«جهاد».. أنت فين يا جهاد ؟!
كتبت :تهاني الصوابي
«إلى الجهاد، إلى الجهاد، إلى الجهاد يا مسلمين إلى الجهاد»، بهذه الكلمات فى رواية وإسلاماه للكاتب الكبير على أحمد باكثير، وقفت جهاد بطلة الرواية ترفع راية الإسلام ترفرف من جديد، تنادى المسلمين لمواصلة الجهاد، وتحثهم على النصر، فهبوا من عثرتهم، وقاتلوا، وانتصروا على التتار بقيادة الأمير «محمود» وبرعاية من الشيخ «سلامة» الذى ظل طوال الرواية يردد جملته الشهيرة «جهاد انت فين يا جهاد» فى رحلة البحث عن الأميرة، لتعود وتؤدى دورها فى تحرير البلاد من التتار، ونصرة الإسلام، واليوم نواصل النداء «جهاد أنت فين يا جهاد ؟!» ولكن من هى «جهاد» ؟!
فى ثورة 1919 قادت السيدة صفية زغلول النساء فى أول مظاهرة نسائية فى العصر الحديث ضد الاستعمار الإنجليزى، وأخذت تنادى «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، وفى عام 1955م اعتصمت الدكتورة درية شفيق فى مقر نقابة الصحفين، وأضربت عن الطعام هى وشقيقاتها من السيدات المناضلات من أجل تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة ومباشرة الحقوق السياسية، حيث حق الترشيح والانتخاب، ولم تتراجع، ولم تخضع، ولم تكن شريكاً فى صفقات و«تربيطات»، حتى تحقق ما اعتصمن من أجله، هى ونساء مصر الفاضلات غير الباحثات عن الشهرة و«الشو» الإعلامى، ونالت حقها السياسى فى الترشح والانتخاب والمساواة فى تولى المناصب القيادية، وحق التعليم والعمل، وغيرها من الحقوق العظيمة التى نص عليها دستور 1956 تحت قيادة «سلامة» راعى المرأة المصرية آنذاك الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
واليوم هل يسمح لنا الكاتب الكبير على أحمد باكثير أن يمنحنا حق التصرف فى جملته الشهيرة وأن ننادى ونقول «سلامة أنت فين يا سلامة»، «محمود أنت فين يا محمود»، «جهاد أنت فين يا جهاد»، حيث نلتفت يميناً ويساراً وننظر حولنا فى كل اتجاه، فلا نرى سلامة ولا محمود ولا جهاد، فقد تاهوا جميعاً فى الزحام بعد الثورة 25يناير وسط عشرات من الأحزاب، ومئات الائتلافات، وآلاف من القيادات التى منحت نفسها هذه الصفة دون شرعية حقيقية مستمدة من إرادة الشعب المصرى الحقيقى القابع بين جدران منازله، وأمام شاشات التليفزيون يراقب ويشاهد عشرات البرامج من التوك شو، ومئات من الضيوف «الكلمنجية» الذين يطلون علينا ليل نهار «ينظرون ويثرثرون» ويرددون كلام بعضهم البعض كالببغاوات وكأننا فى سيرك يقدم فقرته الرئيسية حول ثورة 25يناير.
كل هذا ونحن نبحث عن «جهاد» حقيقية تكون صوتاً لمطالب المرأة واحتياجاتها وحقوقها فى الدستور القادم، «جهاد» لا تبحث عن زعامة زائفة وعراك مصطنع للحصول على جائزة نوبل للسلام أو من أحق بتولى قيادة المجلس القومى للمرأة، كما يحدث الآن من «سفسطات» بين نساء حزب الحرية والعدالة وغيرهن ممن يسعين لتولى زعامة لا يستحققنها هن أو غيرهن.
يا «جهاد» أين أنت يا جهاد، اظهرى وهبّى وخذى بيد نساء مصر ليس من خلال مسيرة تجوب شوارع القاهرة من أجل أن يكن لبعض النساء حظاً فى اللجنة التأسيسية للدستور، بل من أجل كل نساء مصر الجالسات القابعات خلف الجدران المطحونات ليل نهار من أجل أزواجهن وأولادهن ومن أجل الشهيدات اللاتى سالت دماؤهن لنصرة الوطن والمرأة المصرية، ووضعها فى مكانة بارزة متميزة تستحقها بلا جدال على خريطة الوطن، تلك الخريطة التى يرسمها الزعماء الحقيقيون من الرجال الذين قلما يجود بهم الزمان، ويؤمنون بأهمية دور المرأة فى تنمية المجتمعات والنهوض بها.
أن جهاد بدون محمود وسلامة لن تقوم لها قائمة، فأين أنت يا جهاد، وأين أنت يا محمود، وأخيراً أين أنت يا سلامة ؟!
ساحة النقاش