حب أم منافسة خفية؟ مجلة حواء استطلعت آراء مجموعة من الرجال والنساء، ثم ناقشت الظاهرة مع خبراء العلاقات الأسرية.
في تجربة مليئة بالتحديات، تقول منى عبدالله، مهندسة معمارية (34 عامًا) إنها شعرت أن زوجها يتأثر عندما تحصل على ترقية أو تشارك في مشروعات كبيرة، ورغم أنه لم يصرح برفضه، إلا أن تعليقاته الباردة مثل «الشغل مش كل حاجة» أوحت لها بشيء من الغيرة من النجاح، تؤكد منى أنها احتاجت جلسات حوار طويلة لإقناعه بأن إنجاز كل طرف يعزز قوة الأسرة كلها.
أما أحمد شوقي، مدير مبيعات (39 عامًا) فيعترف بأنه شعر بغيرة حادة عندما تلقت زوجته منحة دراسية وسافرت لثلاثة أشهر، كان سعيدًا لها لكن داخله خوف من أن يبدو أقل شأنًا، بعد وقت من التفكير اكتشف أن نجاح الزوجة نجاح للعائلة كلها، فأصبح يشجعها ويفتخر بها أمام الجميع.
وتحكي ياسمين سامي، مصممة أزياء (28 عامًا) عن ضغط المقارنات مع أصدقاء العائلة، إذ كان زوجها يقارن دخلها بدخل أصدقائه، ما ولد توترًا حتى في لحظات الفرح، وبعد مناقشات اتفقا على الاحتفال بما لديهما بدلًا من مطاردة نجاحات الآخرين.
بينما يصف محمد فؤاد، محاسب قانوني (42 عامًا) شعوره بالتوتر عندما تتلقى زوجته مديحًا من رؤسائها، لم تكن غيرته من نجاحها بقدر ما كانت من الوقت الذي يأخذه عملها من حياتهما الخاصة، تعلم أن يعبر عن احتياجه لوقتها بدلًا من الانتقاص من إنجازاتها، فخفت حدة الغيرة العاطفية.
وتوضح نجلاء حسن، طبيبة أطفال (36 عامًا) أن أصول الغيرة قد تأتي من ضغط المجتمع، فوالدتها كانت تلمح دائمًا: «زوجك ما ترقاش لسه؟» وهو ما جعلها تقارن زوجها بغيره أحيانًا وتنقل ذلك التوتر إلى البيت، مع الوقت أدركت أن المقارنة السلبية سم يفسد العلاقة، فتوقفت عن ترديد ما تسمعه.
ويشارك كريم عبدالمقصود، مبرمج حاسوب (31 عامًا) تجربته حين بدأت زوجته مشروعًا تجاريًا ناجحًا بعد عامين من الزواج، رغم فخره بها، شعر في البداية بتراجع دوره كعائل، لكن النقاش الهادئ ووضع خطة مالية مشتركة عززا شعوره بأن نجاحها قوة مشتركة، فاختفت غيرته.
أما سارة محمود، معلمة لغة عربية (40 عامًا) فتروي أنها كانت تشعر بغيرة غير مبررة من هوايات زوجها ونجاحاته الصغيرة، حتى لو كانت مجرد ميدالية رياضية، ومع تطوير مهاراتها تراجع هذا الإحساس وحل محله الفخر والدعم المتبادل.
ترى بسمة سليم، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية أن الغيرة شعور فطري، لكن شدتها ترتبط بثلاثة عوامل رئيسية تؤكدها أبحاث علم النفس: تقدير الذات، ونمط التعلق العاطفي، والخبرات السابقة، وتوضح أن الأفراد ذوي التعلق القلق أكثر عرضة للشعور بالتهديد من إنجازات الشريك مقارنة بمن يتمتعون بتعلق آمن.
وتوصي بسمة باستخدام العلاج السلوكي المعرفي للأزواج حيث يتعلم كل طرف إعادة صياغة أفكاره السلبية والتعامل مع مخاوفه، مشددة على أن الحوار الأسبوعي يخفف القلق اللاواعي من فقدان المكانة أو الدور، وتختم نصائحها بالتأكيد على أهمية وضع أهداف مشتركة مثل مشروع مالي أو خطة تنمية شخصية، لأن وجود هدف جماعي يحول الطاقة من المنافسة إلى التعاون.
وتابعت استشاري الصحة النفسية أن جذور الغيرة الزوجية في ثلاثة محاور أساسية: انعدام الثقة بالنفس، وهي ما يجعل نجاح الطرف الآخر تهديدًا لقيمته الشخصية؛ وثقافة المقارنة المجتمعية التي تضع الأزواج في سباق غير منتهي؛ والخوف من فقدان الدور، حيث يشعر أحد الزوجين أن نجاح الآخر يقلل من أهميته داخل الأسرة.
وتضيف حنان رشدي جندي، استشاري علاقات أسرية أن المجتمع له دور خفي في إذكاء الغيرة، فثقافة «سباق المكانة» تدفع الأزواج إلى قياس نجاحاتهم بمسطرة الآخرين، وترى أن الحل يبدأ من الداخل عبر تحقيق الاستقلال العاطفي، وهو ما يجعل هوية الفرد غير مرتبطة بالإنجازات المادية فقط.
وتشير إلى أبحاث توضح أن الأزواج الذين يمارسون أنشطة مشتركة مثل الرياضة أو الهوايات الإبداعية يحافظون على توازن نفسي يقلل من الغيرة ويعزز الترابط، وتوصي بوضع حدود واضحة أمام تدخلات الأهل والأصدقاء والاحتفاء بكل إنجاز مهما كان بسيطًا، لتعزيز ما يسميه علم النفس الإيجابي «التقدير المتبادل» الذي يشكل حجر الأساس لاستقرار أي علاقة طويلة المدى.
كما تؤكد كل هذه الشهادات العلمية والقصص الواقعية أن الغيرة الزوجية قد تبدأ كشرارة صغيرة لكنها قادرة على التهام العلاقة إن لم يواجهها الطرفان بوعي، التواصل الصريح، وتقدير قيمة الذات، ودعم الطموحات المشتركة هي الأسس التي تحول هذا الشعور الطبيعي إلى قوة تدعم الحب بدلًا من أن تفرق القلوب.
ساحة النقاش