التسامح .. والرفض .. والحادث "1"
كتبت :سكينة السادات
كان دعاء أمى - رحمها الله - لى دائما (ربنا يكفيكى شر الغفلة) ، والغفلة تعنى المفاجأة الأليمة! وطبعا أدعو الله لكل قرائى وقارئاتى أن يجنبهم الله سبحانه وتعالى شر المفاجآت غير المتوقعة وأدعو لهم بأن تكون دائما مفاجأتهم سعيدة ومرضية!
حكاية اليوم كانت مفاجأة غير سعيدة بالنسبة لى، لأن أبطالها يمتون إلىّ بصلة قرابة، وكانت الصورة عنهم فى داخلى مختلفة تماما، فبينما كانت تبدو لى دعاء وزوجها أيمن فى غاية السعادة والتوفيق، تبين أن المظاهر خادعة وأن الأمر ليس كذلك على وجه الإطلاق !!
بدأ الموضوع بمكالمة هاتفية من إحدى قريباتى الصديقات، وأقول صديقات لأن هناك قريبات تربطهن بنا صلة الرحم أو الدم أو المصاهرة، لكنهن لسن صديقات، أما هذه فهى قريبة وصديقة مقربة إلى نفسى، سألتنى عما إذا كان من الممكن أن تمر علىّ ثم نذهب إلى مشوار واجب، وبدون تردد وافقت وجاءت وقالت لى .. لا تخافى .. جت سليمة، أيمن فى المستشفى لكنه بخير ولا خطورة عليه مطلقا، أعرف كم تحبينه هو وزوجته وأولاده وتعتبرينهم أولادك .. لا لزوم للخضة !!
بصراحة .. أحسست فعلا بالخضة الشديدة وقلت لها : إيه الحكاية ؟ الولد زى الفل ولم يشك سابقا من أى مرض، أهو القلب أم الضغط أم .... ؟
قالت .. إنها حكاية كبيرة سوف تعرفينها منه هو شخصيا فقد طلب منى أن أصحبك للقائه ولكن أرجو أن تكونى هادئة !!
أيمن قريبى مهندس يعمل فى مجال التكنولوجيا والاتصالات، فى الأربعين من عمره خريج الجامعة الأمريكية، وزوجته دعاء كانت زميلته بالجامعة لكنها لم تعمل بعد الزواج لأنها أنجبت ثلاثة أولاد وتفرغت لرعايتهم، وجدته طريح الفراش فى مستشفى ضاحى بالمهندسين، وجهه عادى جدا ولا شىء به، لكنه لا يتحرك لأن ساقيه وفخذيه تحت الأربطة الضاغطة والجبس !
قلت أستبق الأحداث .. خلاص فهمت .. صدمتك سيارة وكسرت رجلك .. مش تخلى بالك يا أخى ؟
ابتسم فى وهن .. وقال .. ياريتها كانت حادثة عربية يا خالتى .. سوف أحكى لك ما حدث بالضبط !!
قال أيمن : كنت دائما أنا ودعاء زوجتى نحرص على أن نظهر أمامك كأسعد زوجين، فقد كان هذا يسعدك كثيرا، وينير وجهك بالرضا والدعاء لنا، وتنفتح نفسك سرورا، ويتدفق عطاؤك علينا وعلى أولادنا، لكن هذه الصورة لم تكن حقيقية تماما فأنت تعرفين أننى عصبى جدا، وقليل النوم، ومشدود دائما، وأنا أعترف بذلك وقد حاولت مرارا وتكرارا أن أعالج نفسى لكن الطبيعة كانت تتغلب علىَّ وكنت أجد نفسى فى ثورات دائمة مع حبيبة عمرى دعاء، زوجتى التى لم أعرف ولم أحب غيرها من نساء الكرة الأرضية ! الأسباب - أقصد أسباب الانفعالات والثورات - أحيانا معقولة وأحيانا لا تستاهل عطاؤك كل الضجة والضجيج الذى كان يصدر منى! هكذا أعترف لك أمام زوجتى التى تستمع إلى حديثنا ولا تكف عن البكاء ولا تقاطع بكلمة !
واستطرد أيمن .. أعترف بأننى كنت فى نصف هذه الثورات غلطان .. غلطان .. غلطان!! ولكننى كنت أستمر فى «الزعل» وأحاول أن أبعد أولادى بعيدا عن المشاحنات والصراخ والانفعالات حتى أن ابنى الصغير (5 سنوات) أصيب بصراخ هستيرى بعد أن دخل من المدرسة فوجدنى أتعارك مع أمه !! وتكررت تلك الأمور، وفى كل مرة أعتذر لزوجتى وأقسم لها أن ما حدث كان غصباً عنى، وهى تعرف أننى لا حياة لى ولا شىء فى دنياى سواها هى وأبنائى الذين أعشقهم !
واستطرد أيمن .. منذ حوالى أسبوع كانت ثورتى عنيفة على شىء تافه - أعترف - وبكت دعاء وقالت لى بإصرار:
خلاص يا أيمن أصبحت لا أحتمل الحياة معك رغم كل الحب الذى ربطنا فى الجامعة وبعد الزواج، أرجوك طلقنى حتى لا ألجأ للخلع !!
صرخت وكسرت لوح الزجاج الموجود فوق المائدة التى كنا نجلس حولها، ونظرت إلى حياتى بدون زوجتى وأبنائى، فوجدتها ظلاما وبؤسا وشقاء ، ونظرت إلى نفسى فوجدت أننى إنسان مسكين يعشق بيته وزوجته وأولاده ولا ينفق على نفسه قرشا واحدا فى سبيل إسعادهم، وقلت لزوجتى بعناد وتحدى الثائر الأحمق:
دا بعينك .. لا طلاق ولا خلع ولا حاجة، أنت السبب فى كل حاجة !
ساعتها بكت زوجتى وقالت ..
- طيب خلاص يا أيمن .. أنا مفيش قدامى غير الانتحار! أعصابى خلاص تعبت، وأصبت بالسكر من كثرة الكبت فى نفسى والمرارة على ما يحدث فى بيتى حتى نظهر بصورة جيدة أمام الناس .. لا أستطيع أن أواصل .
مــاذا حـــدث بعد ذلك ؟
الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية
ساحة النقاش