سيدنا الرسول أستاذ البشرية

كتبت :ايمان حسن الحفناوي

عندما نحتفل بمولد سيدنا الحبيب المصطفى فنحن نحتفل بمولد أستاذ البشرية، وهذا الرأي ليس تحيزا أبدا، فالحبيب كان خلقه القرآن، وقد علمه ربه وأدبه، لذلك فمن اقتدى به كان يسير على تعاليم الله، والله هو خالقنا وبالتالي فهو الأعلم بنا..إذا اتجهنا للسنة المطهرة وجدنا بحرا من العلم ووجدنا أيضا أن الرسول الكريم سبق النهضة الغربية بكثير، بل إنه وضع أسسا تتفوق على ما يتشدقون به، المشكلة أن كثيرين لا يبحثون فلا يتعرفون على ما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنز يعيننا على حياة هي أجمل مما نرجوه بكثير.. وتعالوا معا لنر بحق كيف وضع الأسس وكيف سبق عصره وعصر من جاءوا بعده

نتجول معا في إعلان حقوق الإنسان الذي يتشدق الغرب بأنهم هم و اضعوه، ولنرى كيف أن رسولنا الكريم سبقهم بكثير بل وكان أشمل منهم، والأكثر أنه كان يطبق هذه المناهج في الوقت الذي لا يطبق إعلان حقوق الإنسان بنوده،حيث القوي يغلب الضعيف رغم وجود مبادئ حقوق الإنسان!.

ـ المادة الأولى من إعلان حقوق الإنسان تقول:"تعزيز وتشجيع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز بسبب العنصر أو اللغة أو الدين".. وقبل أكثر من ألف وأربعمائة عام ماذا قال صلى الله عليه وسلم؟ قال:"إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت؟ فليبلغ الشاهد الغائب"، بهذا يكون قد وضع أساس المساواة بل وجعلها إعلانا بأن قال "فليبلغ الشاهد الغائب".

- وفي الماد رقم « 7» من إعلان حقوق الإنسان "كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق بالتمتع بحماية متكافئة دون أي تفرقة"، هذه المادة تكفل حق التقاضى، وضعوها بشكل جيد ولكن هل يتم تنفيذها؟ التاريخ والأحداث أمامنا تؤكد أنهم ينحازون للقوى وهو ما يظهر جليا في المشكلة الفلسطينية وما تلاها من مشكلات سواء في العراق أو البوسنة والهرسك أو غيرها كثير.. تعالوا نر ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الجزئية.. ولن يفوتنا هنا حديث المرأة المخزومية، فالمرأة المخزومية التي كانت تسرق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أُقيم عليها الحد وقطعت يدها، وقد ورد ذلك صريحاً في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن امرأة من بني مخزوم سرقت، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاذت بأم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، وقال يعلمنا النزاهة: إنما أهلك من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.. والعدل في سنته لا يتبع المسلمين فقط بل إنه واجب حتى مع المشركين والأعداء تمثلا بقول الله عز وجل "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".

- وفي المادة «12» من حقوق الإنسان "لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو حملات على شرفه وسمعته" هذه المادة تكفل احترام الحرية الشخصية وهو ما لا يتم تطبيقه إلا ورأينا الصحافة لاسيما الغربية منها مولعة بفضائح المشاهير فتخرب البيوت وتضيع الحقوق.. ماذا كان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر؟ لقد سبق إعلان حقوق الإنسان وشدد على عدم تتبع أسرار الناس، وقال "الغيبة هي أن تقول في أخيك ما يكره، فإن كنت صادقا كانت غيبة وإن كنت كاذبا كانت بهتانا"، وقال أيضا"لا تغتابوا الناس ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورات أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف بيته".

- المادة « 19» من إعلان حقوق الإنسان تؤكد على حرية الاعتقاد"لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل"وطبعا لا يتم تنفيذ هذا البند فكثيرون راحوا ضحية معتقداتهم وآرائهم وانتماءاتهم الدينية.. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد طبق هذا المبدأ بكل صدق وشفافية..وهو القائل"من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا خصيمه يوم القيامة".. وعندما ذهب إليه وفد نجران وكان من النصرانيين التابعين للكنيسة الرومانية الكاثوليكية أنزلهم في مسجده، وسمح لهم بإقامة شعائرهم هناك، لقد دعاهم للإسلام فرفضوا، ودعاهم للمناظرة فرفضوا أيضا، فلم يجبرهم على شيء وانصرفوا معززين مكرمين بعد أن تعاهدوا معه...وما يؤكد أهمية حرية الرأي عنده موقفه مع سهيل بن عمرو الذي اشتهر بهجائه للرسول صلى الله عليه وسلم، فلما وقع سهيل في الأسر أراد سيدنا عمر الفاروق أن ينزع أسنانه حتى لا يمكنه أن يتكلم في حق الرسول، فما كان رد الرسول على ذلك؟ رفض وقال لعمر يعلمه:لا أمثل به فيمثل الله بي ولو كنت نبيا.. هل بعد هذه الواقعة تعليق؟ وكيف نرى الأمر لو قارناه الآن بالحكام وهو من؟ هو الرسول الأعظم...وعن احترامه لحرية المعتقد أيضا فقد أوصى الابن المسلم لأم كتابية أن يحملها ابنها على ظهره لتذهب إلى بيت العبادة الخاص بها إذا كانت صحتها تمنعها الذهاب.

المدرسة المحمدية

رسول الله، حبيب الله سبق كل الأعراف والمواثيق التي وضعها العالم الحديث يتشدقون بها ولا ينفذونها، هو وضع أساسيات الحقوق ونفذها وعلمنا كيف نستمر في تنفيذها.. لكل حقوق وللأسف لا يتسع المجال هنا لسرد ما ورثناه من المدرسة المحمدية، فللصديق حقوق، للوالدين، للأبناء، للخدم، هناك أيضا حقق للبائع والمشتري، حق التعليم، حقوق الأسرى وهو الحق الذي لا تتبعه أكثر المجتمعات تقدما، اتبعه الحبيب المصطفى فقد كان المسلمون يطلقون سراح أسراهم بمجرد تسلم الفدية من الغني أما الفقير فيطلق سراحه بلا مقابل، وكان على الأسير الذي يعرف القراءة والكتابة أن يعلم عشرة من المسلمين قبل أن يطلق سراحه كفدية وكانت الفدية وقتها 4000 درهم وهو ما يعني أن تعليم عشرة مسلمين ساوت هذا لمبلغ مما يؤكد تقدير الرسول للعلم.. وآداب الطريق كان لها حق في المدرسة المحمدية، وحتى التعامل مع الحيوان برفق كان مكانة.

المرأة لها الحق والاحترام... ويكفي أن نعلم أنه في عام 581 ميلاديا عقد الرومان مؤتمر ماكون ليدرسوا هل المرأة إنسان؟ وانتهوا إلى أنها إنسان ولكن خلقت مسخرة لخدمة الرجل وانتهوا إلى منعها من أكل اللحوم وليس لها من حقوق! حدث هذا عند الغرب متى؟بعد الهجرة النبوية بعامين وهو نفس الوقت الذي كانت المرأة في المجتمع الإسلامي معززة مكرمة معروفة حقوقها... تحتفظ بحقها في حمل اسم أسرتها،وتسير على مبدأ «النساء شقائق الرجال»، و"لهن مثل الذي عليهن بالمعروف"،تبيع وتشتري من مالها لا وصاية لأحد عليها إلا ضميرها، تكون ذات مال ومع ذلك يصبح زوجها ملزما بالإنفاق عليها.. ويكفيها فخرا حقها كأم والذي لم تسبق شريعتنا إليه أي حضارة أو قانون أو عرف... فالجنة تحت أقدام الأمهات وعلى الابن أن يلبي نداء أمه أولا وأن يعلم أنها أحق الناس بصحبته... أي دين عظيم هذا؟.

علوم الحياة

ولم يكن رسولنا الحبيب إلا أستاذا للبشرية في جميع مجالاتها، فهو أول من وضع أسس علم «الإتيكيت».. نعم فالإتيكيت الذي يؤكد الغرب أنهم أول من اتجه إليه ما هو إلا آداب التعامل، وكان لرسولنا الأكرم دستوره في هذا المجال فهو من قال"اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي، اللهم جنبني منكرات الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت".. وقد استحق أن يقول عنه ربه "وإنك لعلى خلق عظيم" وهذه شهادة من الخالق.. وما الأخلاق إلا ما نسميه في عصرنا آداب التعامل التي هي «الإتيكيت».. كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ذهب للجلوس في مكان به جمع من الناس يجلس حيث يجد مكانا خاليا، لم يمد رجليه الشريفتين قط عندما يجلس بين أصحابه، ولم يقم من زيارة أحد قبل أن يستأذنه... وقد علمنا آداب الزيارة، فإذا دعانا اثنان للزيارة مثلا من نلبي؟ يقول لنا "إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما باباً فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا، وإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق "أي كياسة هذه يعلمنا الحبيب؟ وأي رقي أخلاقي ننهله من مدرسة النبوة.. وهو القائل أيضا" من دخل دار قوم بغير إذن دخل سارقا وخرج معيرا ومن دعي ولم يجب فقد عصى الله ورسوله"...

حبيبي يا رسول الله

سلام الله عليك يا حبيبي يا رسول الله يا أستاذ البشرية بحق.. سيدنا المصطفى هو أول من وضع أسس علم النفس الذي يدعي الغرب أنهم واضعوه، فإذا كانت مدرسة علم النفس التحليلي تؤكد أهمية فترة الطفولة في تكوين الإنسان فأول من نادى بهذا هو سيدي رسول الله صلي الله عليه وسلم، وإذا كانوا يتصورون أنهم أول من اكتشف الحيل الدفاعية مثل الإسقاط والتبرير وغيرها، فأول من اكتشفها وعلمنا كيف نتعامل معها هو رسول الله صلي الله عليه وسلم، وفي حديثه "من قال فسق الناس فهو أفسقهم" دليل واضح على اكتشاف مشكلة الإسقاط في مجال علم النفس.. هو أيضا من اكتشف المرض النفسي وسبق به المدرسة السلوكية، فقد قال:"المرض نوعان، مرض الأبدان ومرض القلوب" ويقصد بالقلوب النفس، وقسم مرض القلوب إلى نوعين مرض شبهة وشك ومرض شهوة وغي.

سيدنا المصطفى أول من أرسى مبادئ الفلسفة الحقيقية وأول من أرسى قواعد الديبلوماسية الدولية.. بل إن تلامذته تفوقوا على العالم كله بعدما تعلموا على يديه ونهلوا من بحر علمه، فهذا هو عمر بن الخطاب لا ينكر أحد أنه مؤسس الدولة المدنية العصرية الحديثة بما وضعه من مبادئ قمة في الدقة.

صلى الله عليك وبارك وسلم يا حبيبي يا رسول الله يا نبع الحب ونبع الخير ونور الوجود

المصدر: مجلة حواء -ايمان حسن الحفناوي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 701 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,455,555

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز