كتبت :سمر الددسوقي
على الرغم من أن جهوداً فعلية قد بدأت تبذل لتحسين أوضاع مايقرب من 5 ملايين امرأة معيلة وأطفالها بضمهم إلى مظلة التأمين الصحى الشامل ، ورغم مايواجهه هذا القرار من صعوبات فى التطبيق ، فإن وضع 34% من نساء مصر ، وهى النسبة التى أعلن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية عن تمثيلها للنساء المعيلات ، مازلن يعانين من الكثير من المشكلات والأوضاع المتردية، والتى باتت وتستدعى، مع محاولة تغييرنا للواقع المصرى ككل فى أعقاب ثورة الـ 25 من يناير، أن نقترب منها ونحاول علاجها ، خاصة وأن هؤلاء النساء يشكلن مصدراً للدخل الأساسى للآلاف من الأسر المصرية. واقرأ معنا
حول واقع هذه المشكلة وتطور أوضاع المرأة المعيلة بصورة سلبية فى المجتمع المصرى، تقول د. عزة كريم -أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية-، وفقاً لدراسة أجراها المركز فى عام 2009، جاءت النتائج لتشير إلى أن نسبة النساء المعيلات فى مصر لا تقل عن 15% ولا تزيد حتى هذا العام عن 45%، وهذه النسبة تتركز بصورة كبرى فى الريف والصعيد المصرى، حيث نجد العديد من النساء المهمشات من المطلقات والأرامل يتحملن مسئولية أسر كاملة من الأبناء وغيرهم، من خلال الإنفاق عليهن من أعمال تعد هامشية وبسيطة كتربية الدواجن وبيعها، وبيع الخضراوات، والعمل بالمنازل، وإعداد المأكولات البسيطة بالمنزل وبيعها، هذا بجانب العمل فى مهن بسيطة كالبائعات وعاملات النظافة بالمدارس والمنشآت، وذلك لعدم نيل نسبة ليست بالقليلة منهن لقدر مناسب من التعليم، هذا بجانب أن من نجحن فى الوصول إلى قدر معقول فيه يعملن فى العادة فى وظائف إدارية بسيطة وفى درجات وظيفية منخفضة، وبالتالى فليست لديهن طموحات أو فرص للترقى وإثبات الذات، وتزداد مشكلات هؤلاء النساء مع عملهن فى أعمال بسيطة ومهمشة وعدم وجود تأمينات اجتماعية لهن أو تعويضات عند فقدهن، كما أن أبناءهن يعيشون فى ظروف بسيطة وتحت خط الفقر، وفى العادة لا يصلون إلى مراتب علمية عليا، خاصة وأن هذه المرأة تكون مصدر الدخل الوحيد للأسرة والتى لايقل عدد أفرادها عن ثلاثة أو أربعة أفراد، وبالتالى فبعض هؤلاء الأفراد يتركون السلك التعليمى ويشاركون فى سوق العمل بشكل مبكر كنوع من المساعدة للأم.
وتضيف على الرغم من إعلان الحكومة الحالية عن ضم 5 ملايين امرأة معيلة وأطفالها إلى مظلة التأمين الصحى الشامل، فإن هيئة التأمين الصحى اعترضت على ذلك لأنه يمثل إرهاقاً لميزانية الدولة، وهو ما يزيد من الصعوبات التى تواجه هذه المرأة، خاصة إذا عرفنا أن نسبة ليست بالقليلة منهن يعانين من أمراض مزمنة كالالتهاب الكبدى وغيرها، ونتيجة لعدم وجود دخل مادى كاف فكثيرات من هؤلاء النساء يعشن فى أوضاع صحية صعبة وترتفع بينهن نسبة الوفيات فى سن مبكرة.
تعليم وتدريب
وعن الحلول أو طرق علاج مشكلات هؤلاء النساء، تقول أنيسة حسونة - الخبيرة الاقتصادىة ورئيسة إحدى الجمعيات الأهلية - لا شك أن مشكلة المرأة المعيلة تعد إحدى أهم المشكلات التى ينبغى على الكيانات الرسمية والأهلية المعنية بالنساء وضعها فى مقدمة أولوياتها، فهذه المرأة تحل محل زوج عاطل أو هارب وقد تعمل بأى أجر وتحت أى ظرف حتى تنفق على أسر كاملة، بل وكثيراً ما تهدد بالسجن فى حالة حصولها على قرض لإقامة مشروع بسيط تنفق منه على أسرتها، كما كان يحدث فى الحقبة الماضية قبل الثورة، وبالتالى فالمطلوب الآن أن يكون هناك متابعة لإكمال هذه المرأة لتعليمها بشكل مجانى وبأى صورة من الصور حتى تستطيع أن تكون قادرة على إيجاد فرصة عمل مناسبة، وأن يكون هناك تدريب فعلى لها على المهارات التى تساعدها فى الحصول على فرصة عمل، كالتدريب على الكمبيوتر واللغات الأجنبية والمهارات الفنية اللازمة لأى مشروع صغير، فكل هذه المهارات ستساعدها فى إثبات نفسها فى سوق العمل، بل وفى التدرج فى مناصب إدارية، وكذلك ستتيح لها فرصة الحصول على دخل مادى ثابت بل وأفضل.
تشريعات قانونية
وتشير المحامية والناشطة الحقوقية أشجان البخارى إلى أن هذه المرأة، والتى فى الغالب ما تكون أرملة أو مطلقة وتتحمل مسئولية أسر كاملة، فى العادة ما تكون عاملة بسيطة لا تعمل وفقاً لدخل ثابت أو فى وظيفة ثابتة، فنسبة ليست بقليلة من النساء المعيلات يعملن فى مهن هامشية كبائعات وغيرها، خاصة فى ريف مصر، وهؤلاء لكى يتم تحسين أوضاعهن، خاصة وأنهن مصدر الدخل الوحيد لألاف الأسر، لابد من تشريعات قانونية تؤمن لهن أوضاعهن الاقتصادية، ومنها أن يكون لهن تأمين شامل وليس فقط تأمين صحى، بل ويتم الشروع فى مشروعات تنموية كبرى على مستوى الجمهورية تفتح أبوابها لهولاء النساء وتخصص لهن فقط حتى يجدن فرصة العمل الكريمة ولايصبحن تحت رحمة صاحب العمل الذى قد يتخلص منهن فى أى لحظة، ومن خلال هذه المشروعات يخصص لهن دخل ثابت وكادر وظيفى، ويمكن كذلك أن تمنح المرأة المعيلة امتيازات أخرى خاصة بتحمل الدولة لنسبة من مصروفات تعليم أبنائها، أو إعفائهم منها حتى نهاية التعليم الجامعى، خاصة وأن الكثيرين منهم نتيجة للوضع الاقتصادى المتدنى وانخفاض مستوى الدخل لا يستطيعون إكمال تعليمهم.
مشروعات تنموية
تشير آسر ياسر - إحدى الناشطات فى مجال المرأة والعمل السياسى - إلى أن ما كان يخصص من قروض للمرأة المعيلة من قبل الجمعيات الأهلية المختلفة قبل الثورة، كان يقدم لمشروعات لايكفى عائدها للعيش إلا تحت خط الكفاف، لذا فالمطلوب الآن من الاتحاد النسائى المصرى ومن المجلس القومى للمرأة، ألا يتم إهدار هذه القروض على مشروعات بسيطة وتكاد تكون معدمة للمرأة المعيلة، فلابد وأن تكون هناك بحوث اجتماعية تدرس وضعها ومشكلاتها، وبناء على هذه البحوث يتم تحديد احتياجاتها الفعلية وتخصص لها مشروعات تعود عليها بدخل كاف، على أن يراعى فى هذه المشروعات - وبالأخص بالنسبة للقروض - أن تمنح قروضاً ميسرة للنساء وعلى فترات زمنية أطول أو يتم الحد من فوائدها أو تلغى هذه الفوائد، لأن الكثير من النساء كن يتعرضن للوصول إلى ساحة المحاكمة من جراء عدم قدرتهن على سداد قروض هذه المشروعات، لأن المشروعات من الأساس لم تكن تعود بعائد كاف لسداد هذه القروض، لضآلتها وعدم جدواها، فلنخصص لهؤلاء النساء، وبالأخص المعدمات وغير المتعلمات منهن، مشروعات متوسطة، وليست صغيرة أو متناهية الصغر، كمشروعات تربية الحيوانات وطهى الطعام وإعداده، لأنها مشروعات دون جدوى وليست لها أهمية أو تأثير فعلى فى دخل هؤلاء النساء.
كادر خاص
ويؤكد د. هانى وهبه الخبير الاقتصادى بالمركز المصرى للدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، إلى أن علاج مشكلات المرأة المعيلة يستلزم تحركاً من قبل الجهات المعنية بالشأن الاقتصادى وبالأخص الوزارات، بالنظر إلى هذه المرأة كإحدى أصحاب الدخول البسيطة، فإذا كنا ندرس حالياً وضع حد أدنى وأقصى للأجور، فهؤلاء النساء لابد وأن يتم وضعهن على كادر خاص ويصبح لهن - وخاصة بالنسبة للمهمشات - مشروعات ثابتة تخصص لهن وتمنحهن دخلاً ثابتاً، كما يتم تزويدهن بقروض ميسرة لمشروعاتهن، هذا بجانب أن يكون لهن ضمان وتأمين شامل عند المرض والعجز، وحقوق يلزم صاحب العمل بسدادها خاصة فى حالة العمل بالقطاع الخاص، وبالأخص وأن هؤلاء النساء يمثلن شريحة ليست بالبسيطة من النساء العاملات ويعلن أكثر من 6 ملايين أسرة
ساحة النقاش