حضارة المصريين ضاربة جذورها في أعماق أهلها.. تأتي من جذور نبتها ولا تذهب أبدا للعدم، وقد توالت على مصر شعوب وحضارات من كل حدب وصوب ولم تنجح في السيطرة على هذا الشعب، بل أخذ المصريون منها ما يناسبهم ولفظوا ما لايناسبهم، ثم غزلوا منها ومن ثقافتهم عادات وتقاليد تتسم بالرقي والاصالة وتفوح منها عطر الانسانية ومحبة الخالق والتعاطف مع طبقات الشعب الكادحة، ولعل أرقاها في عيد الأضحى هو توزيع لحوم الأضحية على الفقراء ومرتادي بيوت أولياء الله الصالحين في حرص تام على شعائر الاسلام..
وهذه جولة في عادات وتقاليد شعائر الحج وعادات عيد الأضحى المبارك منذ أكثر من قرنين من الزمان!
في البداية دعونا نؤكد على ما قاله مستشرق مهم هو " جون لويس بوركهارت " الذي وضع مرجعا مهما عن " العادات والتقاليد المصرية " ( عام 1817 م ) اكد أن هناك وضوحا تاما على أن قيم الفضيلة والشرف والاحسان ومحبة الناس هي أشياء تحكم تصرفات وسلوك المصريين في مواجهة قلة تعاني من العادات السيئة.
وصف مصر
ولعل أهم مصادرنا في هذا السياق هو موسوعة وصف مصر الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية ( الذي طبع للمرة الأولى العام ( استغرق العمل فيها من 1809 الى 1822وظهر المجلد الأول منه عام 1809 ) يقرر العلماء الفرنسيون أن أعياد المصريين كلها تعود إلى أصل ديني، إلا أن الأعياد المقدسة هي العيدين: الفطر والأضحى ( عيد رمضان وعيد الأضحى كما تسميهما الموسوعة )، أما عن عيد الأضحى " الكبير"، فيتم الاحتفال به في العاشر من ذي الحجة وهو آخر شهور السنة الهجرية، ويستمر لأربعة أيام بالنسبة لعامة الشعب، لكن الأثرياء وعامة الشعب وكبار الشخصيات يحتفلون به لمدة أسبوع كامل .
ويتفق حلول العيد الكبير مع بدء وصول الحجاج من مكة ويتم ذبح الأضحية، حيث تذبح معظم الأسر المصرية في كل أنحاء مصر حملا أو أي ذبيحة أخرى بحسب امكاناتها، أما الأغنياء فيذبحون عدة ذبائح، بحيث تخصص لكل فرد من الأسرة ذبيحة على الأقل، لكن الفقراء يكتفون بأضحية واحدة .
وتشير الموسوعة إلى أنه في الاعياد تكثر الصلوات وتبقى المحلات مفتوحة ويستطيع العمال القيام بأعمالهم المعتادة لكن الناس يفضلون أن يرفهوا عن أنفسهم، فيرتدون أجمل ملابسهم، وتغمس الشوارع بأناس انغمسوا في المرح.
الملابس
لا تتأثر ملابس المصريين على الاطلاق بالموضة..جملة توقفت أمامها كثيرا في وصف ملابس المصريين منذ أكثر من مائتين وخمسة أعوام، فالآن الأمر مختلف، فالموضة تخرج من عواصم الغرب لتكون عندنا بعد ايام أو ساعات، وقديما كان المصريون يفضلون الالوان الزاهية في الملابس، وكذلك هم يفضلون الملابس المتسعة وهي كانت سمة في ملابس الشرقيين
نكتة
ومن الطرائف القديمة أن أحد المصريين اشترى سروالا أي بنطلونا من باريس ـ على الموضة فمن الواضح ان باريس كانت ايضا عاصمة للنور والبنطلونات ـ وكان هذا البنطلون بالغ الضيق فالتقاه أحد أصدقائه فبادره بطرفة قائلا: هل الأقمشة بيعت كلها في فرنسا حتى يصنعوه بهذا الشكل!أما عن خامات ملابس العيد فهي كالتالي: سروال الصيف من التيل والشتاء من الجوخ،والطربوش يغطي الرأس حتى الأذنين والصديري صغير بلا أكمام.
احتفالات
وننتقل إلى مؤرخ آخر شديد الأهمية هو المستشرق الأيرلندي " ادوارد وليم لاين ": يقول في أيام العيد يقوم المهرجون بإمتاع الجماهير بحركاتهم ودعاباتهم عن طريق العروض الهزلية المرتجلة، وأيضاً في مقالب الحواة مع الجمهور على مسرح بالغ الصغر في الشوارع والحارات، ومن الطريف أن هذه الفترة قد شهدت ظهور فناني العرائس عن طريق مسرحه المتنقل بين الاحياء، ويشترط في فنان العرائس ( المتحركة بالخيوط) ان يكون صوته حادا لتأدية أصوات شخصياته من العرائس وهي عروض كانت تلقى إقبالا كبيراً من الجمهور لتسليته وقضاء بعض الوقت.
مظاهر الحج
والحقيقة أن المصريين المتدينين بطبعهم كانوا ولا يزالون مولعين بمظاهر الحج، وكانت القافلة العائدة من بيت الله الحرام تصل في نهاية شهر صفر ( ثاني الشهور الهجرية أي بعد نحو ثلاثة أشهر وكان يعرف هذا الشهر بـ " نزلة الحج"، وكان يصل قبلهم ما يعرف بـ "شاويش الحج" ليعلن قرب وصول الحجاج، ويجوب الشوارع والحارات لهذا الغرض صائحاً جملته الشهيرة" بارك على الرسول" وعلى كل مسلم يسمع هذه الجملة أن يردد خلفه" اللهم بارك عليه.
صلوات الله وتسليمه عليك يا رسول الله..وعيد أضحى سعيد على الجميع.
المصدر: طــــاهر البــــهي
نشرت فى 14 أكتوبر 2014
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,951,370
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش