أمينة السعيد .. الغائبة الحاضرة

كتبت:تهاني الصوابي

ظلت رغم الهجوم عليها ، والتهديد بقتلها كعقاب لها على أفكارها ومواقفها النقدية من قضايا المرأة العربية واقفة شامخة تمسك بقلمها ، تكتب وتكتب حتى آخر يوم فى حياتها ، ولم تتوان يوماً عن المناداة بتحرير المرأة ومنحها الحقوق السياسية ، كما كانت صاحبة أجرأ حملات صحفية بلا هوادة ضد الغزو القادم على المرأة المصرية ، بفرض الحجاب على عقلها قبل رأسها ، من أجل العودة بها إلى غياهب الجهل والظلمات .

واليوم تمر ذكرى أمينة السعيد فى هدوء شديد دون أن يتذكرها أحد ، وهى التى خاضت أشرس معركة ضد طيور الظلام الذين أخذوا يحلقون فى الأفق بداية من السبعينيات من القرن الماضى، ولو كانت تعيش بيننا اليوم لما كانت سمحت لتلك الخفافيش أن تنال من المرأة المصرية والعربية ، وأن تسلبها حقوقها وكرامتها وحقها فى الحياة ، بدعوى عادات وتقاليد بالية عفا عليها الزمان مثل حق البيت فى عودة المرأة إليه ، وحجبها تحت ستائر كثيفة من الأقمشة السوداء الجرجارة التى لاتخرج عن كونها حجابا للعقل قبل أن يكون حجاباً للجسم .

كان يوم 20 من مايو 1910 هو اليوم الذى أعلن فيه عن ميلاد أمينة السعيد من رحم مجتمع ذكورى يحط من شأن المرأة ، ويسلبها حقوقها ولم يكن يدرى ذلك المجتمع أن هذه الفتاة سوف تلعب دوراً كبيراً مهماً فى تغيير تلك النظرة المجتمعية الضيقة ضد المرأة ، ساعدها فى ذلك والدها الطبيب المشهور الذى كان يسير عكس الاتجاه ويسبح ضد التيار ، فغرس فى ابنته حب التعليم والتفكير بحرية والانطلاق نحو المستقبل برؤية واضحة ومحددة .

ظلت أمينة السعيد على قناعتها منذ اليوم الأول لدخولها الجامعة عام 1931 بأن المرأة يجب أن تحتل مكانتها على ساحة المجتمع بما يتلاءم مع قدرتها ومكانتها ، وهى قناعة لم تتنازل عنها حتى آخر يوم فى حياتها ، عندما وافتها المنية فى 14 أغسطس 1995 ، ولم تتوان يوماً عن المنادا بحق المرأة فى الحياة ، غير عابئة بوابل التهديد والوعيد من أصحاب العقول المتحجرة ، واستطاعت من خلال رئاستها لمجلة حواء منذ إصدارها ولأول مرة فى يناير عام 1954 ، وحتى انتهاء فترة رئاستها عام 1981 ، أن تجلى الكثير من الأفكار البالية عن العقول المغيبة ، والتى كانت تنادى بعدم أحقية المرأة فى الحقوق الاجتماعية والسياسية ، حتى استطاعت أن تنال الكثير والكثير من الحقوق للمرأة المصرية والعربية ، وكانت أحد الذين ساهموا فى تغيير قوانين الأحوال الشخصية ، ومنح المرأة حقوقها السياسية مثل حق الترشيح والانتخاب ، وتولى المناصب القيادية ، وغيرها وغيرها ، وكعادة أمينة السعيد الكاتبة الصحفية الجريئة التقدمية لم تمتثل لهدير التهديد والوعيد ، فلم تحيد عن قناعتها بلا مهانة أو هوادة ، ولم تتوقف يوماً واحداً عن مناصرة المرأة فى النيل من حقوقها ، حتى آخر يوم فى حياتها .

لقد تسببت أمينة السعيد على مدى تاريخها الصحفى المشرف والطويل فى القلق للكثير من التيارات الرجعية وهزمتهم فى معركتها معهم بالحجة القوية والمنطق والكلمة الرصينة ، ولم يرتعش القلم يوماً فى يدها دفاعاً عن نصرة المرأة المصرية والعربية، ولو كانت بيننا اليوم وتعيش أيامنا هذه حيث الأفكار المتلاطمة والمتضاربة لاستطاعت أن تغير الكثير والكثير إلى الأفضل بفضل صوتها الأعلى فى الحق من صوت خفافيش الظلام، ومن خلال منبرها الذى أحبته ، وعلت من شأنه وعلا من قدرها ، ليس فقط فى مصر، بل والعالم العربى بأكمله ، وهو مجلة «حواء» .

رحم الله أمينة السعيد الغائبة الحاضرة دوماً بأفكارها وآرائها التقدمية البناءة

 

المصدر: مجلة حواء -تهاني الصوابي
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 449 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,460,109

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز