كيف نظمت الشريعة الإسلامية تكوين الأحزاب وتعددها ؟

كتبت :أمل مبروك

عندما يختار الشعب حاكمه بالانتخاب يكون من حقه أن يحاسبه وينقده بكل الوسائل مثل: الحديث الحر، الندوات، المحاضرات، الخطب، الكتب، الصحف، المجلات، الإذاعة، والتليفزيون ، وغير ذلك من الوسائل.. التى يدخل فيها أيضا الأحزاب السياسية

بعد ثورة 25 يناير ظهرت أعداد كثيرة من الأحزاب السياسية ذات المرجعيات المختلفة وبعضها له مرجعية إسلامية، فهل يوجد فى الشريعة مايحث على تكوين الأحزاب وتنظيمها وطبيعة عملها؟ وهل تعدد الأحزاب يدل على تعدد الفرق التى حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

سلوى ياسين - طبيبة أطفال

- يشير فضيلة د. على جمعة - مفتى الجمهورية - إلى أنه لم تكتف الشريعة بتهديد ووعيد الحاكم إذا مال أو انحرف عن الصواب، بل جعلت الشعب هو المراقب على قيام الحاكم بمسئولياته، فألزمته بالإنكار عليه، وجعلت له أربع طرق، ثلاثة منها لها حق الإنكار عليه، والرابعة لها صلاحية عزله، وللأمة أن تسلك أى واحدة منها شاءت، وفق الضوابط الشرعية: الأولى: هى البرلمان الذى له حق المحاسبة فى كل ما يقع من الحاكم من أفعال وتصرفات، الثانية: هى التكتلات والأحزاب السياسية التى يقوم عملها على الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وبخاصة مجال محاسبة الحكام، الثالثة: هم أفراد الشعب بصفة عامة، وذلك بموجب ما فرضه الله على كل فرد منهم من قول الحق، والمحاسبة، وتوجيه النقد.. الرابعة: هى المحكمة أو ساحة القضاء التى لها صلاحية إصدار الحكم بعزل الحاكم إذا أخل بالشرع أو القانون فيكون قد أحلّ الناس من بيعته، ووجب خلعه، ويُخلع بحكم صادر عن محكمة المظالم، فيصبح بمجرد صدور الحكم مخلوعاً فاقداً للصلاحية.

وكما توعد الله الحاكم إذا قصّر فى إحدى مسئولياته، كذلك توعد من يقصر فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من أى فرد يرى فسادا ويسكت عنه ، فجاء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقاب منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم، وجعل من يُقتل فى سبيل الإنكار على الحاكم من سادة الشهداء، فقد قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى حاكم جائر فنصحه فقتله، من ذلك يتبين أنه إذا كان المنكر قد حصل من الحاكم كأن ظلم، أو أكل أموال الناس، أو منع الحقوق، أو أهمل فى شأن من شئون الرعية، أو قصر فى واجب من واجباتها، أو خالف أحكام الإسلام، أو حكم بغير ما أنزل الله، ففرض على المسلمين جميعاً محاسبته، أفراداً وجماعات وكتلاً وأمة، ويأثمون بترك محاسبته لعموم الأدلة الواردة فى ذلك، كما أسلفنا ذكره.

أمير الجماعة

يستطرد فضيلة المفتى: أما الأحزاب والتنظيمات السياسية فقد جعلت العقيدة الإسلامية قيام الأحزاب فرض كفاية على الدولة. ودليل ذلك قوله تعالى فى سورة المائدة: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان»، وقوله تعالى فى سورة آل عمران: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون». وهذه الآية الثانية خاصة تدل على إقامة الأحزاب السياسية من ثلاثة وجوه: الأول: إن الله تعالى فرض على جميع المسلمين إقامة جماعة، لأن لفظ أمة يعني مجموعة من الناس بينها رابطة ما، أو زمان واحد، أو مكان واحد، أو أصل وعنصر واحد، كما تطلق على المدة الزمنية المتصلة بحيث لا يتخللها إنقطاع كما هو في قوله تعالى: «وقال الذي نجا منهما وادَّكر بعد أمة....»، أي بعد مدة زمنية متصلة لم يتخللها انقطاع. وكما هو ظاهر من إمعان النظر في قوله تعالى: «وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون»، فالدعوة الى الخير، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وبخاصة محاسبة الحكام يتعذر مباشرته من المسلمين بمجموعهم كافة، لذلك وجب أن تنتدب له مجموعة خاصة!

الوجه الثاني: هو وجود أمير لهذه الجماعة لأن هذا هو الذي يبقيها جماعة وهي تعمل، لأن الشرع أمر كل جماعة بلغت ثلاثة فصاعداً باقامة أمير لها.. قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم.

أما كون هذه الجماعة الوارد إقامتها في الآية حزباً سياسياً، وليست مجرد أي تكتل، أو حتى تكتل لا يعمل في السياسة فلأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما هو وارد في حق جميع المسلمين، فإنه يرد أكثر ما يرد في حق الحاكم، وهو أهم أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإطلاق، وهذه الجماعة بهذا الوصف لا يمكن بحال أن تكون إلا حزباً سياسياً.

الوجه الثالث: إن أول ما يتبادر من نص الآية، أن لفظ أمة يعني حزباً واحداً، وهذا يعني عدم تعدد الأحزاب. وهذا غير صحيح لأن الآية لم تقل أمة واحدة. وإنما قالت: أمة بصيغة التنكير من غير أي وصف، وهذا يعني أنه يجوز أن يوجد في الأمة حزب واحد، ويجوز أن يوجد عدة أحزاب. فالحزب الواحد إذا قام بالعمل المطلوب في الآية يسقط الاثم عن المسلمين، لأنه حصل فرض الكفاية، لكنه لا يجوز شرعاً منع آخرين من إقامة أحزاب أخرى، لأنه منع من القيام بفرض، والمنع من القيام بالفرض حرام.

ولكن عدم الوعى السياسى عند بعض المسلمين جعلهم لا يألفون الأحزاب، وكذلك عدم الوعى الفكرى أوجد عندهم الخلط، وعدم التفريق، بين تعدد الأحزاب، وتعدد الفرق، فظنوا أن تعدد الأحزاب واختلافها فى الآراء وطرق السير، هو اختلاف ترفضه العقيدة الإسلامية، مع أنه لا مانع من تعدد الأحزاب، ولا غبار عليه، ولا ينطبق عليها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذى قال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأتيَّن على أمتى ما أتى على بنىّ إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية، لكان فى أمتى من يصنع ذلك، وإن بنى إسرائيل تفرقت على اثنين وسبعين ملّة، وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين ملّة، كلهم فى النار إلا ملّة واحدة، ما أنا عليه وأصحابى. وغيره من الأحاديث المشابهة له فى ألفاظه، وقد تكلم الناس فى هذه الأحاديث، لاسيما أن البخارى ومسلم لم يخرجا شيئا منها، وأن فى ألفاظها تناقضاً واضطراباً. ولكن على فرض صحة هذا الحديث، فهو إنما ينطبق على الفرق التى اختلفت فى العقيدة اليقينية، بدلالة استخدام لفظة ملة التى تعنى الدين، فكأنه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، يحذرمن الخروج من الإسلام إلى ملل وأديان وعقائد أخرى.

 

المصدر: مجلة حواء -أمل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 472 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,982,432

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز