لماذا نعلق فشلنا على هذه الثروة العظيمة ؟

مرة أخرى يعود الحديث عن الزيادة السكانية فى بلادنا للظهور والطنطنة بأنها السبب الأول فى تعطيل مسيرة التقدم والنهوض، وكأن هذه الزيادة لم تكن يوما هى الثروة التى اعتمدت عليها الدول المتقدمة فى تقدمها.. ولا هي حجر الأساس في تحسين البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية لتلك الدول، وإذا كان تقدم الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا - وهم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية –منطقيا، فإنه من غير المنطقى أن نجد ألمانيا واليابان من بين الدول المتقدمة وهما الدولتان الخاسرتان في الحرب! إنهما خير نموذج للاهتمام بالاستثمار في تنمية الموارد البشرية، وخاصةً اليابان التي لديها ندرة شديدة في الموارد الطبيعية، وبالرغم من ذلك فقد استطاعت بما تمتلكه من ثروة بشرية أن تبني اقتصادا قويا، تقف من خلاله بين مصاف الدول الثمانية الكبار.

ويرجع الاهتمام العالمي بتنمية الموارد البشرية إلى أن البشر هم الثروة الحقيقية لأية دولة أو أمة.. وكلما تمكنت الأمة من الحفاظ على ثروتها البشرية وعملت على تنمية قدراتها عن طريق التأهيل والتدريب المستمر، لإكسابها امتيازات التعامل مع الجديد الذي يظهر على الساحة الدولية بين الحين والآخر، تقدمت هذه الأمة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بين الأمم الأخرى، أما نحن فى مصر وفي المجتمع العربي عموما فإن الكثير من الأموال تصرف على مشاريع وخطط واستراتيجيات دون الالتفات بشكل جدي إلى تنمية الثروة البشرية وتمكينها من أدوات ووسائل العلم الحديث بهدف رفع الكفاءة الإنتاجية وتميز هذه الثروة.

 


الرفاهية وتحقيق الذات

وفى هذا الصدد يؤكد المتخصصون أن المفهوم القديم للتنمية البشرية كان مقتصرا على كمية ما يحصل عليه الفرد من سلع وخدمات خاصة بالمأكل والمشرب والملبس فيرتفع مستوى معيشته وتزداد رفاهيته، وهنا تتحقق التنمية البشرية، إلا أنه مع الوقت اتسع مفهوم هذا النوع من التنمية ليشمل العديد من النواحي النفسية مثل: الغايات والأهداف الخاصة بالفرد، والتي يحقق معها ذاته وطموحاته... إلخ، إضافة إلى الأهداف الاقتصادية، فالتنمية البشرية تهدف إلى توسيع مدارك الفرد، وإيجاد المزيد من الخيارات المتاحة أمامه، كما تهدف إلى تحسين المستويات الصحية والثقافية والاجتماعية، وتطوير معارف ومهارات الفرد، فضلا عن توفير فرص الإبداع واحترام الذات وضمان الحقوق الإنسانية وضمان مشاركاته الإيجابية في جميع مناحي الحياة، وها هي الصين – صاحبة أكبر تعداد سكانى - تخطو بخطى ثابتة ومدروسة نحو قيادة العالم، من خلال هذه الثروة البشرية الهائلة، التي جعلت منها ميزة تميزها عن سائر الأمم، ولم تجعل منها عبئا ثقيلا أو شماعة تلقي عليها فشلها كما تفعل كثير من حكومات العالم الثالث أو العالم النامي - كما يسمونه.


حقيقة راسخة على مر العصور

إن الموارد الطبيعية والأموال المتوافرة لدولة ما - رغم أهميتهما وضرورتهما الكبرى - لا يغنيان أبدا عن العنصر البشري الكفء والماهر والفعال والمدرب والمعد إعدادا جيدا مبنيا على أسس علمية دقيقة، وهذه حقيقة راسخة على مر العصور والأزمان، لأن البشر بخصائصهم التي خلقهم الله - سبحانه وتعالى - عليها  هم القادرون على استخدام هذه الموارد  بنسب متفاوتة من حيث الكفاءة والفعالية، وإذا كان هناك نقص فى الموارد والأموال فالعنصر البشري بما لديه من قدرة على التجديد والإبداع والاختراع والابتكار والتطوير، يمكنه أن يتغلب على ندرة الموارد الطبيعية، وألا يجعلها عائقا نحو النمو والتقدم، عن طريق الاستغلال الأفضل - إن لم يكن الأمثل - لطاقات المجتمع العلمية والإنتاجية، فضلاً عن الاستغلال الرشيد للموارد والاستثمارات المتاحة، ومما لا شك فيه أن الدولة التي لا تستطيع - أو تعجز عن - تنمية مواردها البشرية لا يمكنها أن تحقق غاياتها وأهدافها المخططة والمأمولة مهما ابتكرت من وسائل، بل إنه كلما زاد استثمارها في تنمية مهارات مواطنيها، ورفع مستوى كفاءاتهم العلمية والعملية، وبالتالى كفاءاتهم الإنتاجية، فإن هذا سيصب في النهاية في مجرى رفع مستوى معيشتهم، ويؤدى بالتبعية إلى امتلاكها لقلوبهم وعقولهم، وولائهم وانتمائهم، فضلا عن امتلاكها لمهاراتهم التي أكسبتهم إياها ببرامج التدريب المدروسة والمفيدة.

 



<!--

المصدر: امل مبروك _مجلة حواء
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 567 مشاهدة
نشرت فى 25 مارس 2014 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,747,484

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز