الوفاء والمحبة هبة من السماء!(1)

كتبت :سكينة السادات

قارئتى صاحبة حكاية اليوم تناهز الخامسة والخمسين من العمر، على وجهها مسحة حزن لا تفارقه، لكن عيونها تلمع وتنفرج أساريرها عندما تتحدث عن محمد ! من هو محمد بالنسبة لها، ولماذا الحزن البادى على وجهها ومظهرها ينبئ عن سعة رزق وأناقة ملبس وحول اصبع يدها اليسرى خاتم ماسى ومحبس ماسى .. يعنى أنها مبسوطة ماليا، بل وجدتها قبل أن تغادر مكتبى تخرج هاتفها المحمول وتحدث سائقها الخاص آمرة له أن يقف على باب دار الهلال مباشرة وكان قد (ركن) السيارة بعيدا عن المؤسسة !

السيدة صباح لابد وأنها كانت جميلة فى شبابها لأن وجهها صبوح وقوامها جميل بدون نحافة ولا سمنة وحديثها هادئ ومرتب .. وعندما سألتها عن سبب الزيارة قالت لى :

- عاوزاكى تقولى لكل الناس فى صفحتك المقروءة من كل الناس إنه من الممكن أن (تثمر العشرة) وأن تحصد الأم وفاء وإخلاصا من ابن لم تلده أكثر من أبنائها الذين حملتهم وهنا على وهن وتعبت فى تربيتهم ورعايتهم حتى أفنت حياتها من أجلهم ثم النتيجة يا سيدتى .. لاشئ !!

قالت أنها سوف تحكى حكايتها منذ زمان أوى أوى .. من بداية البداية حتى أعرف كيف يكون الوفاء والمحبة والإخلاص وكيف يكون الجحود والتجاهل والنكران !

 


 

قالت .. جئت من أسرة متوسطة الحال مثل كل جيلنا، وتعلمت حتى حصلت على الثانوية العامة الفرنسية ، ومنذ أن كنت طفلة صغيرة كنت «حبيبة» أى أحب الحب وأقرأ الروايات الغرامية وأبكى بكاء مرا عندما أرى فيلما يظلمون فيه ماجدة أو فاتن حمامة أو شادية وفى سن الخامسة عشر بدأت أنظر حولى وأقول لنفسى .. هذا الرجل يعجبنى وهذا لا يعجبنى ! وعلى رأس من أعجبونى كان أبن خالتى الضابط الوسيم الجميل ولكن لا أنسى .. خالتى هذه سيدة ثرية مقتدرة تعيش فى فيلا وخدم وحشم بينما نحن نعيش فى شقة (أى نعم) كبيرة ولكنها لا شئ إلى جوار فيلا خالتى !!

كنت أنظر إلى ابن خالتى على أنه فارس أحلامى ولم أفكر فى أنه يكبرنى بعشرين عاما وأنه لابد أن يتزوج ممن تتناسب مع سنه وكانت الفاجعة والكارثة عندما تلقينا دعوة لحضور حفل زفافه على ربة الصون والعفاف إبنة رجل ثرى صديق الأسرة ! وكان أول مأتم يصادفه قلبى الخفى وكنت إذ ذاك فى حوالى الرابعة عشرة من عمرى وربما تذكرين الأفلام القديمة عندما كانت تنظر البنت التى تحب إلى الكوشة وتتخيل نفسها إلى جوار محبوبها بدلا من العروس التى اختارها ، ولم أصمد وتركت الفرح وعدت أبكى فى فراشى .

ومرت الأيام وإذا بفاجعة تحدث فى الأسرة ! لقد ماتت العروس الجميلة فى حادث سيارة وتركت لفارس أحلامى إبناً لايزال فى عامه الأول !

وعندما كنت أقوم بواجب العزاء لخالتى رأيت الولد ودق قلبى دقات سريعة وشعرت بأننى لا أريد أن أتركه وفعلا ظل فى حضنى حتى أرضعته من (البيبرونة) ثم غيرت له ملابسه ثم نام وظل معى حتى وهو نائم وقالت خالتى وهى تبكى ..

- سبحان الله .. الولد كان رافض الرضاعة وعلى طول معانا بيصرخ ويعيط .. شوفى معاكى رضع وغير ونام فى أمان الله !

وقررت فى نفسى ألا أترك «محمد» مهما كان الأمر فقد شعرت بوحشة وألم عندما تركته فى بيت جدته وعدت إلي بيتنا ولم أنم ليلتها وفى الصباح كنت فى بيت خالتى أحتضن محمد وأرضعه !

ورأى ابن خالتى ابنه فى حضنى وكنت فى السادسة عشرة من عمرى لكن فيضان الأمومة الذى سرى فى دمى جعلنى أبدو فتاة ناضجة فى العشرين!

ومرت أيام العزاء وأنا لا أنقطع عن زيارة محمد بل طلبت من خالتى أن أخذه معى إلى بيتنا لكنها رفضت ورفض والده.

وبعد مرور عدة شهور لم أنقطع فيها عن رعاية محمد ولا يوم واحد أحسست بهمهمة ووشوشة فى البيت وهمسات وكلمات من وراء ظهرى وعلمت أن خالتى قد أقترحت زواج ابنها منى مادمت تعلقت بالولد إلى ذلك الحد !

كدت أطير فرحا فابن خالتى هو فارس أحلامى طول عمرى ولم أكن حتى أحلم مجرد الحلم بالزواج منه، فما بالك بأننى سوف أتزوجه وأرعى محمد الذى أصبح كل حياتى ؟ وقالوا وقالوا أن البنت لاتزال صغيرة وأن ابن خالتها يكبرها بعشرين عاما وقلت أنا .. سوف أتزوجه وأرعى محمد وإلا قتلت نفسى !!

ماذا حدث بعد ذلك ؟ هل تزوجت صباح من حبيب القلب؟ وهل احتضنت ابنه كما كانت تريد ؟ وهل كانت عشرته معها كما صورت لها أحلامها الغرامية الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية ؟ 

المصدر: مجلة حواء- سكينة السادات

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,685,744

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز