الوقود حاضر.. والأصابع كثيرة
من يشعل الفتنة فى مصر ؟
كتبت :ايمان حسن الحفناوي
> في الحلقة الماضية توقفنا عند نهاية عهد الرئيس جمال عبدالناصر.. لنبدأ معا فترة جديدة أصبحت مليئة بالأحداث.. وكثيرون يؤرخون للفتنة الطائفية الحقيقية ابتداء من هذه الفترة، ويكيلون الاتهامات للرئيس أنور السادات وقداسة البابا شنودة ويغيب عن كثيرين أن العالم كله في هذه الفترة كان قد بدأ يعاني من مشكلات التشدد الديني >>
نقطة بداية التأزم جاءت فى 6نوفمبر 1972 «حادثة الخانكة» عندما قام الأقباط بتحويل مبنى تابع لجمعية قبطية إلى كنيسة دون ترخيص فقام أهالى المنطقة المسلمون بهدم المبنى، فجاء وفد فى اليوم التالى من الكهنة والقساوسة وأقاموا قداسا فى مكان المبنى المهدوم باعتباره كنيسة، فتظاهر المسلمون ليطلق أحد الأقباط النار ويصيب بعضهم. لو تأملنا الحادثة سندرك فورا أن التصعيد الذى واكبها غير مبرر من الطرفين، وأن هناك من البداية من يعبث بأمن الوطن، وهو ما سنناقشه فى عرض أسباب المشكلة.
ومع قدوم عام 1977 بدأ الاحتقان يزداد عندما عقد قداسة البابا مؤتمراً مطالبا بحقوق النصارى، وعقد الأزهر مؤتمراً مطالبا بتطبيق الشريعة ليعلن قداسة البابا الصوم خمسة أيام، ولتتصاعد الأحداث ويحدث بعض الترقب من طرفى الأمة، فنصل فى عام 1981 إلى أحداث الزاوية الحمراء حيث بدأ الحادث بالنزاع بين المسلمين والأقباط حول قطعة أرض فضاء جعلها المسلمون مكانا للصلاة، وتطور النزاع واستخدمت الأسلحة النارية وخسرنا شبابا لنا من الطرفين فى قضية لا ينتصر فيها أحد.
وتظل مصر 18عاماً فى هدوء نسبى تتخلله بعض المشاحنات التى يمكن استيعابها، ولكن لأن الحلول لا تأتى حاسمة وواضحة وسريعة نجد أنفسنا نصل إلى أحداث «الكشح» والتى راح فيها 21قتيلا بسبب النزاع بين تاجر قبطى وعميل مسلم.
ويتجدد الصراع
ثم يتجدد الصراع عام 2006 فى الإسكندرية بسبب عرض مسرحية بها مشاهد مسيئة للمسلمين ما أدى إلى اشتباكات بين الطرفين.
ولم يمض سوى عامين لنصل إلى حادثة الأميرية فى 6أكتوبر 2008 عندما قام رامى عاطف وعمه رأفت بإقتحام منزل أحمد صلاح وأفرغ فيه رصاص الرشاش فقتله هو وزوجته، والسبب أن هذه الشقيقة أسلمت وتزوجت من المجنى عليه.
بعدها بعامين وبالتحديد 6يناير 2010 تجدد الصراع بحادثة نجح حمادى، والتى قتل فيها ستة من الأقباط ورجل شرطة إثر إطلاق نار من سيارة ليلة الاحتفال بعيد الميلاد خارج كنيسة فى نجع حمادى، وتم إحراق منازل ومحال تجارية للطرفين. فى نفس العام فى شهر نوفمبر قامت جموع من الاقباط بالاحتجاج العنيف على وقف السلطات بناء كنيسة فى منطقة العمرانية واصطدم المحتجون بالشرطة عند محاولة اقتحامهم مبنى المحافظة، وسارت الاحتجاجات فى اتجاه طائفى ليقع ضحيتها اثنان من الأقباط ويتم القبض على أكثر من 150 من الطرفين. ونصل إلى نهاية عام 2010 لنواجه مصيبة تفجير كنيسة القديسين لنستقبل عام 2011 استقبالا يليق بثورة تحدث فى نهاية يناير، ثورة تعيد توحد المسيحيين والمسلمين ليقفوا معا ينادون بعيش حرية عدالة اجتماعية رغم رفض الأزهر والكنيسة فى البداية لخروج المسلمين والمسيحيين .
ولكن لأن المتربصين بمصر لا يهدأ لهم بال إلا بالفرقة والفتنة، يتم استغلال حدث كان من المفروض أن يزيدنا اتحادا وقوة، وهو الاستفتاء على التعديلات الدستورية لتبدأ فتنة جديدة، وقد أشارت أصابع الاتهام وقتها لفلول الحزب الوطنى فى إشعال الخلاف بين المسلمين والمسيحيين، وإدخال الدين بل إقحامه فى هذا الأمر. ولنصل بعد ذلك إلى مشكلة أطفيح ثم مشكلة إدفو ومشكلة العامرية، وتواكب معها مشكلة قرية ميت بشار.
لو دققنا النظر فى كل هذه الحوداث سنجد أنها لا تخرج عن سببين إما الاعتراض على كنيسة أو مسجد، وإما وهو ما ظهر بشكل كبير فى الفترة الأخيرة- اختفاء فتاة، إما لأنها أسلمت فيغضب المسيحيون معتبرين أن المسلمين اختطفوها لتسلم قسرا أو يغضب المسلمون معتبرين أن الأقباط اختطفوها عقابا لها حتى تعود للمسيحية.
اختفاء الفتيات
وللأسف يتخذ من اختفاء فتاة فتيلا لإشعال الفتن فى الفترة الأخيرة، ووفقا لدراسة صدرت عام 2010 عن المركز المصرى للدفاع عن حقوق المرأة تم رصد ظاهرة اختفاء الفتيات وانتهت الدراسة، انه ليست كل حالة اختفاء لفتاة قبطية سببها إسلام هذه الفتاة، فهذه «مادلين عصام» 17سنة والتى اختفت من قريتها فى المنيا مركز سمالوط تبين أنها اختفت بعد مشاجرة مع أسرتها، وحكاية أخرى بطلها ماجد ميخائيل الذى حرر محضرا فى مدينة العاشر من رمضان يقول فيه باختفاء زوجته وأبنائه، ويبدأ الشك عند الجميع أن الزوجة اختطفت وأجبرت على الإسلام لتتوصل الشرطة إلى أن الزوجة عند أسرتها فى طنطا بسبب خلافات مع زوجها.
أسباب المشكلة
من العرض السابق قد يمكننا إدراك بعض أسباب المشكلة، وحتى تتضح الصورة أكثر يمكن أن ننفذ ببعض العمق لهذه الأسباب، فضعف الدولة وعدم وجود قوانين رادعة واضحة يتم تنفيذها على الجميع دون تفرقة من أهم الأسباب، والسبب الثانى عدم وجود مشروع وطنى يلتف حوله الجميع لذلك يصبح الانتماء الدينى هو البديل فى ظل قيادات دينية سواء على الجانب الإسلامى أو القبطى تعلى قيم الخلاف أكثر مما تعمل على تعميق قيم الاتفاق بين الطرفين، السبب الثالث الأزمة الاقتصادية والظلم وعدم العدالة فى التوزيع، أجواء التوتر التى تخيم على البلاد هى سبب رابع حيث الفتنة الطائفية فى مصر كثيراً ما تكون مدبرة، لكنها فى أحيان كثيرة أيضاً تحدث بشكل عفوى يؤججها التوتر ويساعد نقص المعلومات فى إشعالها أكثر وأكثر، مداهنة فئة دون أخرى هو سبب خامس، وهو مهم حيث يجعل هذه الفئة تشعر، وكأنها فوق القانون فى حين تعانى الفئة الأخرى ظلما، فيشتعل الخلاف وتبدأ الفتن، الاجتراء على الدين هو السبب السادس ففى عهد مبارك تم التحكم فى المساجد بشكل جعلها تنسحب من دورها التوجيهى وأصبح الإحساس بالتهميش والظلم يؤجج الغضب، فغابت ملامح كثيرة منها قيمة التسامح، أيضا تحديد وقت لإغلاق المساجد أفرغ المسجد من دوره الرئيسى وخلق إحساسا مكبوتا بالغيظ خاصة وأن الكنائس أعطيت الحق أن تظل مفتوحة 24 ساعة، هذه التفرقة كانت ضد صالح الوطن الذى يستوجب إيجاد مؤسسات دينية منضبطة تتمتع بجوّ من الحرية، وتحض على فضيلة التسامح الذى لا يمكن أن يتم فى جو عكر، السبب السابع وهو لا يقل أهمية، هو أن أصبح ملف الفتنة الطائفية ملفاً أمنياً من اختصاص جهاز أمن الدولة رغم أنه ملف يجب أن ينظر إليه على أنه وطنى وسياسى واجتماعى، السبب الثامن هو تسييس المؤسسات الدينية مما يفقد رجال الدين مصداقيتهم، حيث يتم اتهامهم بترويج أفكار الدولة، السبب التاسع وهو تهميش الصعيد والذى يغلى بمشكلات كثيرة، أما السبب العاشر والذى أورده «الأنبا ماكسيموس» فى حوار له مع جريدة الفجر هو أن المسلمين والمسيحيين فيهم من يبحث عن الزعامة، وهو ما يجعل الإنسان فى هذا الوضع يعلى مصلحته الشخصية فوق مصلحة الدين والوطن، واستنادا إلى هذا السبب فسر «الأنبا ماكسيموس» أن حادثة نجح حمادى مثلا جاءت على خلفية الانتخابات كصراع سياسى ومحاولة تصفية حسابات، فخرجت فى شكل فتنة طائفية، السبب الحادى عشر افتقاد الديمقراطية حيث يشعر الإنسان باغتراب ولا يجد من يدافع عنه، فينسحب إلى مجموعته الصغيرة وهو ما يعتبر الشرارة الأولى للتعصب عموما سواء كان كروياً أو دينيا أو قبليا، من هنا تبدأ ثقافة الجماهير لتأخذ مكان التصرف الفردى فنواجه بما نسميه سيكلوجية الجماهير، وهى التى تؤكد أن الفرد يتصرف بمفرده بطريقة مغايرة لتصرفه داخل جماعة لأنه يستحيب استجابة غير عقلانية لما تردده الجماعة، والعقل الجمعى يتضمن عدم المبالاة بالعواقب وعدم الاحساس بالمسئولية، وفى حالة الجمهور تتلاشى الشخصية الواعية للفرد وتصبح شخصيته اللاواعية فى حالة من الهياج، ويخضع الجميع لقوة التحريض، لذلك يصبح دور أقباط المهجر، وهم الذين يشكلون السبب الثانى عشر دوراً خطيرا جداً، ثم السبب الثالث عشر وهو الذى يشكل كابوسا خطيراً وهو الأيادى الخارجية، ونجد هذه الأيادى، وقد بدأت منذ عام 1954 بشكل واضح عندما جاء ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء اسرائيلى وتحدث عن ضرورة تثبيت وتقوية الميول الانعزالية للأقليات فى العالم العربى وتحريك هذه الأقليات لتدمير المجتمعات المستقرة وإذكاء النار فى مشاعر الأقليات المسيحية وتوجيهها نحو المطالبة بالاستقلال والتحرر من الاضطهاد الإسلامى. نجد أيضا المنظمة الصهيونية العالمية فى مجلتها الفصلية «كيفونيم» 4 فبراير 1982 إبان الحرب اللبنانية تقول: «تفتيت لبنان بصورة مطلقة إلى خمس مقاطعات إقليمية هو سابقة للعالم العربى، وإن دولا مثل ليبيا والسودان والمغرب لن تبقى على صورتها الحالية بل ستقتفى أثر مصر فى انهيارها وتفتتها، فمتى تفتتت مصر تفتت الباقون» ثم تضيف: «إن هذا الضمان لأمن وسلام إسرائيل فى المنطقة على المدى الطويل، ففى العصر النووى لا يمكن بقاء إسرائيل إلا بمثل هذا التفكيك ويجب من الآن فصاعدا بعثرة السكان، وإذا لم يحدث هذا فليس باستطاعتنا البقاء مهما كانت الحدود».
ويمكننا إذا أردنا أن نفهم أكثر ماذا تريد الأيادى الخارجية أن نرجع إلى خطاب «عاموس يادلين» رئيس الاستخبارات العسكرية بتل أبيب، فى خطاب توديعه لمنصبه، هذا الخطاب الذى يعد شهادة على يد إسرائيل فى الفتن الطائفية التى تكاد تعصف بالبلاد من حين لآخر.
حيث يقول: «إن سلاح الفتنة الطائفية فى مصر وإثارة القلاقل فى السودان كلها من صنع تل أبيب، مصر هى الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلى، والعمل فى مصر تطور حسب الخطط المرسومة عام 1979، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، لقد أحدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية وعسكرية فى أكثر من موقع ونجحنا فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما ومنقسمة إلى أكثر من جزء فى سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البيئة والمجتمع والدولة المصرية، لكى يعجز أى نظام يأتى بعد مبارك فى معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشى فى مصر»، اقرأوا هذه الفقرة مرة أخرى وستفهمون منها أكثر بكثير من ما فهتموه بعد القراءة الأولى، ويمكننا أن نفهم مصيبة الفتنة الطائفية وكارثة الأيادى الخارجية فيها إذا تذكرنا أن الفتنة كانت هي السبب فى تقسيم الهند وباكستان قديما وشمال السودان وجنوبه حديثا.
السبب الأخير هو الأيادى الداخلية، وهى التى تستفيد من إشعال الفتنة وغالبا تعمل لصالح من يحركونها من الخارج.
وقد أكد على وجود هذه العناصر د.على جمعه مفتى الديار المصرية عندما قال أن أسباب الفتنة نابعة من الداخل، وقد أشار إليها أحد الباحثين فى دارسته لمشكلة الفتيات اللاتى تندلع بسبهن مشكلات الفتنة عندما تتجه إحداهن للإسلام والهروب من ذويها، فقد قال إنه تعرض لكثير من هذه الحالات وعندما يجلس مع الفتاة ويسألها عن آيه قرانية أو حتى سورة الفاتحة لا يجدها تعرف أى شىء عن الإسلام. وعلل د.مجدى بساده الباحث فى الشأن القبطى هذه الازمة فى حوار له على أحد المواقع الإلكترونية بأن الأيادى الداخلية تتمثل فى التطرف فى محاولات نشر الإسلام أو التبشير بالمسيحية.
الإعلام من أهم الأسباب
إذا كانت كل هذه الأسباب مجتمعة تشكل اخطارا يجب دراستها جيدا لوضع الحلول الممكنة ، فهناك سبب لابد من دراسته منفردا لما له من أثر عظيم يمكن أن يشعل الأرض من تحت أقدامنا ، ويمكنه فى الوقت نفسه أن يقدم خدمة جليلة لرأب الصدع لو أراد ، ألا وهو الإعلام بكل قنواته ، مسموع ومرئى ومكتوب وإلكترونى.
فنجد أحداث كرداسة التى ذبحت فيها اسرة مسلمة على أيدى أقباط بسبب فتاة ، ثم التعتيم عليها رغم أنها كانت مشتعلة، وكان الأجدر بالإعلام أن ينهض لمحاولة الدخول بحكمة، ليس مع الحدث نفسه بل ومن قبله عن طريق التأثير فى العقل الاجتماعى وإفشاء المحبة والسلام بين الجميع ، الإعلام ايضا ساهم وبشدة فى التخويف من التيار الإسلامى وهو وإن كان أرعب البعض من هذا التيار إلا أنه فى الوقت نفسه أضفى عليه دون أن يدرى قوة مما أحدث خللا لدى كثيرين ، بل إن الإعلام خلط كثيرا بين الاتجاهات المتشددة التى قد تلجأ للعنف فعلا وبين تيارات عادية ، كل ذلك أربك الميزان الشخصى للأفراد مما تمثل فى معلومات بعضها ناقص وبعضها مغلوط ، فاختل ميزان الحكم على الأمور ، وبالتالى تختل ردود الفعل فنصل للسلوكيات الخاطئة فى التصرف مع الأحداث المختلفة ، الإعلام أيضا هو ما صعد مشكلة ماسبيرو بإظهار الاقباط يعتدون على الجيش المصرى ، ونسى أن الأقباط والمسلمين والجيش كلهم فى النهاية مصر ، والإعلام هو الذى يعرض حادثة على أنها فتاة مسيحية أسلمت وهربت من أهلها لأنها تحب شابا مسلما، فركض الأهل خلفها وثار المسلمون لاختفائها ، وينسى الإعلام فى هذه الأحداث أن يؤثر على العقل الاجتماعى بأن عاداتنا الشرقية -مسلمين كنا أو اقباطا- تثور لهروب فتاة من أهلها، فلو هربت هذه الفتاة مع شاب مسيحى مثلها لثار أهلها نفس الثورة، لكن المسائل تتضخم وتنتج عنها الكوارث نتيجة عرض غير حكيم وتناول يفتقر للنظرة المتعمقة وعدم الكياسة.
هل من حل؟
لا توجد مشكلة لا تعرف حلا. ولابد من الاعتراف أولاً بالمشكلة وتوصيفها جيدا حتى يمكننا حلها ، وإذا قرأنا الأسباب التى حاولنا أن تكون شاملة بقدر الإمكان يمكننا أن نفهم كيف نضع الحلول.
لكن بداية لا يتم حل سليم بدون أن نوفر المعلومات الصحيحة وبكل شفافية ، فنقص المعلومات أو التعمد فى تقديم معلومات مغلوطة أو التحرج من تقديم المعلومة الصحيحة بحجة عدم الإثارة هو ما ينتهى بنا لجرح من الصعب علاجه.
وإذا أردنا الحل السليم فلابد أن نتوجه أو نعمل على مستويين ، المستوى الداخلى ، والمستوى الخارجى.. ففى الداخل مشكلات كثيرة لابد من حلها حتى لا تصبح مصر أرضا خصبة للمؤامرات ، وعلى المستوى الخارجى لابد من فضح المحاولات الدنيئة لإسقاط مصر عن طريق إشاعة ، الفتنة .
ولابد أن نعرف أيضاً أن خطة العلاج إنما تستتبع أن يتم على المدى القريب والمدى البعيد أيضاً ، المدى القريب من خلال سن قوانين قوية رادعة تستهدف إحقاق الحق ومساواة الجميع ، وأن يتم تطبيق القانون بشكل حاسم على الجميع ، لا نتحرج من مسلم لأنه مسلم ، ولا من قبطى لأنه قبطى ، فالصالح العام أقوى من الجميع ، ولابد من حماية الأقليات وحماية الأغلبية فى الوقت نفسه ، أما المدى الطويل فيأتى العلاج عن طريق إقامة المشروعات القومية التى يتوحد الجميع تحت مظلتها ، فيصبح لهم دور وحلم مشترك ، والعمل على تحقيق مناخ ديمقراطى. يسمح بالنقاش ويعاقب على التجاوز مبتعدين تماما عن أى تحيز مع أو ضد.
يجب أيضا أن يتم إعداد الكوادر التى تشكل قيادات دينية صالحة تعلى مصلحة الوئام، وتعمل على نشر التسامح بدلا من إشاعة التشرذم والفرقة التى تنتهى بنا جميعا للخراب والعياذ بالله.
وقبل وبعد كل هذا لابد كما قلنا -من مناقشة مشكلاتنا بكل صدق وتقديم المعلومة بكل شفافية، وهو ما نحتاجه بشدة لمجابهة افتراءات ترد لنا من الخارج ويصدقها كثيرون لأنهم لايجدون الرد عليها. ولنأخذ هنا مثلا ما فعله أقباط المهجر عندما دعوا إلى إقامة دولة مستقلة للأقباط فى مصر بالتزامن مع إجراء استفتاء تقرير مصير السودان 9 يناير 2011، وطالبوا بالحصول على 25% من المناصب السيادية وإطلاق حرية بناء الكنائس بلا حدود، وإنشاء محاكم خاصة للأقباط، وجاء هذا الإعلان عن المطالب فى مسيرة نظمها أقباط المهجر تأييداً لطلب بابا الفاتيكان بالتدخل الدولى لحماية النصارى فى مصر . كيف تم السكوت عن هذا الأمر؟ إن أى قبطى قرأ وعايش هذا الموقف شعر بالأسف لأنه مهضوم الحق، لماذا؟ لأنه لم يجد جهة تبين له الحقيقة.
الحقيقة التى تقول أنه لا يعيب دولة أن تتخذ من دين الأغلبية دينا رسميا لها مع الالتزام بحق الأقلية عن طريق مواد وبنود قانون قوى، هذا ما يحدث فى بريطانيا ومذهبها الرسمى إنجليكانى رغم وجود أعداد كبيرة جدا من المسلمين بها، وإسبانيا ومذهبها الرسمى الكاثوليكى واليونان أرثوذكسى، وكل هذا يتضمنه دستورهم ولا يجادلهم أحد فى هذا .
والمطلب بإطلاق الحرية فى بناء الكنائس بلا حدود . كان لابد من طرح معلومة مهمة، وهى أنه فى ظل العثمانيين كانت القاعدة أنه مسموح بالديانة المسيحية كديانة أقلية، وبالتالى فلا يجوز أن تنتشر، وهى قاعدة «الخط الهمايونى» وكانت الكنائس يتم بناؤها بوضع اليد لأن التراخيص تأخذ وقتا طويلا لذلك وافق عبدالناصر أن يتم بناء 25 كنيسة كل عام ثم جاء السادات ليوافق أن يتم بناء 50 كنيسة كل عام .
وإذا رجعنا إلى تقرير نشرته جريدة الأهرام عام 1999 نجد أن هناك كنيسة لكل 17 ألف قبطى ومسجداً لكل 18 ألف مسلم .
لذلك خرجت أصوات من المسلمين تطالب بالتساوى فى عدد الكنائس والمساجد نسبة للأفراد والمساحة وأوقات العمل والحصانة . فهذا باب لو فتحناه بدون توزيع عادل للجميع لن يمكننا إغلاقه .
أما عن النسبة فى الوظائف والثروة فقد ورد تقرير عن مركز ابن خلدون يقول إن الأقباط فى مصر يمتلكون 23% من الشركات التى تأسست فى عهد السادات و20% من شركات المقاولات، 50% من المكاتب الاستشارية 60% من الصيدليات، 45% عيادات خاصة، 35% عضوية الغرف التجارية الأمريكية والألمانية، 20% رجال أعمال مصريين، 20% من مديرين قطاعات النشاط الاقتصادى وشركات المحمول، 25% من المستثمرين فى 6 أكتوبر والعاشر من رمضان، 18% من الوظائف المالية، 25% من الوظائف ذات المكانة الاجتماعية. أيضا تقرير آخر-لعائشة عبدالهادى الوزيرة السابقة- قالت فيه إن أقباط مصر لو كانوا يمثلون 12% من السكان فهم يمتلكون من 40% إلى 60% من ثروة مصر القومية.
المشكلة يمكن حلها لو صدقت النيات ووضعنا صالح الوطن فوق مصالحنا جميعا . لابد أن يتم عرض المشكلة وتناولها ووضع الحلول وتوفير المعلومات، لابد أن نعرف أن فتاة قاصرا تهرب من أهلها لا يمكن أن نعطيها مكافأة لأنها فعلت ذلك، ولا نبعد الواقع الاجتماعى ونحولها لمشكلة دينية، فالقبطية التى تهرب والمسلمة التى تهرب هى مصيبة فى حد ذاتها لأهلها، وموروثنا الاجتماعى يرفض هذا.
أخيرا وأعود لنفس ما قلته وأؤكد عليه لابد من وضع بنود قانون قوية رادعة يتم تنفيذها بكل عدل وشفافية لا نفرق فى هذا بين أحمد وبطرس لأنهما فى النهاية هما مصر
ساحة النقاش