تعد حياة المرأة الشخصية خطا أحمر لا ينبغى لأحد المساس به مهما كانت صلته أو درجة قرابته، خاصة إذا تعلق الأمر بتأخر الزواج أو الإنجاب، إلا أن البعض يعطى لنفسه حق استباحتها والتدخل فيها، ما يسبب ألما نفسيا للمرأة لتعلن سخطها قائلة «عفوا إنها أمور شخصية »، فيكف تستطيع مواجهة هذا الإختراق دون أن تفقد علاقتها الاجتماعية بالبعض ؟
فى البداية تقول أمنية محمد 30 عاما: دفعتنى تساؤلات أقاربى المستمرة حول سبب تأخر زواجى إلى تجنب الجلسات العائلية والمناسبات العامة حتى نزهاتى مع أصدقائى التى كنت أحرص عليها أسبوعيا اضطررت لتجنبها، وبعد أن كنت أقابل أسئلة الناس بسعة صدر أصبحت أضيق ذرعا منها بل وأرد عليها بجفاء «اتركونى وشأني، فهذا قرارى وليس من حقكم التدخل فى أمورى الخاصة .»
أما رقية السيد موظفة، فكان تدخل الآخرين فى حياتها سببا لإنهائها فتقول: تركت منزلى بسبب مشكلات بينى وزوجي، ما جعل الكثير من جيرانى وأقاربى يتساءلون عن سبب تركى له، ولحسن نيتى ظننت أن أسئلتهم لمجرد الاطمئنان وإعطاء النصيحة والمشورة، لكن للأسف كانوا سببا للوقيعة بينى وزوجى وكتبوا كلمة النهاية لحياتى الزوجية.
بينما كان رفض زوجة رامى محمد للآخرين بالتدخل بينها وزوجها سببا لتمسكه بها فيقول: حدثت بينى وزوجتى مشادة كلامية تركت على إثرها المنزل، بعدها أدركت أننى المخطئ فى حقها فأرسلت إليها أشخاصا ليصلحوا بيننا إلا أنها رفضت أن يتدخل بيننا أحد مهما كانت قوة العلاقة التى تجمع بيننا ما زاد حبها بقلبى وجعلنى أتمسك بها أكثر.
منطقة محرمة
يعلق د. عماد مخيمر، رئيس علم النفس بكلية الآداب جامعة الزقازيق، على التجارب السابقة فيقول: لكل منا خصوصياته التى لا ينبغى على أحد الاقتراب منها إلا بعد السماح له بذلك، والفيصل فى ذلك طبيعة الشخصية والعلاقة والبيئة، فعادات سكان الريف تختلف عن الحضر وكذلك المناطق الشعبية، وقد أوصانا رسولنا الكريم بعدم التدخل فى أمور الغير فقال: «من تتبع عورات الناس تتبع الله عوراته »، كما أن الأمية تلعب دورا كبيرا فى السماح للآخرين بالتدخل فى الأمور الخاصة، فعادة يرفض الشخص المثقف التدخل فى شئونه الخاصة لأنه يعرف تداعيات ذلك التدخل بينما يسمح الأمي لأى شخص باختراق خصوصياته، لذا أنصح بعدم السماح للآخرين بالتدخل فى خصوصياتنا وإشعارهم بأنها منطقة محرمة ومحظور اختراقها لأى شخص لأن الحفاظ عليها السبيل إلى تحقيق السعادة، وإذا كان الأمر يستدعى طلب المشورة فمن الممكن اللجوء لصديق موثوق به بشكل كبير.
وتتفق معه فى الرأى د. سميحة نصر، أستاذ علم النفس بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية، وتنصح بوضع حدود للتعامل مع الأصدقاء والأهل، وإعلان رفض اقتحام الأمور الشخصية دون تردد انطلاقا من مبدأ «من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه .»
الإطراء قبل المواجهة
أما د. وائل الكميلي، خبير التنمية البشرية: فيقول التدخل فى شئو الغير له أغراض كثيرة إما للاطمئنان والاهتمام وقد يكون مجرد عادة لدى الشخص، ويمكن معرفة الغرض منه من خلال العلاقة التى تجمع بين الشخصين وطبيعة موضوع النقاش، وفى العموم أنصح بالتعامل مع الأمور ببساطة وسلاسة واتباع استراتيجية الإطراء قبل المواجهة، وهى البدء بمقدمة لطيفة قبل الاعتراض على التدخل فى الشئون الخاصة، مشيرا إلى أن بعض الصداقات نشأت بسبب التدخل فى الأمور الخاصة، ففى بعض الأحيان يتخلى الكثير عن شخص فى محنته ما يجعله أشد الحاجة إلى الدعم فتنشأ علاقة الصداقة مع أول شخص يمد له يد المساعدة.
المواربة والإزاحة
وعن نظرة المجتمع للمتطفل على حياة الآخرين تقول د. عزة أحمد صيام، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة بنها: يسمح بعض الأفراد لأنفسهم بانتهاك خصوصية الآخرين متبعين فى ذلك طريقة المواربة والإزاحة حيث يتغافل عن مشكلاته الخاصة ويهمل أموره الشخصية لعجزه عن حلها ويتطوع بالحديث فى مشاكل الغير رغبة منه فى معرفة خباياهم.
وتابعت: تعود هذه المشكلة إلى طبيعة الشخصية، فهناك شخصيات تسعى إلى فرض سيطرتها من خلال توجيه الآخرين دون طلب المساعدة منه، وأخرى تشبع هوايتها بنقل أخبار الناس للآخرين والوقيعة بينهم، لذا علينا جميعا أن نضع سياجا حول حياتنا الشخصية ورفع شعار «ممنوع الاقتراب » والرد بكل حسم وقوة على من يسعى إلى اقتحامها، مؤكدة أن المجتمع المصرى حريص كل الحرص على الحفاظ على خصوصيات الناس ويرفض المتطفل ن، داعية إلى نشر التوعية بخطورة تبعات السماح للآخرين بالتدخل فى الأمور الشخصية، وتنصح بعدم التحدث عن مشكلاتنا الشخصية أمام الآخرين انطلاقا من وصية الرسول الكريم «استعينوا على قضاء حوائجكم بالصبر والكتمان » .
ساحة النقاش