أمهات الشهداء

أمهات مصر..

 


كتبت :ايمان عبدالرحمن -اميرة اسماعيل - سماح موسي


 كل أم تنتظر هذا اليوم، تشعر بتقدير أبنائها وتفخر لأنها أم... إلا هؤلاء، يمر عليهن هذا اليوم حزيناً قاتما عابسا...

 أمهات شهداء الثورة.. بعضهن يأتى عليهن هذا العام ليعشن التجربة للمرة الثانية وكل عام تصبح المرارة أقسى والوجع أعمق، لأن ذهول الصدمة يمتص الكثير، ومع توالى الأيام يصبح الألم صديقاً، وآه من الألم لو صار صديقا... أمهات أخريات يعشن التجربة هذا العام للمرة الأولى ليدخلن بورصة القلوب الملتاعة على فلذات رحلت فى رحلة غدر...

 إلى كل هذه القلوب التى أوجعها الفراق وأدماها الفقد نتقدم بالتحية..

 والدة خالد عطية شحاتة (17 عاما) أسماء محمد عبد الرحمن:

 أى عيد يمكن أن أشعر به، فأنا منذ يوم 28 يناير من العام الماضى خاصمت قلبى الأعياد.. خالد.. اخترقت الرصاصة قلبة لتزهق روحه وتنفذ لقلبى فأموت بها كل يوم، لم أكن أعرف أن فلذة كبدى سوف يرحل، كنت أتابع معه ترتيبه مع أصدقائه للمسيرة، كان صديقى لذلك لم يخف عنى شيئا، وشجعته عندما تأكدت أنها سلمية، ولأننى أم وقلبى يرتجف خوفا عليه ذهبت معه يوم 28 يناير هتفت معه، وتأكدت أن الوضع آمن فلم يكن هناك أى عنف يجعلنى أخشى على ابنى، لذلك اتفق معى أن أعود للمنزل ويواصل هو بعد صلاة الجمعة، ووافقته، لم أكن أدرك أنها المرة الأخيرة التى ستحتضن عيناى فيها ملامحه، كيف خاب قلبى، قلب الأم، ولم يحذرنى؟ عاد لى خالد، لكنه عاد برصاصة اخترقت قلبه لينتقل اسمه إلى صفحة الوفيات، وأنتقل أنا إلى سجن الحزن، استشهد خالد أمام مدرسته وكان على أن أستمر من أجل ولدىّ هشام - 15 سنة - ويوسف - 9 سنوات -.. لن أنساك ياعمرى، وفى عيد الأم أنا التى ستهديك، أهديتنى أنت كثيرا، والقلادة الذهبية آخر هداياك لى لا تفارقنى، وزجاجات العطر.. هديتى لك دعوة أم انكسر فؤادها لهفة عليك ياولدى، أحتسبك عند الله شهيداً.

 > نار فى قلب والدة الشهيد إبراهيم رضا محمد «14 سنة» نار جعلت هديتها لابنها الذى فارقها دعوة مظلوم على من حرمها فلذة كبدها.. «حبيبى كان صغيراً، كيف تحمل قلبه خمس طلقات؟ كان فى الصف الأول الإعدادى، هداياه كانت فى براءة عمره، وأجمل هذه الهدايا كلمة «حبيت أقول لك كل سنة وأنت طيبة» كتبها لى على ورقة، صارت هذه الورقة هى كل عمرى، أتأمل حروفها وأجده بين الحروف، فأمد يدى لأحتضنه، فتتبدد ملامحه لأعود إلى حزنى ولهفة قلبى عليه.. هديتى لك فى عيدى أن أدعو على من حرمنى ابتسامتك وحرمك حق الحياة وأعرف أن نار المظلوم أقوى من كل القنابل والرصاص وأن حقك لن يضيع».

 > عزة عامر والدة الشهيد سعيد أحمد الطوخى 27 سنة:

 عباءة وطرحة هى آخر هداياه، كم احتضنت هذه العباءة.. كم لثمتها! كم خفت أن يلمسها أحد حتى لا تضيع رائحة أنامله، فهو الذى اختارها واشتراها.. آه يا ولدى لو كانت دموعى تعيدك لصنعت نهرا يوصلنى إليك، لكن كيف النجاة بقلب أصبح مضخة للآلام.. أستغفر الله ربى، لن يشعر بى إلا من جرب مرارة فقد الفلذة، لا يفهم لغة قلب أم مثلى إلا من شاخ قلبه فجأة، وأصبح قطعا متناثرة بداخله، ليت أحشائى احتفظت بك ولم تخرجك لهذه الحياة القاسية، ليتك لم تكن ابنا بارا، ليت نارى تبرد أو ألحق بك.. حسبى الله ونعم الوكيل.

 ماجدة محمد والدة الشهيد طارق مجدى مصطفى «24 سنة»:

 عندما كان يضحك كانت حياتى كلها تتلون، طارق كان ابتسامة البيت وبهجته، لذلك ماتت الفرحة منذ رحل، حتى أحمد ابنى، شقيقه التوأم، انطفأ إقباله على الحياة بعد استشهاد أخيه... أصبح بيتنا كهفا حزينا وصار قلبى حجرة مظلمة، ولم أعد أشعر بأى طعم للحياة، بالله عليكم أجيبونى، هل هناك قطع غيار لقلب أم فقدت ابنها؟ أريد هذه الهدية فى عيد الأم.

 > والدة الشهيد أحمد عبد الرحيم السيد 18سنة:

 آه من هذا اليوم، كيف سيمر؟ وكيف مر على العام الماضى؟ لا أدرى، ليته كان جاحدا، ليته كان لاهيا عنى.. لم أر فى حياتى ابنا اهتم بأمه مثله وكان عيد الأم عنده شيئآ كبيرا، كان يسألنى دائما ماذا أريد، بل كان يعرف فعلا ما أحتاجه ويحضره لى فى عيد الأم.. ولأننى كنت أتمنى أن يصبح مهندساً أجتهد وألتحق بالهندسة كهدية لى، لكن قتلوك يانور عينى قبل أن تحقق الأمنية، قتلوك يوم جمعة الغضب، حتى فى رحيلك ياعمرى تهدينى هدية، لقب «أم الشهيد»، كريم فى حياتك وكريم فى رحيلك يا أغلى الحبايب.

 الحاجة وفاء والدة الشهيد ولاء الدين حسنى محمد 33 سنة:

 دبدوب كبير وسمكة.. نعم.. هى آخر هداياه، كان يدللنى وكأننى طفلته، كان يعاملنى كأننى أميرته.. ياحرقة قلبى عليك يا فخر الشباب، حافظت على حجرته كما هى، أشياؤه فى مكانها، أدخل غرفته وأغلق بابها وأعيش لحظاتى معه، آه يا قلبى، كيف تحملت الحياة؟ وإلى متى سيمكننى الاستمرار؟.. دائما أسمع صوته ينادينى، أتجه صوب الصوت فأفيق على واقعى المرير، أنا لا أعترض على قضاء الله، فقد رضيت بما يرضاه ربى لكننى فى عيد الأم سوف أضع الدبدوب والسمكة فى حجرته، وأغلق الباب وأسترجع لحظاتى معه، ولا أعرف إلى متى سيمزقنى حنينى إليه.

 > أرزاق عبد الحليم والدة الشهيد أحمد سمير السيد 28 سنة:

 تخيلوا معى، أن تنجب وتربى وتحلم، ويكبر معك الحلم إلى أن يصل ابنك للثامنة والعشرين ثم فجأة يضيع.

 لماذا؟ لأنه اختار، أن يخرج فى مظاهرات سلمية يطلب أبسط حقوقه وحقوق بلده.. لماذا؟

 هذا هو السؤال الذى يعذبنى.. لكننى أفوض أمرى إلى الله.. أحمد كان رائعا.. وآخر هداياه كانت «كتاب الله» وكان يحلم أن يساعدنى فى أداء العمرة والحج... واستجاب له الله، فبعد استشهاده فزت بقرعة الحج، وها هى هديتك وصلت ياحبيب العمر فلا تجزع على أمك، فنحن على موعد إن شاء الله وهذا هو عزائى الوحيد.

والدة الشهيد محمد سليمان توفيق

 هديته الأخيرة كانت «شال» لايفارقنى هذا الشال، يحوط رأسى وعنقى فأشعر أن حبيبى يحتضننى..

 كان رحيله دراميا، فقد ذهب لربه شهيدا يوم عيد ميلاده وكانت هدية الظالمين له فى يوم مولده رصاصتان إحداهما فى قلبه والثانية فى الجمجمة.. كان زهرة الشباب، يدرس فى كلية الهندسة ويعمل بأحد المصانع حتى ينفق على نفسه، عندما قدم لى هديته الأخيرة، لا أنسى ما قاله، قال لى: كنت أتمنى أن أقدم لك الدنيا كلها تحت قدميك، ماذا أفعل بالدنيا وأنت لست فيها يانور القلب وعمر العمر؟

 > والدة الشهيد أحمد عادل «الإسكندرية»:

 ذهب إلى ربه وهو يردد «لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله» هل بعد هذا دليل على حب ربه له؟

 راح حبيبى شهيدا للشهامة والكرامة، فقد كان عائدا من العمل عندما وجد قوات الأمن تسحل البنات المتظاهرات فانخرط فى الجموع المدافعة..

 فى عيد الأم أنا التى ستهديك، كلمات كتبها لك قلبى الملتاع عليك ياولدى، أقول لك فيها وحشتنى يا أحمد، الفراق صعب يا ولدى، لكنك عند الله وهذا عزائى، الله يرضى عليك كما أرضيتنى، ويرحمك كما رحمتنى ياقرة عين أمك، عينها التى لم تكف لحظة عن البكاء.

 > والدة الشهيد إبراهيم سعدون:

 حبيبى كان أصغر إخوته الخمسة، طالبا بالجامعة ويعمل بأحد المطاعم، كان يأخذ راتبه ويضعه كله فى يد والده ليأخذ مصروفه. لم يكن يؤخر عنى طلبا، كان يشعر بى وبما أريده بدون أن أتكلم.. لم يشترك فى المظاهرات، لكنه يومها (28 يناير) كان عائداً من عمله فوجد مظاهرات سلمية بالشارع اشترك فيها كأى شاب.. آه ياولدى، ليتنى يومها أمطرت وجهك بقبلات الوداع، لم أكن أعرف أنك ذاهب بلا عودة.. عيد الأم العام الماضى مر على فى ذهول فقد كان أول عيد لى بدونه، أما هذا العام فالمرارة أشد والجرح أعمق لأننى استرجع كل كلمة وكل حركة.. آه من يعيد لى ابنى؟

والدة الشهيد محمد شعلان:

 راح من كان صديقى فى هذه الدنيا، ذهب وأخذ كل شىء معه، كان هو الصدر الحنون، مستودع أسرارى، كنت استشيره فى كل شىء، ضعت من بعدك يامحمد... يوم استشهاده شعرت بانقباض فى قلبى، استحلفته بالله ألا يذهب للميدان، حاول إقناعى، وقبّل يدى... أشعر بقبلته إلى الآن. آخر هدية قدمها لى فى عيد الأم كانت مجموعة من الأكواب الفاخرة أضع الأكواب أمامى، فارغة هى كحياتى بعدك يا ولدى لا الكوب يمتلئ ولا القلب يهدأ.

 والدة الشهيد حسام حافظ:

 كان ابن موت. كيف تتحمل الحياة إنسانا رائع الأخلاق مثله، سبحان الله والكمال لله، لم يكن يعيبه شىء، كان نورعين الأسرة كلها بحنانه وحبه وأخلاقه، والعجيب أنه كان يشعر أن عمره قصير فى الدنيا، وكنت أغضب منه عندما يردد هذا الإحساس على مسامعى، افتقدك يا حبيبى، من يعطينى الدواء صباحا؟ كان يفعل كل شىء لإسعادى، حتى أعمال المنزل كان يقوم بها... راح الحبيب وأصبح جثة هامدة فى مشرحة زينهم بعد أن غيرت طلقات الرصاص ملامح وجهه ولم يتعرف عليه إلا أخوه، راح دون ذنب فلم يكن وقتها مشتركا فى المظاهرات، كان يشترى فاكهة لوالده لم يفعل شيئا ليقتلوه.. منهم لله حرمونا من نور أعيننا.

 أم الشهيد رامى الشرقاوى:

 قبره هو مكانى المفضل من يوم رحيله، لا أهدأ ولا أستكين إلا وأنا هناك، أشعر أن قبره هو فراشه الذى يضمه، وأتذكر يوم كان وليدًا فى مهده؟ أظل بالساعات أقرأ له القرآن وأحيانا أغنى له الأغنيات التى كان يسمعها منى قبل النوم وهو صغير.. وأبكى، أبكى بحرقة قلب أم أخذوا منها حبيبها غدرا وظلما، وأبتسم أيضا عندما أتذكر مواقفه معى ثم تختلط الدموع بالابتسامات... اشترك فى ثورة يناير وأصيب فى موقعة الجمل وكتب الله له عمراً جديداً، لكنه أصر على الوقوف بجانب المتظاهرين فى أحداث مجلس الوزراء عندما تم الاعتداء عليهم بعنف.

 أول عيد أم سيمر على بدونك ياحبة القلب ونور العين، وسألقاك عند القبر، موعدنا هناك، لا تتأخر على أمك ياحبيب قلب أمك، سأحضر لك معى كل ما تحب فلا تتركنى أنتظر..

 > والدة الشهيد محمود سليمان:

 كان يشارك فى كل الوقفات منذ 28 يناير فى الشرقية، تمنى أن يشارك فى ميدان التحرير وكنت أرفض بشدة خوفا عليه، لم أكن أتصور أن حرصى عليه لن ينجيه من قدره، ما يذهلنى أنه قبل أحداث مباراة بورسعيد دخل المطبخ وكنت أطهو الطعام، وقال «ماتحبيش أن تكونى أم الشهيد، وتبقى مشهورة وتفتخرى أن ابنك مات عشان بلده» وقتها سقطت السكين من يدى وكادت تصيب قدمى وشعرت بغصة فى قلبى استمرت معى أياما.. استأذننى أن يشترك فى ألتراس أهلاوى فكل زملاؤه فى كلية الهندسة اشتركوا، لم أرد أن أضايقه بكثرة رفضى.. ليتنى اعترضت ياولدى، ليتنى منعتك..

 وفوجئت قبل المباراة المشئومة أنه يضع صورته على الفيس بوك عليها شريط أسود، ضايقنى هذا التصرف جدا لكننى لم أتكلم.. فى اليوم الأسود ذهب مع أصدقائه إلى بورسعيد.. فى الرابعة كاد قلبى يقفز من بين ضلوعى، اتصلت به وعلمت أنه بالأتوبيس.. ورغم عدم إهتمامي بكرة القدم إلا أننى وجدت شيئا يحركنى أن أتابع هذه المباراة.. المجزرة أمامى، ولدى..

 أبحث عنه فى اللقطات المعروضة على الشاشة، أصرخ أضرب على صدرى شعرت بشىء غريب، روحى تنسحب منى، وسقطت ساعة يدى وانكسرت، وقتها تشاءمت جدا.. لا أصدق أن ابنى رحل للأبد.. محمود... أى عيد أم بدونك ياحبيبى؟

المصدر: مجلة حواء -ايمان عبدالرحمن -اميرة اسماعيل -سماح موسي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1272 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,859,085

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز