حبوب السعادة دواء الذكريات المؤلمة
كتبت : أسماء صقر
الذكريات لدي الإنسان سلاح ذو حدين .. إما أن تسهم في البناء أو تتسبب في الهدم، منها الحزينة المؤلمة، وأخري سعيدة تبعث علي الفرحة والبهجة .. وقد يحتاج الإنسان للتخلص من بعض الذكريات التي تعكر من صفوه وتحول بينه وبين ثقته في نفسه و القدرة علي البناء والتقدم. فهل يستطيع الإنسان التخلص من تلك الذكريات المؤلمة التي تمثل هما يختزله في عقله يتذكره في أي موقف مشابه؛ أم أنها تمثل جزءاً لا يتجزأ من عقل الإنسان التي لا يمكن أن تنفصل عنه؟ وعن إمكانية التخلص من تلك الذكريات تحدثت «حواء» مع المتخصصين لتقدم لك عزيزتي القارئة روشتة النسيان لتلك المواقف التي تمثل عائقاً في سبيل سعادتك
اكتشف فريق من الباحثين الكنديين عقاراً جديداً يساعد على التخلص من الذكريات المؤلمة والحزينة أطلق عليه «ميتيرابون»، يساعد على نسيان ما يتعرض له الإنسان فى حياته من آلام، لأنه يقلل من إنتاج هرمون الكورتيزول الذى ينشط الذاكرة، وأظهرت الأبحاث التى أجراها الفريق لدى جامعة مونتريال أن العقار يخفف من قدرة الدماغ على اختزان المواقف المؤسفة التى قد تتمخض عنها الذكريات المؤلمة، وأجريت الأبحاث على 33 رجلاً حكوا قصصاً بعضها عادى وبعضها موجع وحزين، وبعد ثلاثة أيام تم تقسيمهم إلي ثلاث مجموعات، تلقت إحداها جرعة واحدة من الميتيرابون والثانية جرعتين، فيماحصلت المجموعة الثالثة على دواء وهمى.
وتبين أن الرجال فى المجموعة التى حصلت على جرعتين من الميتيرابون واجهوا صعوبات فى تذكر الأحداث السلبية فى القصة، بينما تذكروا الجوانب العادية.
لماذا لا ننسي؟
وعن تلك الدراسة وماتشابهها من وسائل تساعد الإنسان فى التخلص من ذكرياته المؤلمة، يتحدث د. كامل هويدى - أستاذ أمراض المخ والأعصاب والطب النفسى بجامعة الأزهر - قائلاً:
كثير منا ينسى بعض الأحداث اليومية التى قد تكون مهمة وخاصة تلك التى ترتبط بأسماء الأشخاص أو الأماكن، ولكننا لا نسأل أنفسنا لم لا ننسى الذكريات رغم مرور سنوات طويلة على حدوثها كوقوعها فى فترة الطفولة مثلاً؟! إلا أن هناك لحظات موثرة تختزنها ذاكرة الإنسان كفراق أحد الأحبة أو الزوج أو الوالدين، تلك اللحظات محفورة فى أعماق الذاكرة ويصعب على أى شخص أن يتركها وراء ظهره وربما لا تستطيع عجلة الأيام أن تمحوها، وبعد أن أقرت الدراسات بعدم التخلص من الذكريات المؤلمة بسهولة، أظهرت دراسة أمريكية حديثة أن القدرة على نسيان الذكريات السيئة يمكن أن تتحقق بعد أن وجد العلماء أنهم قد يتمكنون من حذف الذكريات السيئة القديمة لدى الحلزون البحرى من خلال وقف نشاط أنزيم البروتين «كاينيز» والذى يسمى bkm والذى يعمل على تغيير البروتين بطريقة كيميائية.
وينصح د. كامل بضرورة التعبير عن الآلام النفسية التى يشعر بها الإنسان كى لا يعانى من الصمت والكبت، وفى النهاية يقع فريسة الاكتئاب النفسى، ومن خلال تجربتى الشخصية مع إحدى المريضات والتى تعانى من الاكتئاب نتيجة عدم الحوار والتعبير عن غضبها وألمها لوالدها الذى يتعمد دائماً إهانتها وسبها، والذى تقابله بالصمت وتجنبه خشية افتعاله المشكلات ، لذلك تعانى من آلام عضوية دائمة وضعف فى الثقة بالنفس ورغبتها فى الوحدة والعزلة عن الجميع، والحزن الشديد.
وهنا يتوقف العلاج على أدوية مضادة للاكتئاب وجلسات حوارية علاجية تهدف إلى تفريغ ما تحتويه الذاكرة من أحداث مؤلمة، وحل المشكلة مع الأسرة لما تلعبه من دور فى الإصابة بالمرض.
أما سامى ع 36 سنة يعانى دائماً من العصبية والسلوك العدوانى فى التعامل مع زوجته ويريد أن يدمرها، ويكره ابنته لكونها أنثى تريد اللعب بقلوب الرجال عند الكبر نظراً لتعرضه لأزمات عاطفية متكررة وفشله فى الارتباط بفتاة كان يحبها قبل زواجه، وعلاج هذه الحالة يتوقف على الحوار مع الحالة ومحاولة إقناعه بأن الفتاة مخلوق رقيق يهدف إلى إسعاد الآخرين، مع بعض العقاقير الطبية التى تهدف لتحسين الحالة المزاجية.
انكسار القلب
وعن الأزمات النفسية التى يتعرض لها الشخص وما تمثله من دور فى تشكيل شخصية الإنسان يتحدث د. محمد صلاح - اخصائى أمراض المخ والأعصاب والطب النفسى بجامعة المنوفية - قائلاً:
إن الكثير من الناس ينظرون إلى المشكلات العاطفية على أنها أزمة بسيطة وعابرة يمكن تجاوزها ببعض الترفيه، إلا أن ثمة دراسة ألمانية حديثة أثبتت أن انسكار القلب هو عملية حقيقية بمعنى كون القلب من أكثر أعضاء الجسم حساسية.
وأثبت علماء من جامعة توبنجن الألمانية أن المشكلات العاطفية لا تؤثر على القلب فحسب بل على الجسم كله،لدرجة أن عمل بعض المناطق الدماغية فى مخ المرآة تحديداً يتضرر بشدة بعد تجربة الانفصال من علاقة عاطفية، وأكثر المناطق تضرراً هى تلك المسئولة عن المشاعر والحماس والنوم والطعام، ومع ذلك ليس من قبيل العجب أن تصاب النساء عقب الانفصال بحالة من فقدان الشهية وإضطرابات فى النظام الغذائى، وأكدت الدراسة أن الأزمات العاطفية مشكلة قد يعانى منها كل الأشخاص فى مختلف الأعمار والأعمال، وأكدت أن الرجل يعانى من تلك الأزمات، ولكن بطريقة تختلف عن المرأة التى تصرح بمشاعرها لصديقاتها ووالدتها، فى حين لا يصرح الرجل بمشاعره الحزينة حتى لصديقه المقرب، كما أوضحت الدراسة أنه ليس من قبيل الصواب الاعتقاد بأن طرفاً واحداً فى العلاقة هو الذى يعانى بل كلا الطرفين، يتعرضان لمعاناة شديدة، فعندما يقول الشخص إن قلبه يؤلمه بسبب فقدان حبيبه فإن هذا الأمر صحيح للغاية بالمعنى الحرفى، وخلال سنوات عملى بهذا المجال تعرضت لكثير من الحالات التى كانت تعانى من فقدان الحبيب، وهذا ما يذكرنى بفتاة تبلغ من العمر عشرين عاماً وتدعى سها، كانت مخطوبة ومات خطيبها فى حادث وذاقت بعده مرارة انكسار القلب، وأصبحت ترى الحياة سوداء ولا يستطيع قلبها الحب مرة أخرى. وهذه الحالة علاجعا يعتمد على أدوية وعقاقير طبية مضادة للاكتئاب وجلسات العلاج النفسى والحث على تذكر آيات القرآن الكريم.
وفتاة أخرى تركها حبيبها بعد عقد القران وخافت من كلام الناس على أخلاقها فأصيبت بالحزن الشديد، وأصبحت تكره الرجال ولاتريد الزواج مرة أخرى، ولا تستطيع نسيان تلك اللحظة المؤلمة فى حياتها «لحظة الانفصال والطلاق» وعلاجها يعتمد على جلسات الحوار ومحاولة إعادة بناء الثقة داخل النفس مع المنومات والمهدئات، نظراً لعدم قدرتها على النوم بشكل طبيعى.
صفحات جديدة
ويؤكد د. صلاح على أن ماضى الإنسان هو تاريخه وخبراته التى لا يمكن أن نتركها مهما كانت مريرة أو أليمة، ولأن ذكريات الماضى ما هى إلا دروس واقعية تفيدنا فى مستقبلنا، فعلينا أن نتعلم منها دون أن نقف عندها لنبكى عليها أو نكون سجناء وعبيداً لتلك الآلام والأحزان، مع ضرورة فتح صفحات جديدة للأمل فى الحياة والنظر إلى المستقبل بنظرة تفاؤلية.
ساحة النقاش