كتبت: سكينة السادات

نقودى القليلة ! «2»

حكيت لك الأسبوع الماضى طرفا من حكاية قارئتى السيدة شفيقة (58سنة) التى روت لى أنها من محافظة البحيرة وأن والدها كان نجارا بسيطا لكن والدتها شجعتها على الدراسة حتى التحقت بمعهد التمريض وتخرجت فيه وعينت فى مستشفى دمنهور العام كممرضة خاصة لأشهر أطباء الأمراض الباطنة الذى كان وفيا لمحافظته فكان يصمم على خدمة أهل محافظته ثلاثة أيام فى الأسبوع فى المستشفى وثلاثة أيام أخرى فى القاهرة حيث كان ذائع الصيت فى مصر وخارجها.

وباختصار حكت لى السيدة شفيقة أنهم كانوا يسمونها «الدكتورة» فى قريتها إذ كانت تعطى الحقن بالمجان للمرضى وتسعف الأطفال الذين يتعرضون للجروح والكدمات وتنقذ «الداية» أى «المولدة» إذا تعثرت الولادة وتسارع باصطحاب أصحاب المشكلات التى لاتستطيع حلها إلى المستشفى العام الذى كانت محبوبة ومعروفة فيه !

وبدأت حكايتها عندما وجدت النكاسى الكبير - رئيسها - يغازلها ويحدثها عن حبه الكبير لها وهى فى العشرين من عمرها وهو فى الخمسين من عمره وابنه الكبير وهو طبيب أيضا فى الخامسة والعشرين من عمره !

 

واستطردت السيدة شفيقة .. طبعا بحكم تربيتى الريفية فهمت الطبيب الكبير أننى فتاة شريفة وأننى أرفض المغازلة شكلا وموضوعا بل وهددته بترك العمل معه فى المستشفى والعيادة فقد كان يصطحبنى بسيارته وسائقه إلى القاهرة خلال عمله فى عيادته هناك ثلاثة أيام فى الأسبوع وكان يقول إنه لايستطيع العمل بدونى فقد كنت السكرتيرة والممرضة والمشرفة على كل ما يخصه حتى طعامه وشرابه عندما يكون بعيدا عن بيت العائلة، وكانوا يعيشون فى القاهرة.

واستطردت .. وامتنع الدكتور عن المغازلة تماما ثم فوجئت به يطلب منى أن يقابل والدى فى العيادة وباختصار ذهب إليه والدى فى عيادته بدمنهور وعندما عاد إلى البيت قال لى ..

- الدكتور عاوز يتجوزك على سنة الله ورسوله .. فما رأيك بكل صراحة ولا تخافى من أى شىء ؟

وقبل أن أجيب قال أبى ..

- سوف يشترى شقة باسمك فى دمنهور ويؤثثها ويعيش معك بما يرضى الله فما قولك ؟

قلت له .. يا أبى .. الدكتور متزوج وابنه طبيب وأكبر منى بثلاثين سنة ؟!

قال .. لن أجبرك على شىء فكرى وردى علىّ .. باكر!!

واستطردت وباختصار يا سيدتى وافقت وتزوجته وعشت معه أحلى عامين فى حياتى حتى شعرت بالجنين يتحرك فى أحشائى وكان قد اشترط على ألا أحمل وألا نعلن زواجنا وكنت قد امتنعت عن الذهاب إلى عيادته فى القاهرة واكتفيت بالمستشفى والعيادة فى دمنهور.

واستطردت - ثار زوجى ثورة عارمة وهددنى بالطلاق إذا استمر الحمل ولم أرضخ له واحتفظت بمولودى وطلقنى طلقة بائنة وهددنى بعدم الاعتراف بطفلى سنة لكننى أثبت أنه الأب بكل الوسائل.

وعلى إثر ذلك هجر المستشفى والعيادة بدمنهور ولم يرسل إلى أية مبالغ مالية ولم أطالبه فقد كنت لا أزال أعمل وأنفق على بيتى وعلى ابنى الذى كافحت حتى أدخلته كلية الطب أيضا وصرت أرى فيه أحلامى وكرست كل حياتى له فكلل الله كفاحى بالنجاح وصار طبيبا معروفا مثل أبيه!

ابنى يا سيدتى لا يعتنى بنقودى القليلة التى حرصت على أن أجمعها له فهو يكسب جيدا من عمله فى الخارج بل ويحاول أن يرسل لى مالا .. لقد حرمت نفسى من كل شىء من أجله وهو يضحك ساخرا عندما أقول له إننى ادخرت له المال وهذا الأمر يؤلمنى فما قولك ؟

 

نقودك القليلة المباركة يجب أن يفرح بها ابنك حتى ولو كان فى حوزته آلاف الجنيهات لاتحزنى إنه ابن عمرك ويكفى أنه يسأل عنك دائما ويرعاك كلما استطاع والله يوفقك ويوفقه ! لاتغضبى منه فهكذا الجيل الجديد كله!  

المصدر: مجلة حواء - سكينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 744 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,777,883

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز