تلقى الضوء على الكثير من همومهن..

شهادات الروائيات العربيات تكشف أحوالهن الإنسانية والإبداعية

 

كتبت : محمد الحمامصي

 تتجلي في شهادات الكاتبة الروائية العربية العديد من ملامح رؤيتها للعالم والكتابة والتقنيات الأسلوبية والشكلية التي تتخذها في كتابتها، إلي جانب الإشكاليات المجتمعية التي تضغط كثيرا عليها وتحول دون حرية الكتابة لديها، لذا فهي تمثل كاشفا مهما لعالمها وأبعاد ما تطمح إليه، وتؤكد من جانب آخر اختلاف الرؤية من كاتبة إلي أخري، الأمر الذي يلقي الضوء علي تعددية المشهد الروائي العربي في جانبه النسائي، وفي ملتقي القاهرة الدولي الخامس للابداع الروائي العربي أضاءت الروائيات العربيات عبر جلسات أطلت علي تجاربهن ملامح المشهد العام الخاص بهن، وذلك العالم الذي شكلن أو يسعين لتشكيله من رؤي في كتابتهن

 

الروائية اللبنانية إيمان حميدان يونس رأت أن السرد فن أنثوى بالرجوع إلى شهر زاد التى اشترت حياتها بالسرد، وقالت «كتابة المرأة هى باستمرار نوع من الشوق إلى الحياة وموازاتها، مع أن شهر زاد بالنسبة إلىّ لم ترو لتعيش فحسب بل لتقوى نفسها، وتغير ميزان القوى بالسرد الذى يفضله أصبحت الأقوى وأمسكت بمفتاح اللعبة حيث ادخلت شهريار فى عالمها الخيالى».

وكشفت إيمان حميدان أن تتصاعد كتابة المرأة جاء بالترافق مع أمور، منها: أولا كتابة المرأة ترجمة لدخول الفئات المهمشة إلى الأدب، وثانيا يغدو الأدب مرآة للمدينة حيث العلاقات أكثر تعقيدا وتعددا وتنوعا، فى المدينة تصبح علاقات الجنسين أكثر إشكالية، حينها تغدو سلطة الرجل أبا وزوجا موضع سؤال وتصير جزءا من السلطة كلها، ثالثا انهيار الأحزاب القومية والايديولوجية الذى سمح بقول الواقع والحياة المباشرة بدل التجريدات الكليانية، ما أتاح للمرأة أن تقول صوتها هى كأمراة وفرديتها بدلا من أن تكون مجرد تجريد نظرى أو صوت للجماعات، ورابعا أدب المرأة يتصاعد مع دخولها فى الحياة العامة وذلك بفضل انتشار التعليم وانتشار السياسة بين جميع الفئات.

وأكد حميدان أن الأدب النسائى جسدى هو ليس أدب تجريدات، أعنى بالجسد اللغة نفسها، يدخل الجسد باللغة حتى حين لا يكون الموضوع نفسه جنسيا أو جسديا محتفظا بحسيته وماديته وحميميته، أيضا أدب المرأة أدب صدامى، فهو ينشأ من تمرد معلن أو مضمر على السلطة بتدرجاتها والثقافة السائدة، وأخيرا الأدب النسائى هو أدب اعتراف، المرأة تقول حقيقة جسدها، حقيقة شعورها، وتقدم عبر الكتابة وثيقة عن حياتها الجسدية والداخلية، فهى بذلك تعنى الواقع وتجعل له حقيقة ومعنى.

الرواية وثقافة الصورة

وقالت الكاتبة السودانية بثينة خضر مكى: إن المرأة العربية المبدعة تفتقد التجربة العلمية فى حياتها أكثر من الرجل فى كثير من المجالات بحكم تقاليد موروثة وظروف اجتماعية متعددة، مثل تأخرها فى مجالات التعليم والعمل والكسب المادى والاعتماد على الذات لذلك يظل التصور والتصوير الفنى عاملين مهمين فى المنتج الإبداعى النسوى، فالمبدعة تلتقط الخيوط الحريرية، الناعمة منها والخشنة، وهى تتلمس ذاكرتها وخيالها فى نسيج النص الإبداعى ويكون هذا أكثر تجليا فى الرواية لأن النصوص السردية تتجدد فى الذاكرة والخيال والوعى الجمعى الخاص بالمبدعة، حيث تجتاح ذاكرتها وموروثها القيمى نسيج الحبكة الروائية وتنثال عبر أساليب الكتابة، وكثيرا ما يكون استغلال المبدعة العربية للصورة السمعية أو المرئية أو المتخيلة جزءا قويا ومهما فى العمل الإبداعى.

بين الناشر والمتلقي

وألقت الروائية الفلسطينية سحر خليفة الضوء على أزمة الروائى مع الناشر والمتلقى وقالت «يزعم الناشرون العرب للروائيين أن رواياتهم لا تبيع، وأن القراءة باتت من العادات المنقرضة فى العالم العربى، لهذا يتوجب على الروائى أن يتكفل كليا أو جزئيا، بتكاليف نشر روايته وأن يوافق على إصدار الحد الأدنى من النسخ بحيث لا يزيد عددها على ألف للروائى العادى وثلاثة آلاف نسخة للروائى ذى الاسم المعروف أو اللامع».

وأضافت خليفة: في الغالب لا يصدق الروائيون ادعاءات الناشرين، ويزعمون فى المقابل أن عملية إصدار أو استنساخ الروايات هى عملية مشكوك فى أمرها لأنها محاطة بالغموض والتلاعب، إذ كيف يتمكن الروائى من معرفة العدو الفعلى للنسخ أو الطبعات التى يصدرها الناشر وليس هناك من رقيب؟ الروائيون وخصوصا المخضرمين منهم، لا يستطيعون دحض إدعاءات الناشرين، لأنهم يرون من الواقع ومن التجربة الحية أن عدد القراء فى تناقص، بل يكاد ينقرض، والدليل على ذلك أن وجود الروايات فى المكتبات بات نادرا، بل شبه معدوم، ومراجعة الروايات فى الصحف قليلة وهامشية وسطحية، وعدد النقاد الجادين فى كل قطر عربى لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وأحيانا غير موجودين.. لهذا، يغض الروائيون عن ادعاءات الناشرين ويقنعون بما يقدم لهم من عروض مجحفة، سواء تلك المتعلقة بالنشر بالعربية أو بلغة أجنبية، ويخرج الواحد منهم من التجربة المهنية بأن يعزى نفسه بالقول إنه كان محظوظا لأن الناشر لم يطالبه بدفع تكاليف النشر أو الاسهام بالتمويل.

حرية بديلة

وتأتى رؤية الروائية الأردنية سميحة خريس على ضوء من تجربتها، فتقول: فى مجتمع ذكورى محافظ عربى، ويدين بدين يطرح أصحابه مسألة الخيار فى هذا العصر كما لو كانت زندقة، غافلين عن نصوص واضحة فى فلسفة ذلك الدين نفسه تحرض على إعلاء شأن الحرية، فى عصر ملتاث بالمحن، يحاول فيه أبناء جلدتى الخروج من ربقة الاستعباد والتاريخ، ويقعون فى ذات الوقت فى ربقة الانصياع للايديولوجى، تكبل يدا وتطلق أخرى، فى زمن صعب، وقد انقضى نصف القرن العشرين وعقد بعد النصف، ولدت، ابنة لزمانى ومكانى، ومجتمعى وطبقتى وبيئتى، ولأفكار هذا الزمان، وبكائيات الهزائم، واجتراحات التمنى، وشعرية الخطاب، وأوهام التخلص من زرد الحديد فى المعصم، وربما لأنى محسوبة على جنس الإناث، كانت الحرية كلها تبدو لى على قياس محدود ضئيل، قد لا يتجاوز طول الفستان، وطيران الحجاب عن رأسى المسلم، كانت الحرية تقبع عند بوابة البيت التى تصل العالم الصغير دون ضوابط، وكنت مكبلة بجدائلى، وبساعات النهار، إذ ما إن يهبط المساء التزم بالشروط الاجتماعية تلك؟ فقد وهب لى الله عقلا محلقا يطير كل مساء متسللا من زيق فى النافذة إلى عالم واسع رحب خيالى أمارس فيه حريتى، ذلك العالم صار فى سنوات نضجى من شق النافذة إلى حبر القلم وصدر الورق، صار الكتابة، حريتى البديلة.

عـلي المقاس

وتطــرح الكاتبة نــــــوال السعداوى رؤية تنتقد فيها الكثير من الأمور التى تعوق الإبداع، وتقول: يتخلف النقد الأدبى فى بلادنا العربية عن ملاحقة العلم والأدب فى العالم، يهاجم نقادنا ما لا يعرفون مثل رجال الدين، يريدون أعمالا أدبية علي مقاس إدراكهم للكون، لا يرحبون بأفكار تهز ثوابتهم ومقدساتهم السياسية والدينية والعلمية، يرفضون رواية تزلزل ما نشأوا عليه، ورضعوه مع لبن الأم والأب، تفزعهم رواية تحدث صدمة كهربائية كيميائية فى عقولهم، فى تلافيف لحم المخ المستريح على التراث والمألوف، تحظى المبدعات والمبدعون المتمردون باحترام أكبر خارج بلادنا، ينالون الأذى أو الاهمال فى وطنهم وتشويه السمعة.

وتضيف السعداوى: نحن فى حاجة إلى تغيير جذرى فى التربية فى البيوت والتعليم فى المدارس والأحزاب والجمعيات والحكومة والمعارضة، يحتاج الأطفال إلى حرية الخيال والتفكير دون التخويف من الحرق فى النار أو الضرب بالمسطرة أو السقوط فى الامتحان، يحتاج وكل العقائد والأديان، لا يفرض على الأطفال دين واحد موروث، يتدرب الأطفال على تشغيل عقولهم وخيالهم دون سقف أو حدود، يربطون بين العالم والفن، بين الموسيقى والكيمياء والفلسفة بين الحرية والمسئولية، لا يخافون قمع السلطة فى البيت أو الدولة، لا ينشدون جوائز السلطة من أى نوع، يتعودون الصدق والصراحة والشجاعة الأدبية، يدركون أن الأخلاق الحميدة والقيم الانسانية هى أسلوب تربية وتعليم.. ليس لها علاقة بالقوميات أو العقائد السياسية أو الدينية أو غيرها.

 

 

المصدر: مجلة حواء- محمد الحمامصي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,756,007

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز