الشعب يريد الاستقرار:

خمس ثورات وثمانى انتفاضات فى مائتى عام

كتبت :مروة لطفي

حتي وقت قريب كانت تشكو دوماً من حالة اليأس اللانهائية التي تعيشها في ظل ظرف سياسي وعملي واجتماعي ترفضه، فكثيراً ما حلمت بتكسير جميع القيود المحيطة بها من حياة زوجية تعسة إلي عمل ذاقت فيه كافة أنواع الظلم تحت حماية نظام فاسد يدعم رؤساءها.. وأخيراً.. قامت ثورة 25 يناير ومنحتها فرصة لتغير واقعها العملي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الوضع العام، فهل كان لهذا التغير مردود إيجابي علي نفسيتها؟!.. لقد غمرتها السعادة في بدايته معتقدة أن جميع مشاكلها أصبحت في خبر كان، خاصة مع تغيير رؤسائها وسفر زوجها بعد نجاحه في الحصول علي عقد عمل بالخارج، لكن مع مرور الوقت بدأ الخوف يتسرب إليها فهي حقاً تريد التغيير لكنها ليست علي استعداد لتحمل تبعاته، وترتيب أوراق حياتها من جديد.. ولأن هذه السيدة واحدة ضمن 20% من المصريين الذين يريدون التغيير لكنهم غير مستعدين لتحمل تبعاته.. تساءلت «حواء» هل حقاً نحن شعب يخاف التغيير؟!..

وإذا كان الأمركذلك.. فكيف نجحنا في إسقاط نظام فاسد دام لمدة 30 عام؟! والأهم ماذا نفعل حتي نتغلب علي مخاوفنا ونبني مستقبلاً أفضل لمجتمعنا؟!ll

ديبدو أن نظرة المصريين للتغير كانت محل بحث العديد من المؤرخين وفقاً لقراءة فى التاريخ المصرى أجراها د.على بركات بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية عن الشخصية المصرية بين الخضوع والثورة، ليكشف أن معظم المؤرخين وصفوا الشعب المصرى بالخضوع منهم المقريزى، حيث وصفه بالذل مرتين وعدم الخضوع مرة.. أما الجبرتى فقد وصف الفلاح المصرى بأنه «مع الملتزم أذل من العبد المشترى»، وأن مشايخ القرى كانوا يستفيدون من جو الظلم الذى كان قائماً فى عهده.. ولم يبعد جمال حمدان كثيراً فى كتابه «شخصية مصر» عن ذلك التصور، فبعد تحليل طويل لعلاقة الإنسان بالبيئة انتهى إلى القول: لقد جاء الطغيان الفرعونى كنتيجة حتمية للدولة المركزية، وكان لها أيضاً عيوبها.. فقد كانت مصر أول دولة موحدة فى التاريخ، لكنها صارت على الأرجح أول طغيان فى الأرض.. أقدم حكومة مركزية.. وأقدم استبداداً، لقد دفع المصرى فى البداية ثمن وحدته السياسية المبكرة من حريته السياسية، واشترى الأمن الاجتماعى بالحرية الاجتماعية، والحقيقة أن استقرار التاريخ المصرى منذ أقدم العصور قد يطرح صورة مختلفة للشخصية المصرية.. فإذا كانت مصر أول دولة موحدة فى التاريخ وأول طغيان فى التاريخ كما يقول حمدان فإنها أيضاً صاحبة أول ثورة اجتماعية فى التاريخ.

تثبيت الأوضاع

ويختلف د. على ليلة - أستاذ علم الاجتماع السياسى - مع ما خلصت له الدراسة السابقة، قائلاً: الشعب المصرى يرفض الخضوع ويسعى دائماً للتغيير لكنه يخشى عواقبه، ويرجع ذلك إلى الثقافة التقليدية القائمة على محاولة تثبيت الأوضاع على ما هى عليه خوفاً من الآثار المترتبة على التغيير.. لذا كثيراً ما نرى أسراً تحيا فى تعاسة لكنها ترفض الانفصال خشية من التغيير..

ويشير د. ليلة إلى انتشار تلك الثقافة فى المجتمعات المنتمية لحضارات قديمة على عكس المجتمعات الحديثة التى تقدم على التغيير بصفة مستمرة.. ورغم انتهاء المصريين لحضارة قديمة قدم الدهر إلا أن واقعهم يكشف عن قدرتهم المذهلة فى عدم الخضوع وتكسير القيود، والدليل على ذلك قيامهم بخمس ثورات خلال مائتى عام وذلك فى سنة 1805، 1881، 1919، 1952، 2011..

إلى جانب 8 انتفاضات شعبية خلال تلك الأعوام مما يعد أصدق دليل على رفض المصريين للبطش وسعيهم للتغيير كل 20 سنة سواء بثورة أو انتفاضة فنحن شعب صبور كالجمل، لكن حينما يفيض بنا الكيل نثور وننتفض متحدين جميع العواقب وهو ما شاهدناه حين اندلعت ثورة 25 يناير ولم يستطع أحد إخمادها.

حضارات الأنهار

أن يشجع المستفيدون من النظام السابق أحد رموزه فهو شيء طبيعى ومتوقع، لكن أن يتحمس أحد الكارهين لنظام تلك الرموز بحجة الخوف من مضاعفات التغيير غير محسوبة العواقب، فالأمر يحتاج إلى وقفة يفسرها لنا الكاتب الصحفى الكبير صلاح عيسى قائلاً: لاشك أن الطبيعة الحضارية المصرية تلعب دوراً رئيسياً فى خوف المصريين من التغيير، فعادة ما تخلق الحضارات المبنية على وديان الأنهار حالة من السلطة المركزية القوية، حيث يتحكم الحاكم فى فيضان النهر والرى والزراعة مما جعل المصريين مسكونين بالحفاظ على الاستقرار، حتى أن الأمثلة الشعبية القديمة كانت تصف الفلاح المصرى «بالأرارى» بمعنى أنه مستغرق فى أرضه والحفاظ عليها، فلم يعرف المصريون هجرة أرضهم حتى الثلاثين السنة الماضية.. على عكس شعوب أخرى مثل اللبنانيين واليونانيين حيث يتصفان بكثرة التحرك والهجرة..

أما المصريون فكانوا يكرهون السفر حتى ضغطت عليهم الظروف الاقتصادية، واضطرتهم لتغيير نمط حياتهم الذى اعتادوا عليه..

فالشعب المصرى يميل إلى الاستقرار بطبيعته لكنه يضطر للتغيير إذا دفعه الطغيان لذلك، وهو ما حدث مؤخراً حيث خرج الشعب بطوائفه المختلفة دون تنسيق أو تنظيم للمطالبة بسقوط النظام.. وما أن نجحوا فى ذلك حتى ظلت الكتل المفتتة على ما هى عليه لتطفو الكتلة الوحيدة المنظمة على الأحداث متمثلة فى الإخوان المسلمين، لتظهر عملية المقايضات الثورية، ومعها بدأت مخاوف الناس من التغيير وهو ما كنت أتوقعه ودفعنى للتشاؤم على المدى القصير، لكننى متفائل جداً على المدى البعيد ويرجع ذلك لثقتى أن سيطرة تلك التيارات الدينية مرتبطة بمرحلة أولية وقتية، لكن ما أن يعيد الشعب تنظيم نفسه حتى يختار الأصلح له.. ويكفى أننا خرجنا من عنق الزجاجة وتخلصنا من نظام استبدادى.

القهر الزوجي

ومن الحياة السياسية إلى الحياة الأسرية والخوف من التغيير واحد.. وهو ما تؤكده الكاتبة عائشة أبو النور قائلة: عادة ما تعانى الحضارات عريقة القدم من صعوبة التغيير فهى كالشجرة العتيقة التى يصعب قلعها حيث نجد شعوب تلك الحضارات محاصرين بالعديد من الموروثات الثقافية والاجتماعية التى تكرس مبدأ الرضاء بالأمر الواقع.. وتبدأ أول تلك الموروثات داخل مؤسسة الأسرة فتكون عامل ضغط على أبنائها إذا ما سعى أحدهم لتغيير واقعه، وهو ما عانيته شخصياً حيث ولدت وسط حصار من القضبان الحديدية التى تقف حائلاً أمام تحقيق رؤيتى لحياتى ومستقبلي.. فقدت تزوجت فى سن صغيرة من رجل لم أوفق معه، فلم يكن قرار الانفصال مقبولاً من أسرتي.. ولأنه يصعب استخدام الديناميت فى تفجير موروثات قديمة خاصة إذا كان السجان أقرب الناس لي.. فلم أجد سوى سياسة النفس الطويل لإقناعهم من خلالها، تجنباً لأى صدام يؤدى لمضايقتهم.. لذا وضعت خطة طويلة المدى لأكسر بها القيود وأحقق أهدافى بعد 10 سنوات من كفاح التغيير.. لهذا دائماً أنصح النساء اللائى يعانين القهر الزوجى بضرورة استقلالهن المعنوى والمادى، والتضحية ببعض الآثار السلبية التى يمكن معاناتها من جراء التغيير فى مقابل راحة البال والسكون النفسي.

وجدير بالذكر أننى شخصياً فضلت الاستمتاع بصحبة نفسى لمدة 20 عاماً بعد انفصالى عن زوجى حتى وجدت الشخص المناسب لأقضى معه بقية عمرى منذ عامين فقط. لذلك أرى أن الإنسان يستطيع تغيير حياته كيفما يشاء إذا أراد وأصر على تنفيذ قراره.

اضطرابات التكيف

هذا عن موقف الكثير من التغيير.. فإلى أى مدى يؤثر هذا على نفسيتهم؟! وهل من سبيل لتحسين رؤية الجيل الجديد لأسلوب تغيير نمط حياتهم؟!

- يقول د. طارق عكاشة -أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس - : يحتاج التغيير لقدر من الذكاء وجمع المعلومات ولأن 80% من سكان شعوب العالم من متوسطى الذكاء بينما يوجد 18% ذكاؤهم فوق المتوسط، و2% هم الأذكياء، فنجد القدرة على اتخاذ القرار وتغيير نمط الحياة تنحصر فى 20% فقط من الأشخاص، بينما يخاف الـ 80% المتبقية من التغيير.. وبما أن فى مصر 38% يعانون من الأمية فخوف هؤلاء من التغيير يصبح مضاعفاً..

ويضيف د. طارق : إن التغيير يصاحبه ما يطلق عليه «اضطرابات التكيف» والذى تظهر أعراضها عند الكبار فى صورة أعراض اكتئابية وقلقية، أما الصغار فتظهر تلك الأعراض فى شكل سلوك عدوانى أو عدم القدرة على الاستيعاب الدراسى، ولكى نتغلب على تلك الاضطرابات علينا بالنظر إلى المدى البعيد واختيار الوضع الأفضل لحل المشكلة التى نعانيها سواء كانت سياسية، اجتماعية، أو عملية، مع أهمية وضعها فى حجمها الطبيعى «لنسر نحو الطريق الأنسب لنا» مع أهمية البحث عن علاقات اجتماعية وهوايات فنية أو رياضية تساعدنا فى التخلص من الأعراض القلقية المصاحبة للتغيير.

للأسرة دور

- أما د. رسمى عبدالملك - عميد التخطيط التربوى بالمركز القومى للبحوث التربوية - يقول: إن القدرة على التغيير واتخاذ القرار ضعيفة جداً على الجانب التربوي.. فالطفل يعتاد على التغيير أثناء مرحلة المدرسة أى فى مرحلة الحضانة من سن 3 إلى 5 سنوات، حيث يبنى خلالها جذور ثقافته، لكن للأسف تهمل الأسرة المبادئ التربوية التى تؤهله إلى ذلك، وما أن يدخل المرحلة الابتدائية حتى تتولى المدرسة والأسرة مهمة اتخاذ القرار بدلاً منه فتختار الأسرة الفصل الدراسى المناسب له، بينما تقوم المدرسة باختيار الطلبة الذين يمثلونه فى الأنشطة المدرسية المختلفة.

- ورغم أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمعظم الآباء والأمهات يفتقدون القدرة على التغيير، إلا أن إمكانية تعويد الصغير على القيام بذلك ممكناً إذا راعت الدولة الاهتمام بتفعيل دور مجالس الآباء والمعلمين وتدريبهم على كيفية التعامل مع الصغير، حتى تدعم فيه القدرة على التغيير واتخاذ القرار.

كما أنصح الأمهات بإعطاء فرصة للصغير لممارسته للتغيير فى غرفته الخاصة فلا مانع من ترتيب أثاثها وفقاً لرغبته، بالإضافة لأهمية ترك الشىء الذى يستطيع أن يفعله بمفرده بدلاً من قيامها به نيابة عنه.

كذلك من الضرورى النزول لمستوى الطفل فى لغة الحوار وكيفية التفكير، وتشجيعه على الأفكار الجديدة طالما أنها صائبة، مع منحه مكافأة رمزية. وبذلك نستطيع تربية صغارنا على إمكانية التغيير حتى ينعمون بحياة أفضل .

المصدر: مجلة حواء- مروة لطفي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,746,539

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز