"لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية..داحنا قصة حبنا ليها أكتر من بداية"..دائماً تأتي هذه الأغنية في خاطرى، وطيف أمى رحمها الله يراودنى بين اللحظة والأخرى، دائماً أرى أنها قصة حبي الأول، حبي الفطرى الذي لا يتوقف قلبي لحظة واحدة عن تلحين نبضات خاصة به، تأتي على هيئة أغنية "حنين حنين حنين.. أنا دايبة فيك حنين"، كانت تقول لى أنا أتنفس في وجودك بجانبي، وكنت أقول لها وأنا أحيا في قربك، تعلمت أن الجنة تحت أقدامها، وكنت أقبل قدمها، وأتمنى لو حانت لى لحظة شرف في أن أقبل الأرض التي تمشي عليها،تعلمت في حبها أن أحب وطني، وأن أفديه بروحي،لأنها علمتني كيف أعشق الوطن وتراب الوطن .

كدت أختنق قبل أيام قليلة من قدوم شهر رمضان الكريم، وأنا لا أتصور أن يأتي رمضان دون وجودحبيبتي،شريط من الذكريات الجميلة،وهى تجلس في المطبخ ووجها الأبيض الجميل قد تحول إلى لون الشمس الأحمر عند الغروب، ورائحة برام الأرز، وطشة الملوخية تخترق كل حواسنا،تذكرت صينية الكنافة،وأجمل قطائف من يد أمي، تذكرت كيف كانت تغني في المطبخ بأجمل أغاني الست فايزة أحمد"أنا قلبي إليك ميال"، "وقدرت تهجر"و"بيت العز يابيتنا"، تذكرت صلاتها وقيامها ودعاءها لنا في جوف الليل،المهم مع شريط الذكريات ورائحة زمن أمي الجميل قررت على الفور أن أذهب إليها، أن أرتمي في أحضان سريرها، وأفرش غطاها الجميل المعبق بأنفاسهاعلى وجهي،وذهبت وكانت المفاجأة!؟أمي كانت تنتظرني، كل الروائح تؤكد أن أمي في المنزل،وساعتها فقط قررت أن أقضي شهر رمضان الكريم في شقة أمي، أنام على سريرها، وأفترش غطاها، وأصلي قياماً على سجادة صلاتها المعبقة برائحتها الزكية، وكان ما كان!

في أول ليلة، وفي أحضان سرير أمي لم أشعر براحة في النوم منذ أعوام مثلما شعرت، لم أشعر براحة قلبية، وسعة الرزق، ورزق الغلابة التى كانت تجهزه كل عام مثلما شعرت، ما كل هذا الخير، ما كل هذه البركة، وزوجتي كعادتها تقوم بالتوزيع، وتتعجب من هذه البركة، وهذا الخير لهؤلاء الغلابة الذين فرحوا بفتح نوافذ شبابيك منزل أمي، كل يوم راحة،ورزق، وسعادة، ربما لم أكن أتخيلهاولم أشعر بها من قبل، وجلست مع أمي، واستمعت معها لأجمل أغاني كانت تحبها، فكانت أيام جميلة، وشهر عسل جديد، تمنيت أن يعيشه أي شخص مع أمه إن كانت توفاها الله، وأن يغتنم أي شخص حياة أمه ليكون بقربها، وأتمنى أن يعطيني الله عمراً لأقيم كل عام في أحضان سرير أمي .