إذا انصلح حالكم انصلح حال مصر

كتب : محمد الحمامصي

 يحار المرء في تصنيف ما يجري من أحداث على خشبة المسرح الاجتماعي الشعبي المصري، فأحيانا يكون عبثيا أو لامعقولا أو لاتوصيليا، ويأخذ شكل حوار مسرح العبث، غامض ومبهم ومبتور، لا موضوعية ولا ترابط ولا تجانس، وأحيانا كوميديا ينطبق عليه القول المأثور "شر البلية ما يضحك" يعتمد المفارقة والإفيه والسخرية، وأحيانا تراجيديا مأساويا يثير الفزع والخوف والتوتر في النفس، وأحيانا تجاريا ربحيا ـ نسبة للاصطلاح المسرحي الذي ظهر في سبعينيات القرن الماضي ـ ويعتمد على غياب المضمون وغلبة "التريقة" والإفيه والنكتة والرقص، كل هذه المسارح تجتمع الآن على الخشبة الاجتماعية وسط إدارات مضطربة أخشى ما أخشاه أن تتهدم الخشبة على رأسها ورأسنا، فالأبطال منفلتون يتحركون بلا نصوص ولا قواعد ولا حوار أو قيم.

 من "العبث" توقف وسائل النقل العام بسبب إضراب السائقين، ومن التراجيدي أن يعتدي جمهور النادي المصري والنادي الإسماعيلي متضامنا على قوات الجيش المصري ويسقط قتيلا، ويغلق الميناء تحسبا لهجوم جماهير النادي، ومن "الكوميدي" أن تتحول البلاد إلى طابور على محطات السولار وأن يقتتل الناس فيما تصرح الحكومة أن الأزمة مفتعلة، ومن التراجيدي أن يتقدم للترشح لرئاسة الجمهورية ما يزيد عن الألف، وأن تكون الغلبة في لجنة إعداد الدستور لحزبي الحرية والعدالة والنور السلفي، ومن "التجاري" أن تخرج سما المصري في بيان يعلن أنها متزوجة سرا من النائب البرلماني السلفي أنور البلكيمي ـ صاحب أنف التجميل ـ وأنها سوف تطلب الخلع منه، ويخرج البلكيمي نافيا معرفتها مقسما بالله أنه لم يعرفها إلا عندما أخبره صديق بما زعمته الراقصة ضده.

 هذا المشهد لخشبة مسرح المجتمع تتشابه تماما مع خشبة مسرح المجتمع السياسي، فـ "العبث" أن تظل الأكثرية في مجلس الشعب ممثلة حزب الحرية والعدالة مسنودا من حزب النور وأحزاب أخرى تطالب على مدار أكثر من شهر ونصف الشهر بسحب الثقة من الحكومة، وتمتلئ الصحف يوميا بعناوين سحب الثقة، ثم يرفض المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد وسط تهديد بالطعن على دستورية مجلس الشعب، وتخرج جماعة الإخوان المسلمين معتبرة أن ذلك يمثل ابتزازا.

 والكوميدي أن تبلغ توكيلات حازم أبو إسماعيل المرشح لرئاسة الجمهورية ألف توكيل، فيما توكيلات كل من أحمد شفيق وعمرو موسى ومحمد سليم العوا وعبد المنعم أبو الفتوح تتراوح بين 10 و30 ألف توكيل، والبقية من 50 توكيلا إلى 5 آلاف توكيل، وأن تظل جماعة الإخوان المسلمين تجس النبض حول هذا الاسم أو ذاك في حين أن هناك مرشحين منتميين لها هما العوا وأبو الفتوح وإن كان الأخير منفصلا عنها.

 و"التراجيدي" ما نعلم أنه يدور في الغرف والقاعات المغلقة لعدد من الأجهزة لتوجيه دفة الانتخابات الرئاسية وربما تزويرها إذا لزم الأمر حرصا على مصالح بعضها يرتبط بأفراد وبعضها يرتبط بالبلاد، واستيلاء الإخوان والسلفيين على أكثرية اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور ـ سواء أعضاء في البرلمان أو شخصيات عامة ـ وسط طعون ضدهما.

 و"التجاري" يتمثل في موقف الحكومة بدءا من رئيس الوزراء د.كمال الجنزوري وانتهاء بوزراء حكومته، حيث تحولت تصريحاتهم إلى نكات وإيفيهات كونها غير منطقية، مثل قول وزير التموين والتجارة الداخلية، جودة عبد الخالق، أن أزمة السولار وراءها فلول الحزب الوطنى المنحل، وأعضاء بمجلس الشعب السابق لمصالح شخصية، أو قول فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي أن القوات المسلحة سوف تواصل تسيير حركة النقل العام لمواجهة إضراب سائقي أتوبيسات النقل العام وبتسعيرة موحدة حتى لا يتأثر المواطنون بالإضراب، وقول محمد عبدالفضيل القوصى، وزير الأوقاف، إن الوزارة أعطت توجيهات صارمة لجميع مديري المديريات بجميع المحافظات بالتنبيه على الأئمة وخطباء المساجد بعدم السماح باستخدام المساجد في أي دعاية انتخابية لمرشحي الرئاسة، حتى لا تتحول المساجد عن غايتها السامية إلى غاية أخرى. يسمع الشعب مثل هذه الأقوال فيضحك ثم يغضب حين يفهم أنها استهزاء ثم ينفجر معتصما ومحتجا وقاطعا للطريق ومشتبكا اشتباكا عنيفا وهلم جرا.

 موقع جمهور المتفرجين داخليا وخارجيا مما يجري يحمل مؤشرات سلبية، يتقدمها حالة فقدان الثقة التي بدأت بالفعل تجتاح الكثيرين من المصريين وتدفع بهم للاشتباك مع هذا المسئول أو ذاك، وحالة الحذر الشديد المشوب بالقلق على مستوى العلاقات الخارجية مع الدول العربية، ربما لا يلمسه من يديرون البلاد، ولكنه قائم ويستشعره المصريون العاملون في هذا البلد العربي أو ذاك.

 إن ما يحدث يكبد مصر خسائر فادحة ليس على مستوى الاقتصاد وحده، ولكن على مستوى صورتها التي بدأت جراء هذه المسارح تتشوه وتضيع معالمها وثوابتها.

 قد يرى البعض أن هذه مرحلة انتقالية وأن ما يجري من تخبط وعشوائية وفوضى طبيعيا، وأرى خلاف ذلك، أرى أن الأمر متعمدا مع سبق الإصرار والترصد، وأن على هؤلاء وأولئك من أولى الأمر أن يتقوا الله في مصر وفي حضارتها وتاريخها، فإذا انصلح حالهم انصلح حال مصر .. أليس كذلك

المصدر: مجلة حواء -محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 520 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,753,794

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز