حسناً فعل النائب العام عندما أحال خمسة من عائلة واحدة للمحاكمة الجنائية العاجلة، مع ثرى خليجى لمحكمة الجنايات، فى واقعة زواج قاصر بتهم الاستغلال الجنسى لطفلة عمرها 14 سنة مقابل مبالغ مالية، ولعل هذا الاجراء يكون رادعاً لكل من تسول له نفسه تزويج قاصر، متحديا قانون الطفل الذى صدر منذ سنتين ويجرم هذا الفعل، خاصة وان ظاهرة زواج القاصرات فى ازدياد، وهو ما كشفت عنه دراسة حديثة صادرة عن وزارة الأسرة والسكان أجريت على 3 مراكز بمحافظة 6 أكتوبر حيث بلغت نسبة زواج القاصرات 74%، بينما بلغت نسبة الزواج العرفى بالمحافظة 9%، أما السبب الرئيسى لازدياد نسبة الزواج العرفى ، فهو الهروب من السن القانونية للزواج إلى جانب التهرب من التكاليف العالية للزواج .

زواج القاصرات ظاهرة ليست مصرية فقط، بل تعتبر ظاهرة عادية جدا فى المناطق شبه الصحراوية ، وفى كل من افريقيا وجنوب أسيا ، حيث لا يعتبر الزواج قبل سن البلوغ أمرا شاذا خاصة فى غرب وشرق افريقيا وجنوب اسيا ، ولا يكون للفتاة حق القبول أو الرفض فى هذا الزواج ، بينما يكون لولى الأمر الحق فى تزويجها، وغالبا ما يكون زواج القاصر رغماً عنها .

يرجع الخبراء تزايد هذه الظاهرة يوماً بعد يوم بسبب الحالة الاقتصادية المتردية فى تلك المناطق ، وعدم وجود قوانين لتقنين مثل تلك الزيجات ، أو وجود قوانين غير رادعة، مما يدفع الآباء لتزويج بناتهن فى سن صغيرة، بالتلاعب والالتفاف على تلك القوانين ، بالتزوير فى السن المحددة لزواج الفتاة، أو إنكار شهادة الميلاد الرسمية، أو الادعاء بعدم وجودها ، واللجوء إلى مايسمى بشهادة التسنين من مكاتب الصحة، ويتم التزوير فيها باثبات عمر اكبر من الحقيقة للفتاة بالاتفاق مع الطبيب المختص لتزويجها من كهل يكبرها بثلاثين أو أربعين عاما، مما يعد صورة من صور الاتجار بالبشر .

وفى مصر تنتشر هذه الظاهرة فى الريف، والمناطق الشعبية الفقيرة، والتى تعانى من ارتفاع نسبة التسرب من التعليم بين الفتيات، مما يساهم بشكل كبير فى انتشار هذه الظاهرة، الى جانب أن البعض يعتبرها نوعا من أنواع العفاف والحصانة، وتخلص من مسئولية الشرف حسب وجهة نظر الآباء ، على الرغم من أن زواج الصغيرات يعد نقمة وليس نعمة، ويترك الكثير من الآثار النفسية السلبية فى نفوس هؤلاء القاصرات، فالطفلة الصغيرة لا تستطيع أن تفهم أو تدرك فى هذه السن الكثير من الواجبات والمتطلبات الزوجية وتكون غير مؤهلة نفسياً أو عاطفيا فتتحول العلاقة الزوجية عند بعضهن إلى تعذيب جسدى يفوق القدرة على التحمل مما يؤدى إلى عدم الوصول إلى الاشباع الفطرى لديها ، وفقدان الاحساس بالذات، وقد يتطور الأمر الى الاصابة بحالات من الاكتئاب المزمن، نتيجة تحمل مسئوليات الحمل والولادة ورعاية الأطفال، وهى لم تتجاوز مرحلة الطفولة، حيث تواجه مسئوليات تفوق خبرتها فى التعامل مع أمور وواجبات ومسئوليات كبيرة، هذا غير أن الحياة الزوجية للقاصر كما يؤكد علماء الاجتماع ، تتعرض للانهيار فى أى لحظة لانعدام التوازن والتكافؤ بين طرفيها، وحدوث فجوة نفسية قد تستمر طويلا، مما يعرض الحياة الزوجية للتفكك العاجل أو الآجل، أما عن الآثار الصحية فهى عديدة، أهمها ازدياد نسبة الإصابة بمرض هشاشة العظام فى سن مبكرة نتيجة نقص الكالسيوم ، بسبب تكرار مرات الحمل والولادة ، والأهم ارتفاع نسبة الوفيات بين القاصرات نتيجة المضاعفات المختلفة مع الحمل، وظهور التشوهات العظمية فى الحوض والعمود الفقرى ، بسبب الحمل المتكرر نتيجة الزواج فى سن مبكرة، وزيادة احتمالات عدد مرات الحمل والولادة .

المؤسف هنا أن القاصرات لا حول لها ولا قوة ، ولا تعلم شيئا عن المصرى الذى ينتظرها، ولا يكون لها الحق فى ابداء رأيها فى زوجها ، بينما يكون ولى الأمر مدركا لما يدفع إليه ابنته، ورغم هذا يعقد القران نيابة عنها ، وبالتالى يكون هو صاحب القرار الذى يعتقد أنه الصواب، مادام لديه من الحجج والبراهين التى تؤكد صحة قراره مهما كانت النتائج والآثار المترتبة على ذلك فيما بعد، والتى يكون ضحيتها دائما الفتاة الصغيرة .

لقد آن الأوان للتصدى وبحزم وبشدة لهذه الظاهرة الخطيرة، خاصة وأن زواج القاصرات بدا يشكل ظاهرة اجتماعية خطيرة ، وأحد الأسباب الرئيسية فى ارتفاع نسبة الطلاق مؤخرا فى مصر، وما يترتب عليه من آثار اجتماعية سلبية، وتزايد أعداد أطفال الشوارع، وغيرها من تلك الظواهر، وهو ما يؤثر على نسق وتكوين وبناء مجتمع صالح .

 

المصدر: تهانى الصوابى - مجلة حواء
  • Currently 160/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
53 تصويتات / 1832 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,661,246

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز