سعيا وراء إثبات الذات وإبراز النضوج العقلى يقدم الأبناء على تصرفات مغايرة لسلوكهم مع بلوغهم سن المراهقة الذى تصاحبه الكثير من التغيرات الجسدية والهرمونية ليجد الشاب نفسه وسط صراعات نفسية تؤثر على علاقته بأسرته ومحيطه الاجتماعى. فكيف يستطيع الوالدان التعامل مع صعوبات فترة المراهقة بطريقة صحيحة، هذا هو ما حاولنا كشفه فى جولتنا التالية ..
البداية مع رنا محمود، موظفة والتى عانت عناد وتمرد ابنها خلال مرحلة مراهقته وتقول: عندما أطلب من ابنى عدم السهر خارج المنزل لفترة طويلة والعودة في ميعاد محدد يغضب ويرفع صوته قائلا: "أنا كبرت وبقيت راجل، أرجع للبيت وقت ما أحب"، ما أشعرنى بالتوتر والقلق النفسي والخوف عليه من رفقاء السوء، فتكلمت معه كثيرا وحاولت أن أقنعه بأن ما يفعله خطأ لكنه لم يسمع كلامي أبدا ما دفعني لحرمانه من مصروفه الشهرى.
وتقول ريهام عبد الله، ربه منزل: تستخدم ابنتي ذات الـ 14عاما التابلت على مدار اليوم وتتواصل مع أحد الشباب الذى تعيش معه قصة حب، ويتبادلان الحديث عن الزواج والحياة الأسرية دون مراعاة المؤهل التعليمي والتفكير في العمل، وعندما تحدثت معها بأن التفكير في الحب والزواج خطوة سابقة لأوانها ولابد من قطع علاقتها بهذا الشاب أقنعتني بأنها سوف تقطع علاقتها معه، لكنني عندما راقبتها وجدتها ما زالت على اتصال به.
وتشكو نورهان سامى، موظفة من تقليد ابنها لوالده فى كل تصرفاته حتى السلبية منها قائلة: يدخن زوجي أمام ابنه، وذات يوم وجدت ابنى طلب من والده أن يدخن سيجارة وعندما وضح له والده بأن التدخين خطأ وأنه ما زال صغيرا غضب ابنى ورفع صوته في وجه أبيه قائلا: "أنا عايز أدخن زيك يا بابا أنا كبرت بقى وما بقيتش صغير"، ما أشعرنى بالصدمة من رد فعله، فتحدثت مع زوجي وطلبت منه الإقلاع عن التدخين كي لا يقلده الولد ويكون قدوة أمام ابنه.
الثقافة الأسرية
عن التعامل مع مشكلات مرحلة فترة المراهقة يقول د. سعيد ناصف، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: تبدأ مرحلة المراهقة من سن 15 : 19 سنة، وتصاحبها تغيرات بيولوجية وفسيولوجية وتحول جسدي، حيث يظهر للولد الشارب وعلامات الذكورة كخشونة الصوت، بينما تظهر على الفتاة ملامح الأنوثة كنعومة صوتها وميلها لأشياء مختلفة عن مرحلة الطفولة كالرغبة في وضع الماكياج وارتداء الإكسسوارات، ولأن الاهتمامات والأفكار تتغير لدى المراهق يجب على الأسرة أن يكون لديها وعى بأسلوب التعامل مع الأبناء خلال فترة المراهقة، وهذه الثقافة لابد أن تكون قائمة على الاحتواء والحوار بين الوالدين والأبناء وتوضيح الأمور والرد على تساؤلاتهم بكل وضوح وشفافية كي نتفادى حدوث الانحرافات والإصابة بالاكتئاب والميل للانتحار، فالثقافة الأسرية هي حجر الأساس الذى ينشأ من خلاله المراهق تنشئة اجتماعية ونفسية سليمة.
ويتابع: تتسم هذه المرحلة بوجود تطلعات وطموحات وآمال قد تكون أسبق من سن المراهق كالتفكير في ما بعد في المؤهل التعليمي والوظيفة والزواج فهذه الأفكار لابد أن تأتى في سن متأخرة عن سن 15 سنة، لكن عندما تأتى مبكرا يتعرض المراهق للضغط النفسي، كما أن تعامل الأسرة بالسلب يؤثر على أعصاب ونفسية المراهق ونتيجة الضغط والقلق النفسي والأسرى قد يتعرض للتأخر الدراسي.
صراع داخلى
يقول د. على محمود شعيب، أستاذ الصحة النفسية بقسم علم النفس جامعة المنوفية: يشعر الابن خلال فترة المراهقة بأنه وصل لمرحلة اكتمال النضج لكنه فى نظر المجتمع ما زال صغيرا ما يشعره بصراع داخلى بين الاعتمادية والاستقلالية، فهو يريد أن يكون له غرفة خاصة ومستقلة به ولا أحد يراقب ما يفعله، لذا يجب على الأسرة أن تفهم المراهق طبيعة العادات والتقاليد التى تحكم مجتمعه، ومن الممكن أن تأخذ الأم ابنتها وتشترى بعض الأغراض وتدخرها لزواجها كى تنشأ عند ابنتها أهمية وقيم الزواج، كما يمكن للوالد اصطحاب ابنه عند زيارته لأحد أصدقائه ليتعلم منهم طرق التعامل مع الآخرين وكيفية حل المشكلات واكتساب الخبرة من والده.
ينصح د. كامل محمود هويدى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر الأبوين بتعزيز الثقة بالنفس لدى المراهق ومراقبة سلوكياته فى المنزل والمدرسة والسيطرة على الأفكار والطموحات غير المتسقة مع المجتمع كى لا يصاب بالتوتر والاكتئاب النفسي، ويقول: لابد أن يكون لدى المراهق قدوة صالحة يراها دائما متمثلة فى إحدى الوالدين أو الأقارب، إلى جانب ضرورة الإنصات الجيد من قبل الأبوين لحديثه وتجنب التقليل من أفكاره وآرائه.
أما د. هناء جلال، أستاذ أصول التربية بكلية التربية جامعة المنوفية فتقول: لابد من غرس القيم الدينية فى نفس المراهق وتعليمه تحمل المسئولية وكيفية قضاء وقت فراغه فيما يفيده، فعقول المراهقين سلاح ذو حدين لذا لابد من التعامل معهم بمرونة لأنه عندما يحدث تقدم كبير فى الفكر والتنشئة الاجتماعية ويتم التعامل معه بشكل سلبى سواء من الأسرة أو المجتمع قد يعرضه ذلك لسلوكيات خطيرة واضطرابات نفسية نتيجة للتغير المستمر الحادث لعقولهم.
وتتابع: يتصف الكثير من المراهقين بعدم القدرة على إقامة اتصال مقبول مع الآخرين ولمعالجة ذلك لابد من تحديد مصادر القلق والخوف لديه من التعامل مع الآخرين وتشجيع الوالدين له على الذهاب مع الأصدقاء والاندماج مع الآخرين وعدم إهانته أمام زملائه، وقد يتصف البعض بالعناد والتمرد والعصبية وللتعامل معه لابد من إشراكه مع الآخرين وتوحيد الرأى أمامه والطلب منه قبول الرأى الآخر.
ساحة النقاش