مستشفيات مصر

تحت رحمة البلطجية وانقطاع الكهرباء والمياo

 

كتب : محمد الشريف

تتعرض المستشفيات الحكومية لموجة من العنف والأخطار تعرقلها عن أداء واجبها في استقبال ومتابعة وتطبيب المرضى بداية من اقتحام البلطجية لها بالأسلحة البيضاء والنارية وانتهاء بالانقطاع المستمر للكهرباء والمياه وتأثير ذلك على المرضى والأدوية.

وقد تصاعدت أخيرا أعمال التخريب والنهب والسرقة وترويع وتهديد العاملين بها والمرضي علي أيدي البلطجية الذين مارسوا البلطجة علي معظم مستشفيات محافظات مصر حتى أعلنت أكثر من مستشفى غلق أبوابها إلى حين تأمينها وتأمين أطبائها وممرضيها والعاملين بها.

«"حواء"» قامت بجولة ميدانية لبعض المستشفيات التي تعرضت لأعمال البلطجة لرصد نماذج مما وقع في هذه المستشفيات وبيان مدي تأمينها، كما التقينا بالعاملين بها من مديرين وأطباء وممرضين وممرضات وعمال وطاقم الأمن والحراسة الذين يعيشون حالة من الخوف والقلق>>

البداية تأتى من مستشفي المطرية التعليمي، احد المستشفيات التي تعرضت لأعمال البلطجة بل وأعنفها علي الإطلاق، حينما فوجئ جميع العاملين بالمستشفي بسيطرة البلطجية الذين تسلحوا بالأسلحة النارية والبيضاء علي مداخلها وقسم الاستقبال، وأحاطوا بالمستشفي من الخارج وكسروا أبوابها أثناء بحثهم علي أحد المصابين الذين تشاجر مع أحد أقاربهم وطعنه طعنتين أودتا بحياته بعد أن تم نقله الي مستشفي المطرية.. وانتشروا في جميع أرجاء المستشفي بحثا عنه إلا أنهم لم يستطيعوا التوصل له إلا بعد أن حطموا أبواب المستشفي، وأثاروا الرعب والفزع بين المرضي والأطباء بل وطعنوا طبيبا في قدمه اليمني عندما منعهم من دخول قسم النساء، وفي النهاية عثروا علي المصاب وانهالوا عليه ضربا وطعنوه ثم لاذوا بالهروب دون أن يتدخل أحد سواء من أمن المستشفي أو الشرطة.

ورغم مرور عدة أيام عل هذه الواقعة إلا أنها لازالت تؤثر علي طبيعة العمل المتوقف منذ وقوع الحادث تخوفا من حدوث أية أعمال بلطجة أخري، التقينا بأحد رجال الأمن الخاص بالمستشفي نظرا لعدم تواجد المدير ونائبه بها. واصطحبنا في جولة إلي داخل المستشفي لرؤية آثار التخريب التي لحقت بالمستشفي نتيجة لأعمال البلطجة.

وقال حارس الأمن الذي رفض ذكر اسمه أن تأمين مستشفي مثل المطرية والتي يتردد عليها يوميا آلاف المرضي يحتاج إلي عدد كبير، لكن لا يوجد هنا سوي فردي أمن.. والذي جعلنا نقول ذلك أننا عشنا ليلة دامية.. الرعب كان يسيطر على جميع أرجاء المستشفي، كنا أكثر من عشرين رجل أمن تابع للمستشفي، ولم نستطع فعل شيء أمام الأعداد المهولة للبلطجية الذين كانوا يحملون أسلحة نارية وبيضاء.. لذلك فإن مدير المستشفي أوقف العمل بها وأغلق قسم الاستقبال تحسبا لأية أعمال تخريبية أخري. ونحن نخشى الآن أن نتعرض لأي حادث خاصة أن بعض الناس يأتون إلي المستشفي، ويعتقدون أنها تعمل بشكل عادي، لكننا نرفض إدخالهم ولا يعرفون أن العمل بها متوقف، فيبادرون بالاعتداء علينا لإسعاف مرضاهم.

تأمين القصر العيني

اتجهنا بعد ذلك إلي مستشفي قصر العيني وخاصة قسم الاستقبال والذي تعرض أيضا والعاملين به لأعمال البلطجة.. في البداية لم نشاهد تأمين للمستشفي من الخارج سواء من رجال الشرطة أو الجيش، وفور دخولنا وقعت أعيننا علي سيارة تابعة للقوات المسلحة وأمامها رجلين من رجال الشرطة العسكرية وضابط شرطة وعدد من أفراد الشرطة.

في البداية التقينا د. محمد شهاب الدين - نائب مدير مستشفي الاستقبال والطوارئ بقصر العيني- الذي أكد علي حراسة مشددة من قبل رجال الشرطة والجيش للمستشفي بعد أن تعرضها للكثير من حوادث البلطجة من مشاجرات ، وذكر منها اقتحام مجموعة من البلطجية قسم الاستقبال بعد أن دخل مريضهم المستشفي وعلموا بوفاته بعد ثلاث دقائق من دخوله، معتقدين أن إدارة المستشفي السبب رغم أنه كان مطعونا في أماكن حساسة بجسده وبعدها قاموا بتحطيم أبواب المستشفي وأجهزتها الحديثة وكأنه نوع من الثأر أو الانتقام.

وأضاف قائلا: نتج عن هذه الوقائع خسائر مادية في الأجهزة الباهظة الثمن والأبواب وإصابة بعض الأطباء هذا، بالإضافة إلي عدم الإحساس بالأمان الذي يؤثر علي سير العمل في المستشفي.

من جانبه قال د. محمود رواش الطبيب بمستشفى قصر العيني، إن الأمن أصبح غائبا في المستشفيات، لأن كل مريض يأتي معه عدد كبير من الأشخاص ولا يستطيع أحد منعهم من الدخول، ويتعاملون مع الأطباء بطريقة غير لائقة، ويشجعهم غياب الأمن على التعدي على الأطباء والتمريض، والخروج من المستشفى آمنين مطمئنين، دون أن ينالوا عقاب ما فعلوه.

غياب أمنى

وأمام مستشفي أحمد ماهر لا يوجد أمن، مشهد كان ملفتا للانتباه، اصطحبنا أحد رجال العلاقات العامة بالمستشفي إلي مكتبه فسألناه أين التأمين من البلطجية؟.. أم أن مستشفي احمد ماهر لم يتعرض لأعمال بلطجة؟.. فقال د. محمد مصطفي عبد الغفار- مدير المستشفي: علي العكس تماما فنحن من المستشفيات التي تعرضت للبلطجة كما أن لدينا طبيبا وطبيبة أصيبا نتيجة تعرضهما للبلطجية الذين تعدوا وطعنوهم بسلاح أبيض لكنهما غير موجودين الآن لتواجدهما في الراحة.

وأضاف: نحن في انتظار التأمين والمدد من الجيش، حيث أنه يوجد لدينا فردا شرطة، وهما غير كافيين لحفظ الأمن بالمستشفي.. فهناك أماكن عليها حراسة مشددة من الجيش ولا تتعرض لنفس ضغط مستشفي أحمد ماهر.. وقد طلبنا كثيرا تأمين المستشفي دون جدوى.

وأوضح أن مهنة الطب لا يمكنها العمل وسط مخاوف تضغط علي الطبيب.. فهو لا يستطيع العمل تحت التهديد أو الضغط أو الخوف سواء نتيجة أعمال البلطجة أو غيره.. كما أن إدارة المستشفي قررت عدم إغلاقها في ظل عدم عمل الكثير من المستشفيات وغلقها أقسام الاستقبال والطوارئ.. لأن المتضرر الوحيد هم الناس الفقراء والذين لا يفتعلون أعمال البلطجة.. لذلك قررنا عدم إغلاق المستشفي والعمل بصورة طبيعية معتمدين علي حسن التعامل واحتواء الموقف مع بعض الناس غير الواعين بما يفعلونه.. لكن المشكلة في بعض البلطجية من مدمني المخدرات الذين يأتون فاقدي الوعي ولا يمكن احتواؤهم بكافة الطرق لذلك نطالب رجال القوات المسلحة بتأمين المستشفي.

المنيرة

ومن داخل مستشفى المنيرة تقول رضا عبد المعطى- ممرضة-:وقعت ثلاثة حوادث اعتداء على قسم الاستقبال بالمستشفى، الأول كان مشاجرة بين أهالي دخلوا استقبال المستشفى لعلاج أحد المصابين منهم وفوجئ الأطباء والتمريض بحضور خصوم هذا المصاب للمستشفى، واشتبكوا مع بعضهم البعض بالسلاح الأبيض بقسم الجراحة كما هددوا الطبيب الممرضة اللذين كانا يعالجان المريض بالسلاح الأبيض، وحطموا زجاج الأبواب الداخلية والخارجية وأدوات الجراحة ولم تحضر قوات الأمن إلا بعد مرور ساعة من الاشتباك.

أما الحالة الثانية: كانت لأحد المصابين في شجار في منطقة الخليفة وأثناء علاج احد المصابين منهم اقتحم البلطجية المستشفى، لأخذ هذا المصاب واعتدوا عليه بالضرب كما اعتدوا على الطبيب والممرضات مما دفع الأطباء والتمريض لترك قسم الاستقبال

والحالة الثالثة: جاءت من أحد الأشخاص وزوجته المريضة ,حيث اعتدى الرجل على طاقم التمريض بالسب بعدما أغلقت في وجهه مستشفيات القصر العيني،أم المصرين،الدمرداش وأحمد ماهر والسبب أنها مغلقة جميعا فاستفزه ذلك، وأخذ في الاعتداء على الأطباء بالمستشفى ليقوم أحد الأطباء بالكشف على زوجته.

سرعة التدخل

يطالب د.خيري عبد الدايم نقيب الأطباء بتعزيز الأمن داخل المستشفيات، مؤكدا أن الطبيب لم يعد آمناً في عمله، وهو ما يؤثر سلبا على الخدمة الطبية المقدمة للمواطنين والعلاج المناسب لحالاتهم في جو من الهدوء.

وقال النقيب: إن المستشفيات تحولت إلى مرتع للبلطجية والخارجين على القانون، مشددا على أن الفوضى السائدة في المستشفيات حاليا لم تحدث حتى أيام العصور الوسطى.

وطالب عبد الدايم بأن يكون هناك تدخل سريع لمواجهة ما يحدث في المستشفيات، مشيرا إلى أنه عندما يتم التعدي على أكبر مستشفى في مصر، وهو قصر العيني بهذه الصورة، فمن الطبيعي أن تكون الأجواء في المستشفيات الأخرى بالمناطق النائية والمحافظات البعيدة، أصعب وأسوأ بكثير.

وأضاف أنه من الضروري أن يعود الأمن سريعا في مصر كلها وفي المستشفيات بصفة خاصة، مشيرا إلى أن مسئولية ذلك لا تقع على الأمن وحده، بل يشترك فيها المجتمع ككل، وأن الأجهزة والمعدات الموجودة في المستشفيات مطمع للصوص، فضلا عن الأدوية التي يرغب في سرقتها المدمنون، وكل هذا ملك للشعب، وعليه أن يحافظ على أملاكه.

شرطة صحية

كما طالبت النقابة العامة للأطباء بإنشاء شرطة للمؤسسات الصحية وتغليظ العقوبة على المعتدين على الطاقم والمؤسسات الطبية ورفع موازنة الصحة ل15% لأن النقص الشديد في الإمكانيات بأقسام الاستقبال وراء تلك الاعتداءات، كما انتقدت النقابة عدم قيام الحكومة بردع المعتدين وملاحقتهم قضائيا.

كما أكدت النقابة على صحة ما تردد من إغلاق العديد من المستشفي أبواب الاستقبال بسب تلك الظاهرة التي باتت تهدد أرواح الأطباء وأطقم التمريض في العديد من محافظات مصر

انقطاع الكهرباء

وعن الانقطاع المستمر للكهرباء ومدى تأثيره على حياة المرضى وصلاحية الأدوية يقول د.نور عبد المقصود، أستاذ أمراض الكبد وأمراض المناطق الحارة، من داخل القصر العيني: إن كثيرا من الأمراض تنتقل بسبب عدم التعقيم الجيد للأدوات مثل أدوات طبيب الأسنان وأطباء المناظير وغيرهم وانقطاع التيار في المناطق الشعبية حيث انعدام الوعي وقلة الإمكانيات المتاحة فيضطر الطبيب ان يكمل عمله في الظروف المتاحة، خاصة في حالات الولادة والعمليات.

ويقول د. عبد الله زين العابدين، أمين عام نقابة الصيادلة، إن مشكلة انقطاع الكهرباء لها تأثيراتها المباشرة على الأدوية الموجودة بالصيدليات حال انقطاعها لفترات طويلة، إذ إن هناك بعض الأصناف التي تفسد إذا خُزنت في درجات حرارة مرتفعة، وقال إن أغلب أدوية علاج الالتهاب الكبدي "فيروس سى"، تفسد خلال ساعة من انقطاع التيار، مما أدى إلى امتناع أصحاب الصيدليات عن شرائها،وهناك بعض أمصال التطعيم التي تفسد بسب انقطاع التيار الكهربائي، وخاصة الأمصال الخاصة بالحصبة التي تحتاج لدرجة حرارة منخفضة جدا.

ويضيف: كثير من الأدوية تفسد تماما في درجات الحرارة المرتفعة مثل الأنسولين وأدوية الربو فبعد ساعة من خروجها من الثلاجة تفسد المادة الفعالة ويصبح الدواء غير مجد.

ويؤكد إن مرضي السكر وخاصة من يتعاطون الأنسولين قد تتعرض حياتهم للخطر في حالة تعاطيهم جرعة غير فعالة،والتي دائما ما يكون انقطاع الكهرباء سببا في فسادها

 

المصدر: مجلة حواء- محمد الشريف

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,791,954

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز