من «سمارة» إلى «كيد النسا»..
يا قلبى لا تحزن
كتبت :تهاني الصوابي
خليهم يتسلوا، شعار رفعته شركات الإنتاج للدراما التليفزيونية قبل ثورة 25 يناير بتقديم مسلسلات تافهة سطحية، تثير الغرائز، ولا تقدم ما يخدم المشاهد سوى مضيعة الوقت، واستنزاف الغرائز، بما تحويه من حوار مسف مشمول يإيحاءات جنسية، وحركات مبتذلة وعرى، ولا مانع من وصلات سيجال من «الردح» والشتائم بين البطلات، يعجز اللسان عن ترديدها مرة أخرى، أو تصديق أنها تصدر من ممثلات تعرض أعمالهن على ملايين المشاهدين الذين مهما اختلفت درجة ثقافتهن أو تعليمهن يرفضن مثل هذه النوعية من الأعمال، ومشاهدتها وسط أولادهن حيث لا تجتمع الأسرة المصرية حول مائدة الطعام، ومائدة الدراما التليفزيونية إلا مرة واحدة فى العام، ألا وهو شهر رمضان الكريم.
المؤسف هنا أن كاتبا كبيرا مثل مصطفى محرم وابنه الدكتور حسين يقدمان لنا عملين من أسوأ هذه الأعمال التى قدمتها الدراما خلال السنوات الأخيرة ألا وهما «سمارة» و«كيد النسا»، فالقصة مستهلكة والسيناريو مهلهل والحوار مسف مستمد من أدنى طبقات المجتمع، حوار بنكهة وصلات من «الردح» عفوا على اللفظ، وقد تبارا الأب والابن فى استخدام الألفاظ السوقية، وكأنها مؤامرة من عائلة محرم على المشاهد، لمحاصرته فى دائرة كل ما هو تافه وسطحى، ومغلف بالايحاءات غير المقبولة قولا وفعلا .. جسده المخرجون بطريقة مسفة، حيث تبارت الممثلات الأربع فيفى وسمية ولوسى وغادة، فى فتح الفم بطريقة غير لائقة ورفع الحاجب وتسبيل العينين، وتمايل الجسد يمينا ويسارا عند الحديث وفى المرواح والمجئ، ناهيك عن الحوار الذى لا يخلو من شتائم من عينه "الوليه الحلنبوحه» والتى بحثت عنها فى المعجم اللغوى، فلم أجد أصلا لها والتى أخذتها فيفى عبده لزمة من لزمات الحوار فى «كيد النسا»، إلى جانب مناداة العاملين بجملة واحدة لا تتغير، «انت يا مخفى الصوت والاسم والصورة»، وغيرها من الألفاظ غير اللائقة حيث تبارى الابن الدكتور حسين مع أبيه الذى علمه نفس النهج واتبعه فى مسلسل «سمارة» على لسان لوسى التى تقوم بدور أم غادة عبدالرازق، ولا أدرى كيف ومتى .. بالبلدى «ازاى»؟ وغادة ولوسى يتقاربان فى السن الا اذا كانت لوسى أنجبتها وهى طفلة باعتبارها قبل أن تكون أما لغادة فى المسلسل قد كانت فتاة «لعوب» شقية، وهو ما يظهره السيناريو والحوار حيث تغازل حبيبها القديم خريج السجون أمام زوجها الذى لا حول ولا قوة له، وهى اللقطة التى اختارها المخرج محمد النقلى باعتبارها أحد اللقطات الابداعية ليعرضها علينا فى تترات المسلسل.
الحقيقة أن المسلسلين يبثان علينا قيما لا تقدم نفعا ولا جديدا بالاضافة إلى أنها متهالكة مستهلكة بالية قديمة، وكنت أربأ بالكاتب الكبير مصطفى محرم وابنه الدكتور حسين أن يبتعدا عن مثل هذه الأعمال خاصة بعد ثورة 25 يناير واحترام عقلية المشاهد وذوقه الذى تغير بفعل الأحداث الجارية وأتمنى أن يكتفى الكاتب الكبير مصطفى محرم بتلك الثلاثية العجيبة الا وهى الباطنية وزهرة وأخيرا سمارة والا يكون هناك رباعية بحجة أن هناك مشاهدا يريد تلك النوعية، وهناك منتجا يدفع ثمن تلك البضاعة الرديئة، وهناك وهو الأهم فنانين يحصلون على الملايين مقابل ذلك السخف والاستهتار بعقلية المشاهد ورغباته،
أعتقد أنه قد ولى زمن تقديم تلك التيمة القديمة التى مللنا مشاهدتها منذ أفلام نادية الجندى حيث البنت الفقيرة الغلبانة المنكسرة التى يعطيها الزمن من حيث لا تعلم، ويجود عليها بالمال ليس بالعمل والجهد والمثابرة، ولكن بسبب امتلاكها مواهب جسمانية تثير غرائز أصحاب النفوذ والمال، فيخرون راكعين أمام جمالها وأنوثتها ويهبون لها ثروتهم الضخمة هدية وعطية كما هو فى سمارة وكيد النساء، لتتحول الفتاة المنكسرة إلى معلمة قد الدنيا تأمر وتنهى ويركع الرجال قبل النساء تحت قدميها بعد أن تمتلك النفوذ والقوة لتنتقم ممن أهانوها أيام الفقر والحاجة.
كنت أربأ بالدكتور حسين ابن الكاتب الكبير مصطفى محرم ألا يسير على نهج والده فى مثل هذه النوعية لكنه اختار طريقه وبوعى وإصرار على امتهان عقول المشاهدين.
كلمة أخيرة رحم الله الفنان القدير محمود إسماعيل صاحب العمل الرائع «سمارة» الذى كان يذاع فى بداية الستينات من القرن الماضى على موجة البرنامج العام، وكانت تتوقف حركة المرور فى مصر بمجرد سماع صوت الفنانة القديرة سميحة أيوب، وهى تقول فى دلال لا إسفاف «سمارة»، ورحم الله الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا التى أمتعتنا بتقديم نفس الشخصية فى فيلم يعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية.
ندعو الله أن يرحمنا العام القادم من عائلة «محرم» حتى لا تطل علينا مرة رابعة بمثل تلك النوعية بحجة أن الجمهور عايز كده أو خلي الناس تتسلى.
ساحة النقاش